شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
رواية ثؤلول: مقاربة بين اجتياح الكويت واغتصاب

رواية ثؤلول: مقاربة بين اجتياح الكويت واغتصاب "سلوى"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 30 أغسطس 201608:45 م
تستعيد "ميس خالد العثمان" في روايتها الجديدة "ثؤلول" ذاكرة الحرب العراقية على الكويت، فتسرد أشهر النار تلك من منظور فتاة مراهقة عايشت تلك الحرب وعاينتها وكانت إحدى ضحاياها، فقد تعرضت للاغتصاب من قبل جندي عراقي تحت أنظار أهلها وسمعهم. هذه هي الحبكة الرئيسية في الرواية، وفي فلكها يدور كل السرد، فما قبل لحظة الاغتصاب حياة هانئة وعيش رغيد، وما بعدها جمرٌ يكوي ما تبقى من حياة. "ركن الجندي الطويل سلاحه على حائطي المخطط، بهدوء، وما استخدمه ضدي، لكنه ناداني كي أنهض قليلاً، دفعت غطاء سريري متأهبة لأفهم ما ينتوي بينما نزع هو لباسه التحتي بسرعة وأوجع أنوثتي جداً، صحت من ثقله/ أذاه كثيراً، دُفنت في غضبي/ عرقي وصياحي العالي وبأنفي رائحة كريهة جداً، غبت بعدها في حلم شاذ... وحين صحوت كنت محاطة بوجوه أعرفها ولا تحتمل التفسير. أمي بعيون ساهمة ملأى بالدمع، أبي وأخي، برؤوس منحنية متكئان على الجدار مكان السلاح الذي اختفى". تصوّر الرواية فظاعات الحرب، وما حصل في الكويت بعد الاجتياح العراقي، فالمنشآت دُمّرت، والثروات نُهبت، والمجتمع تفكك، والناس هربوا، ومن بقي منهم تعرّض للإذلال والقهر. وكان أثر الحرب على "سلوى" مضاعفاً، وآثاره لا يمكن نسيانها أو محوها، خاصةً حين تكتشف أنها تحمل في أحشائها طفل الرجل الذي خرّب حياتها، وكان واحداً من الجنود الذين ساهموا في دمار بلادها. بعد فشل محاولات إجهاض الطفل، تلجأ العائلة لحل بديل، سيولد الطفل وسيدّعون أنه ابنهم، شقيق "سلوى"، وسيحتفظون بهذا السر للأبد. هكذا يولد "جابر"، ويكبر، ضمن كراهية العائلة لوجوده، إذ لا ترى فيه وفي العار المجلل لابنتهم، سوى ثؤلول مزعج ظهر على جلودهم فجأة، ولا يستطيعون الخلاص منه، "أثق بك يا صغيري، وبأنك من سيجبر كسوري كلها، أرفع طاقيتك القطنية الصغيرة جداً عن رأسك، أشمّها وأنسى كل ما حدث وما سيكون، فأنت الرحمة التي ستسطع في روحي، أو أظنها قد فعلت، فأحاول تلمّس إذا ما كنت تعرف بأنني أنا أمك الصغيرة التي كوّنتها/ شوّهتها الصدفة/ الصدمة؟ هل تحتفظ بشذرات من ما كنا نحكي/ نحيكه وأسرتي/ أسرتك التي تثقل بوجودي/ بوجودك، كمثل ثؤلول نبت على حين غفلة واستوطن جلدها الأصيل؟". تلعب الكاتبة ببراعة على تصوير دواخل شخصية بطلتها، تلك الفتاة الصغيرة التي وجدت نفسها أماً وهي لم تنضج بعد، تلك المراهقة التي حملت إثم فعلٍ لم ترتكبه، ولا ذنب لها فيه، تلك الأم التي لا تستطيع رفض أو كراهية ابنها، رغم أنه ثمرة ذكرى الألم، ورغم أنه من لحم العدو ودمه. هكذا، تنقل الرواية أدق تفاصيل حياة "سلوى"، وتداعياتها وخيالاتها وأحلامها وأفكارها وتأملاتها. كما تذكّر -الرواية- من جديد بقضية جوهرية في مجتمعاتنا العربية، وهي وضع المرأة، والقهر الذي يمارس عليها تحت عباءة الدين والعادات والتقاليد والمجتمع، ليس عبر حكاية "سلوى" فحسب، بل أيضاً عبر حكاية "سحر" رفيقة الطفولة، التي تنتهي متزوجة من رجل لا يرى فيها إلا أداة متعة، ويحرمها من كل طموحها وأحلامها. توازي الكاتبة على امتداد السرد بين اجتياح الكويت واغتصاب "سلوى"، وكأن إحداهما صورة للأخرى، فكلتاهما تعرّضتا لاعتداء وحشي سافر لم يستطع أحد ردعه، وكلتاهما استطاعتا تجاوز هذه المحنة أخيراً رغم ما تركته من ندوب وجروح غائرة، فـ"سلوى" تقرر حماية نفسها، وتذهب إلى طبيب نفسي، ومن خلال جلساتها هناك نعرف الكثير عن أعقد المشاعر الإنسانية. و"الكويت" تنهض بعد الاجتياح، وتكمل تعافيها، وتزدهر وتنمو في كل المجالات. يساعد على توضيح هذه الفكرة أن الرواية تمتد على أكثر من عشرين عاماً، وتلجأ الكاتبة لتقطيع السرد بين عدة أزمنة تتناوب بين الفصول، لتصل في القسم الأخير من الرواية إلى خلق عقدة جديدة في الحبكة، فالابن الذي صار شاباً يقع في غرام فتاة عراقية، وهذا ما يعيد طرح الكثير من الأسئلة والتأملات والمشاعر والأفكار قبل أن تغلق دائرة الحكي دورتها. ميس خالد العثمان كاتبة وروائية من الكويت، متخرجة من جامعة الكويت - قسم الإعلام والاتصال. تعمل حالياً باحثة في العلاقات العامة في "دار الآثار الإسلامية". صدرت لها عدة كتب في "النصوص السردية"، وبضع مجموعات قصصية، حصلت عنها على جائزة "الشيخة باسمة المبارك" للقصص القصيرة عام 2004. ولها في الرواية: "غرفة السماء"، "عرائس الصوف" التي حازت عنها جائزة "ليلى العثمان للإبداع السردي" عام 2006، "عقيدة رقص"، "لم يستدل عليه"، "ثؤلول". الناشر: دار العين/ القاهرة عدد الصفحات: 224 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات أو موقع الفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard