شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كونتيسة لبنانية وعشيقها الفرنسي في نيويورك

كونتيسة لبنانية وعشيقها الفرنسي في نيويورك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 11 فبراير 201702:52 م
تقدم دار ميتروبوليتان للأوبرا في مدينة نيويورك العمل الأوبرالي الأول للمؤلفة الموسيقية الفنلندية كايا ساريهو (من مواليد هلسنكي 1952). وقد كتب نص القصة المثيرة، الأديب والصحافي اللبناني-الفرنسي المعروف أمين معلوف (مواليد 1949)، بعنوان L’amour de loin "الحب عن بعد"، التي تدور أحداثها في القرن الثاني عشر. كانت الأوبرا بداية حوار فني بين ساريهو ومعلوف، ثم استمر بين الاثنين. فكتب معلوف نصوصاً لعدد من مؤلفات ساريهو الموسيقية المسرحية، بعد هذه التجربة الأولى. ما يثير في قصة التعاون بين كايا وأمين، أن كلا من النوعين الفنين لإبداعمها وجد "حميمية" في الآخر. وكما قالت كايا، إن كتابات أمين بدت "قريبة" لموسيقاها، وكأنهما من "عائلة واحدة".

شخصيات الأوبرا

جفري، وهو "تروبادور"، شاعر غنائي فرنسي، من مقاطعة "أكتانيا" جنوب غرب فرنسا، مستوحى من شخصية تاريخية هي جفري روديل، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ونسب له العديد من الأشعار. كليمنس، كونتيسة من طرابلس، لبنان. المهاجر/ة، المرسال، تقطع البحر المتوسط شرقاً وغرباً، وتلهم مخيلة كل منهما بقصص عن الآخر، وتبحر بجفري للقاء كليمنس. الشخصية هي ثنائية الجنس (زنمردة)، تتوسط وتجمع بين شخصيتي كليمنس وجفري. كما أن الدور قد كتب في طبقة mezzo-soprano، وبذلك يتوسط موسيقياً طبقة جفري الـ"باريتنون" Baritone، وكليمنس الـ"سوبرانو" Soprano. [caption id="attachment_86139" align="alignnone" width="700"]شخصية المهاجر في قاربها تقطع المتوسط - موقع دار الأوبرا شخصية المهاجر في قاربها تقطع المتوسط - موقع دار الأوبرا[/caption] جوقة الكورس: التي تظهر من عمق البحر، وتخاطب جفري وكليمنس، كما تخاطب الجمهور. وربما يمكن أن نضيف: البحر المتوسط، الذي يتجاوز بحضوره الدائم في الأوبرا كونه مسرحاً للأحداث، ويكاد يحتل موقع الصدارة، خصوصاً أن تموجات ألوانه (أو أضوائه)، تتحكم بالمشاهد والأحداث، وتصبغ الحالات الشعورية والتخيلية في الأوبرا كلها. القارب، الذي يجعل التواصل بين عالمين، وقارتين، وشخصيتين غريبتين إحداهما عن الأخرى ممكناً، وحتى محتماً وقدرياً.

قصة الأوبرا

تدور أحداث الأوبرا في 5 مشاهد، تفتتح بشخصية جفري، وقد سئم حياة اللهو، واستحوذ عليه شوق لحبيبة خيالية، تصوّرها في أشعاره، وبدأ يتغنى بها. تلتقي شخصية الرحالة المهاجر بجفري، وتخبره أن الحب الذي يصفه ليس خيالاً، لأنه وصف لكونتيسة طرابلس كليمنس. وتقوم الشخصية بالدور نفسه عند لقاء كليمنس، فتخبرها أن شاعراً في فرنسا يحبها "عن بعد"، ويتغنى بها.
رحلة من أوروبا إلى المشرق العربي في سبيل الحب... إبداع لبناني في ضيافة نيويورك
عمل مشترك لأمين معلوف والمؤلفة الموسيقية كايا ساريهو، يتناول علاقة الغرب بالشرق، شرق السيد المسيح، وألف ليلة وليلة..
في النهاية يقرر جفري السفر مع المهاجر للقاء كلمينس، ويبحران معاً. وهنا، كما هو حال الرحلة في الفن والأدب، تكون بمثابة اختبار. تعترض القارب عاصفة بحرية، وتزور كليمنس جفري في أحلامه، دون أن يعرف إن كانت حقيقة أم خيالاً، وتعذبه مشاعر التردد والتخوف من قراره ومغامرته. يعتل جفري قبل أن يصل إلى شواطئ طرابلس، لكنه يلتقي كليمنس لحظات. وبعد الأهوال التي واجهها جفري، يفارق الحياة بين ذراعي معشوقته. Screen Shot 2016-12-27 at 4.05.57 PM يظهر المشهد الأخير في الأوبرا كليمنس وهي تعاني من الحزن واليأس والغضب، والتردد في تفكيرها حول معنى الحياة والقدر.

شاطئا البحر الأبيض المتوسط

قصة هذه الأوبرا تتناول من جديد علاقة الغرب الأوروبي في القرون الوسطى بالشرق، شرق السيد المسيح، وألف ليلة وليلة، وزهرة اللوتس. اختيار شخصية العاشق كشاعر يرتبط عميقاً بالصورة غير الواقعية، أو الخيالية التي أنشأها أوروبيو القرون الوسطى عن الشرق. فقد صدق الشاعر الوسيط أن محبوبته التي تخيلها ليست وهماً، بل هي حبيبة واقعية موجودة في الشرق الذي وصفه المهاجر. في الأوبرا، تكاد الصورة تطابق الحقيقة التي افترضها الشاعر عن سحر كليمنس وجمالها الأسطوري، مع أن العلاقة بحسب سيرورة القصة بين شمال المتوسط وشرقه لا تستمر. يصرخ الشاعر العاشق المسافر، وهو يواجه عاصفة في وسط البحر، "هل أعاقب لأنني بدأت رحلة في سبيل الحب؟"، ويذكرنا بذلك أن قصته تدور أحداثها أثناء الحروب الصليبية (بين القرنين 11 و13)، من أوروبا إلى الأرض المقدسة، والتي كانت حملة عسكرية وذات دوافع دينية، وأهداف اقتصادية واضحة. أما رحلته، فكانت في سبيل الحب. من هنا، كانت الأضواء المتعددة الملونة تغطي مياه البحر. ثم في هذا الجو الترميزي تأتي الموسيقى لتحمل كل شيء، وتعبر عن كل ما له علاقة بالمشاعر العميقة في هذا التواصل الإنساني، والرمزي التجريدي في الوقت نفسه. وصف الأداء الأوبرالي في دار المتروبوليتان بأنه تاريخي، إذ قدم عدداً من المفاجآت: 1- الأوبرا تميزت بإخراج روبيرت لُباج، الذي ابتكر تجربة جديدة باهرة. فتغطت خشبة المسرح بأضواء LED. إنه عمل يستحوذ على حضور الجمهور، على الرغم من أن المؤثرات المتلألئة ليست موضوعة لنراها فقط، بل هي في الواقع مرافقة للموسيقى، وتكملها. مضمون الموسيقى يدور حول حالات مختلفة للبحر، وكيف تؤثر تلك الحالات على سير القصة وعلى الخلفية النفسية. الأوبرا بأمواجها الموسيقية، تغمر الجمهور في جمالية ساحرة جداً، تستولي على المشاعر بصورة ممتعة. 2- لأول مرة، منذ عام 1903، تستضيف دار المتروبوليتان عملاً لمؤلفة موسيقية! منذ ولادة الأوبرا في بداية القرن الـ17، ألفت نساء مئات الأوبرا، إلا أن معظم هذه الأعمال ظلت مغمورة، ولم يتم أداؤها في دار أوبرا. بالنسبة إلى دار الميتروبوليتان، تبدو حقيقة غياب أعمال لنساء مؤلفات مفاجئة جداً. ومما يميز هذا العرض هو أن قيادة الأوركسترا كانت أيضاً لامرأة، هي سوزانا مالكي، وهي كساريهو من فنلندة. 3- توصف موسيقى ساريهو بأنها "تنبض باللون"، وتعتمد صياغتها على مركزية المشاعر والحالات النفسية في أدق وأعمق مكنوناتها. فالحب والموت هما الموضوعان الرئيسان للأوبرا منذ بدايتها في إيطاليا عام 1600. وهذه الثنائية تعود في أوبرا "الحب عن بعد"، في صيغة مبسطة، أعطت فرصة للموسيقى والإخراج لاحتضان دواخل الشخصيات وتقلبات حالاتهم العاطفية. ومع أن السياسة والحروب التي تهز العالم اليوم، لم تكن دافعاً لتأليف هذا العمل، إلا أنه، خصوصاً اليوم، يذكرنا أن الإبداع لا يعترف بالقوانين التي تحكم حركة الناس وتنقلهم. فهو بطبيعته يقاوم سلطة الحدود، وقمعية الاعتبارات المحدودة. كايا وأمين يستحضران قروناً من الـ12 إلى الـ21، في قصة تجمع الشرق والغرب، وتخاطب الإنسانية جمعاء في تأملاتها حول الخيال والحقيقة، وحول وحدة الفنان وحس المغامرة، وحول الحب والانتظار والموت، والرغبة الدائمة في الانتماء. إنه عمل جدير بالمشاهدة والاستماع بلا أدنى ريب.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard