شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
رواية

رواية "زرايب العبيد": البياض بيننا وبينهم وليس السواد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 1 ديسمبر 201606:55 م
تطرح الكاتبة "نجوى بن شتوان" في روايتها الأخيرة "زرايب العبيد" موضوع العبودية في ليبيا، وتعود بنا إلى زمن ما قبل الاحتلال الإيطالي لليبيا لتكشف جزءاً من ذلك التاريخ المظلم الذي ما زالت آثاره ماثلة حتى الآن. حبكة الرواية تبدأ مع قدوم رجل غريب إلى منزل "عتيقة بنت تعويضة" ليعطيها وثيقة نسبها، طالباً منها أن تعطيه فرصة كي يصلح ما يمكن إصلاحه، فهو قد بحث عنها طويلاً كي يعطيها هذه الوثيقة، ويعيد لها حقها قبل أن يموت. "قد لا تصدقينني وتقولين أين كنت طوال هذه السنوات. ما لم أحكِ لك وتعرفي لن يمكن تصوّر شيء. حتى إن رفضت اللقاء بي مجدداً وكانت هذه آخر زيارة تقومين بها سأكون سعيداً لأني التقيتك قبل أن أموت وأعدت لك ما استطعت من حقك وحق أمك، اسمك ونسبك. أما ميراثك الشرعي فما زلت أخوض صراعاً مع بقية الورثة لتحصيله بعد إثبات النسب". هذا اللقاء الذي يجمع "عتيقة" بالرجل الذي سنعرف لاحقاً أنه ابن عمتها، سيستدعي الكثير من الكلام، والكثير من البوح، ليرمما معاً القطع الناقصة من الحكاية الكاملة، حكاية خاله "محمد" الذي عشق أمها "تعويضة" التي كانت عبدةً في دارهم، وفي سبيل هذا الحب أهمل زوجته ما استدعى تدخلاً من العائلة كلها لإبعاد الخادمة السوداء التي سلبت قلب ابنهم وعقله، ولكنهم مع ذلك لم يستطيعوا منع تشكّل ثمرة هذا العشق، فكانت الابنة التي ولدت في زرايب العبيد بعد إبعاد الأم عن دار أسيادها. تصوّر الرواية معاناة ذوي البشرة السوداء، والمآسي التي يتحملونها سواء كانوا مملوكين من قبل البيض، ويخدمون في منازلهم، أو حصلوا على حريتهم فذهبوا ليعيشوا فصول الفقر والحرمان في الزرايب التي سميت باسمهم. وكما في كل المواضيع والأفكار التي تطرح اليوم في الروايات، فإن فكرة العبودية قد نوقشت وطُرحت في كثير من الروايات، غير أن الرهان يصبح في كل مرة هو في الحكاية التي ستنقل هذه الفكرة، وفي الشكل الذي سيحمل هذه الحكاية، و"نجوى بن شتوان" كانت واعية لهذا، فعلى صعيد الحكاية والسرد خلقت حكاية مثيرة، بشخصياتٍ فريدة ولغة بصرية سلسة، وأما من حيث الشكل فقد اختارت تكنيكاً ذكياً لبناء الرواية، فبدأت من نقطة زمنية معيّنة، وعادت خطفاً إلى الخلف لتحكي قصة "عتيقة" في طفولتها وكيف عاشت، وبرعت في تشويقنا على امتداد نصف الرواية وفي خلق ألغاز وتساؤلات كثيرة، وصلت إلى ذروتها في اللحظة التي تحترق فيها الزرايب، وفي الذورة تماماً فجّرت أول الإجابات، لتبدأ تدريجياً في النصف الثاني من الرواية بكشف كل ما كانت تخفيه، من خلال العودة زمنياً إلى مرحلة سابقة لمرحلة طفولة "عتيقة"، فحكت سيرة حياة أمها قبل ولادتها هي، وفي ختام هذه الحكاية عادت إلى الزمن الذي بدأت به، أي زمن مجيء ابن خالها وإعطائها وثيقة نسبها، محافظةً على شد القارئ حتى الفصل الختامي الذي تتكشف فيه آخر الأسرار. "كانت عمتي صبرية في المدينة لبعض الشؤون، حين عادت وراعها الحريق الذي شبّ في الزرايب (...) أخذت عمتي تجري والخوف يسقط قلبها، لم يلحظها ممن تزاحموا كالنمل عند مداخل الزرايب أحد. لم تبالِ عمتي بالجنود المصطفين وهم يمنعونها من الدخول، دفعتهم صائحة: يا ويلكم، الجرد والكاغد! (...) كانت عمتي عيدة مصدومة مثلي. في لحظة بدا الجميع فيها وكأنهم يحترقون فعلاً. تيقنت من شيء ما بدأت تحثني عليه: ابكي المرأة التي لن تعود. ابكي أمك. صبرية أمك وليست عمتك". ينمو بين ثنايا الفكرة الأساسية خيطٌ رفيع لقضية أخرى تطرحها الرواية، هي قضية المرأة ومعاناتها، وفيه تنتقد الكاتبة بشدة المعتقدات البالية والتقاليد المتوارثة التي تمارس عليها، ينمو هذا الخيط ويكبر على امتداد السرد عبر خلق حبكات فرعية ضمن الحبكة الرئيسية، أو عبر المشاهد المبثوثة هنا وهناك في الحكاية الأساس، ومن بينها المشهد الذي تحكي فيه "عتيقة" عن طقس "تقفيل" البنات. تثبّت الكاتبة انتهاء تاريخ العبودية في ليبيا مع طرد العثمانين منها على يد إيطاليا التي استبدلت عبودية البشر بعبودية الأوطان، ورغم أن هذا التاريخ قد انتهى فإن الأسئلة التي تطرحها الرواية لا تنتهي مع انتهائها، بل يبقى صداها يرنّ في أذن القارئ كثيراً، وتبقى إحدى عباراتها في وجدانه طويلاً: "كان البياض بيننا وبينهم وليس السواد، هذا ما كنت أدركه من دون تفسير. بل هو أول حجر في المسافة". نجوى بن شتوان كاتبة ليبية حازت جائزة مهرجان الشارقة العربي في مجال المسرح وجائزة هاي فيستيفال لأفضل 39 كاتباً عربياً لعام 2009.  أصدرت عدداً من الكتب، من بينها مسرحية "المعطف"، وعدة مجموعات قصصية: "قصص ليست للرجال"، "طفل الواو"، "الملكة"، و"الجدة صالحة"، كما أصدرت ثلاث روايات هي: "وبر الأحصنة" التي فازت عنها بجائزة الرواية العربية في الخرطوم 2005، "مضمون برتقالي"، "زرايب العبيد". الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 350 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات، أو من موقع متجر الكتب العربية جملون.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard