شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أربعون عاماً في انتظار إيزابيل": قصة الرحالة الروميّة عاشقة الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأربعاء 9 نوفمبر 201607:47 م

يعيد "سعيد خطيبي" في روايته الثانية "أربعون عاماً في انتظار إيزابيل" إحياء واحدة من الشخصيات التاريخية الأكثر إثارة للجدل، وهي الكاتبة والرحّالة السويسرية إيزابيل إيبرهارت (1877-1904)، التي عاشت جزءاً من حياتها القصيرة في الجزائر.

لا تحضر "إيزابيل" بصفتها واحدة من الشخصيات في الرواية، بل يمكن القول إنها البطلة الغائبة، فالشخصية المحورية ومن يروي الرواية فنان فرنسي يدعى "جوزيف" عاش أربعين سنة من حياته في الجزائر، رفقة صديقه "سليمان"، وقد اكتشف يوميات "إيبرهارت" وأعجب بها، وبشخصيتها، فصار يبحث عن التقاطعات بينه وبينها، وبدأ برسم لوحات فنية عن هذه اليوميات. "سأرسم لوحتين أخيرتين ليوميات إيزابيل إيبرهارت، أردمهما في حديقة البيت، بين الكرمة وشجرة الليمون، وسأفعل الشيء نفسه مع اللوحات الثلاث عشرة الأخرى، وابتلع، كالعادة، كلمات سليمان الصاخبة ولعناته. لن أرد على لومه لي بأنها فعلة مُخلة بأخلاق الفن، فقريباً، سيدرك أنني عشت لأرسم وأدفن فني، وأن ثقتي كبيرة في أناس يأتون من بعدي، يحفرون عميقاً، بحثاً عن لوحاتي".

تتقاطع حياة "جوزيف" مع حياة "إيبرهارت" في أكثر من مستوى، فالاثنان جاءا من أوروبا ليعيشا في صحراء الجزائر، وكليهما اعتنق الإسلام، كما أنه يحاول أن يكتب نصاً عن يومياته يشبه النص الذي كتبته هي، نصاً يحكي فيه عن أربعين عاماً عاشها وهو في حوار دائم مع ما كتبته، أربعين عاماً قضاها مقتفياً آثارها ليبحث عما خفي من سيرتها.

ترصد الرواية فترة زمنية هامة من تاريخ الجزائر، تمتد على أربعة عقود من الخمسينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، فتحكي عن أهم أحداثها السياسية وانعكاساتها على "جوزيف"، الرجل الأوروبي الذي يعيش في بلدٍ أحبه، وتخلى من أجله عن بلده الأصلي. وتكون النقطة التي يختارها الكاتب للدخول إلى شخصية بطله وكشفها أمام القارئ وتفكيكها، هي مرحلة "العشرية السوداء"، حيث البطل/ الراوي يعيش صراعه الداخلي وهو يودّع ذكرياته في البلاد، مقرراً العودة إلى فرنسا، مكرهاً لا راغباً. "لكن، الآن ضاق البال، ولم يبق من الوقت سوى ثلاثة عشر يوماً، قبل إجراء الدوري الثاني من الانتخابات البرلمانية، التي تميل فيها الكفة لحزب "العدالة"، الذي فاز في الدور الأول، قبل ثمانية أيام، بدعم من الآلاف من أبناء المدينة، ووعد قادته أنصارهم الكثر بحياة أفضل، مع تأميم ممتلكات الأجانب، وإعادة توزيعها عليهم بالعدل. هم - طبعاً - لن يستثنوا بيتي من قائمة التأميمات ولن يولوا اهتماماً للأربعين عاماً التي قضيتها بينهم، (..) قريباً، سأجد نفسي في العراء، مضطراً للعودة من حيث جئت".

قصة واحدة من الشخصيات التاريخية الأكثر إثارة للجدل، الرحالة السويسرية إيزابيل إيبرهارت التي عاشت في الجزائر واعتنقت الإسلام
حياة صاخبة واستثنائية عاشتها "الرحالة الرومية" إيزابيل في صحراء الجزائر، تتعرفون عليها في هذه الرواية

تتخذ الرواية شكل السرد المتشابك، فهي من جهة تسير بشكل متصاعد زمنياً يصف فيها "جوزيف" أيامه الأخيرة في الجزائر، ومن جهة أخرى تثير هذه الأيام الأخيرة ذكريات تمتد على أزمنة مختلفة، فيحكي عنها، وعن الشخصيات العديدة التي عرفها في حياته، فتتحول الرواية إلى شبكة من حكايات عدة ترتبط كلها ببعضها بعضاً، وتتقاطع مع الأحداث السياسية للبلد، ومع سيرة حياة "إيزابيل إيبرهارت". ولكن أي سيرة؟ إنها السيرة الضائعة التي تحاول الرواية تشكيلها، انطلاقاً من اليوميات التي عثر عليها الراوي، والتي تصف الحياة الصاخبة والاستثنائية التي عاشتها "الرحالة الرومية" في صحراء الجزائر.

كما يحاول الكاتب في الرواية الرد على الشائعات التي طالت "إيبرهارت" في أنها جاسوسة أو عميلة، وذلك في محاولة لرد الاعتبار لهذه الشخصية الهامة والمتفردة، وعدم السماح بتشويه سيرتها وصورتها، "لم يجد خصومها من شيء للطعن في شخصها سوى اتهامها بالعمالة، اتهامها مرة بالعمالة للإنجليز ومرة أخرى بالعمالة للفرنسيين، ومرة ثالثة بالعمالة للألمان، (...) كانت بعض النسوة الغيورات منها يوشوشن في آذان رجالهن بأنها جاسوسة، لكنهن لم يسألن أنفسهن عن ماذا يمكن لها أن تتجسس في صحراء يتسع فيها الرمل والخلاء والصمت والبؤس والقنوط! هل كانت تتجسس على ركود الحياة الصحراوية؟".

سعيد خطيبي كاتب جزائري من مواليد 1984، يعمل في الصحافة، وحصل على جائزة الصحافة العربية عام 2012، وعلى جائزة "ابن بطوطة لأدب الرحلة" عام 2015 عن كتابه "جنائن الشرق الملتهبة". صدرت له عدة كتب، من بينها: "أعراس النار" وهو أول كتاب توثيقي عن موسيقا الراي، وكتاب "بهجة الأعراف". كما صدرت له روايتان: "كتاب الخطايا"، و"أربعون عاماً في انتظار إيزابيل".

الناشر: منشورات ضفاف/ بيروت - منشورات الاختلاف/ الجزائر

عدد الصفحات: 160

الطبعة الأولى: 2016

يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات، أو من موقع الفرات للنشر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard