شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"اشتباك" لمحمد دياب: فيلم ضدّ الهستيريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 أغسطس 201611:10 ص
في بداية العرض الخاص لفيلم "اشتباك" للمخرج المصري محمد دياب، فوجىء الجمهور بعبارة باهتة كتبت بالأبيض وبخطّ غير واضح، وسط الشاشة، فوق المشهد الأول. كان من الصعب قراءة الجملة بشكل دقيق، لكنّها توجز على نحو تقريريّ ما معناه "أنّ أحداث الفيلم تدور عقب عزل محمد مرسي من رئاسة الجمهورية في مصر، عندما نزلت جماهير الإخوان المسلمين لإيقاف التحوّل (السلمي) للسلطة". الأكيد أنّ عبارة "السلمي"، وردت هكذا، بين قوسين. في النقاشات التي تلت العرض، كان مفهومًا أنّ تلك العبارة أشبه بصكٍّ لتمرير عرض الفيلم في الصالات المصريّة. افتتح فيلم دياب عروض تظاهرة "نظرة ما" في "مهرجان كان" في مايو الماضي، ويبدأ عرضه التجاري في مصر اليوم. لا يقدّم الفيلم رؤية تتوافق مع رواية السلطة الحالية في مصر للأحداث التي دارت في يوليو 2013. يفعل ذلك وسط جوّ سائد يعتبر تبنّي أيّ رؤية مغايرة لرؤية السلطة، حتى ولو كانت محايدة، في مصاف الخيانة أو التفريط بالوطن. لذلك لم تشغل العبارة الافتتاحيّة مساحةً كبيرة أثناء التعليق على الفيلم أو مناقشته، بعكس المتوقّع بالنسبة لجملة تحتل موقعًا مماثلًا  في بداية فيلم سينمائي. بدا ذلك بديهياً ومقبولاً سواء كان إذعاناً لإملاء رقابي أو بمبادرة احترازية من صناع الفيلم أنفسهم.

ختم حكومي إجباري

في اليوم التالي للعرض الخاص، نشر مخرج الفيلم محمد دياب (وكاتب السيناريو بالاشتراك مع أخيه "خالد دياب)، تحديثاً على فيسبوك، يوضح أن العبارة الافتتاحيّة لصقت فوق المشهد الأوّل بإصرار من جهاز الرقابة. وسجّل دياب اعتراضه عليها وعلى فجاجتها السياسية في توجيه المشاهدين، كأنّهم مجموعة تلاميذ في حصة التربية القوميّة، يحتاجون إلى من يدلّهم على أيّ جانبٍ يقف الخير مقابل الشر. العزاء في موقف كهذا كان أنّ الجملة الرقابيّة انتهت بالضبط إلى حيث تنتمي: عبارة بيضاء سخيفة غير واضحة لا تنتمي إلى جسم العمل، أشبه بختم حكومي باهت وكئيب، "ملطوع" من دون عناية، فوق كلمات صفحة أولى لكتاب لا يحبّذه الرقيب.

ضد الهيستيريا

تدور أحداث "اشتباك" داخل إحدى سيارات الترحيل التابعة للشرطة، في الأيام التالية لخلع محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد عقب تظاهرات 30 يونيو المناهضة لحكم جماعة الإخوان المسلمين، العام 2013. يجتمع لأسباب متنوعة داخل سيارة الشرطة، عدد من المواطنين المعارضين والمؤيدين لحكم الإخوان. يدخلون معاً في هذا السجن المتنقل عبر رحلة طويلة يحرّكها ما يطرق على جدران سجنهم المعدنية من الخارج، من عنف وخوف وجنون وتعصّب، سادت شوارع القاهرة، خلال تلك الأيام. ردّة الفعل على الفيلم كانت إيجابيّة إلى حدّ كبير، إذ رأى الجمهور أنّه قويّ، ومؤثر، ومصنوع باحترافية عالية، مؤلم ومحمّل بدفقة من المشاعر أكبر من سعة الفيلم الزمنية. وعبّر كثيرون عن رأيهم ذلك عبر مواقع التواصل، لينضمّوا إلى عدد من الصحف والمجلّات العالميّة المختصّة التي أشادت بالفيلم منذ عرضه في "مهرجان كان". في رصيد محمد دياب فيلم واحد كمخرج وهو "678" الذي أثار اهتماماً كبيراً بعد عرضه في العام 2010، إذ تناول ملفّ التحرش الذي شغل الجميع في مصر قبل ثورة 25 يناير 2011. كما كتب سيناريوهات ستة أفلام لمخرجين آخرين هي "الجزيرة 1"، و"الجزيرة 2"، و"بدل فاقد"، و"أحلام حقيقية"، و"ألف مبروك"، و"ديكور".
كذلك، اشتهر دياب بمواقفه السياسية المعلنة مثل تأييده ثورة يناير، ورفضه للعديد من قرارات وممارسات المجلس العسكري الحاكم بعد تنحي مبارك، ومعارضته بعدها حكم الإخوان المسلمين. إلا أن ذلك لم يشفع له، إذ اعتبر "ناشطاً سياسياً" ذا ميول خطرة على الدولة، كما أكّد تقرير عرض في برنامج "أنا مصر" الذي تقدمه المذيعة أماني الخياط على القناة الرئيسية في تلفزيون الدولة الرسمي. عرض التقرير خلال موجة الاحتفاء الكبيرة بالفيلم في "مهرجان كان"، فعوضًا عن تشجيعه، اتهم بدسّ السم في العسل للجمهور، وتبنّي وجهة نظر مناهضة للنظام الحاكم. لا شك أنّ منحى الفيلم الإنساني، بعيداً عن التصنيف الأيديولوجي والسياسي، وتناوله المتأمل لشخصياته، بما فيهم المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين، أو المؤيدون خارج صفوف الجماعة لبقاء محمد مرسي في السلطة، هو تناولٌ مربكٌ في اللحظة الحالية للسلطة ومؤيديها. "اشتباك" هو فيلم ضد الهتسيريا الجماعية، كما يعرّفه صانع الفيلم نفسه، في مواجهة هؤلاء الذين يعتبرون أن اللحظة الحالية هي لحظة حرب تستلزم اصطفافاً كاملاً من الجميع: مع السلطة ضد العدوّ الذي لا يستحق حتى الأنسنة أو التأمل الهادئ البسيط في أفراده، ولو في عمل خيالي سينمائي على الشاشة.

خطة خنق

في السياق ذاته، أعلن محمد دياب على فيسبوك أن الجهة الموزّعة لفيلم "اشتباك" (شركة الماسة لمالكها هشام عبد الخالق)، تراجعت عن التوزيع قبل 48 ساعة من إطلاق الشريط في دور العرض من دون إبداء الأسباب. وذلك ما يصفه دياب مخرج العمل بـ"نزول فريق كرة قدم إلى الملعب من دون مدرّب". تعنّت الرقابة في وضع عبارة افتتاحية للفيلم، ثم تأخير صدور ملصقه الرسمي، ثم عدم عرض الملصق في الصالات قبل أيام قليلة من انطلاق العرض التجاري... هذه كلّها مصادفات متتابعة رأى مخرج العمل أنّها لا يمكن أن تكون غير مقصودة. وكتب عبر حسابه على فيسبوك أنّها "خطة خنق" للفيلم قبل نزوله. برأيه: "لم يكن ممكناً منع الفيلم من العرض كلياً في مصر بعد الاحتفاء الكبير به في "مهرجان كان"، واختياره في عدد من الدوريات السينمائية كأحد أهم 10 أفلام في دورة المهرجان الأخيرة. كان ذلك ليسبب فضيحة كبيرة والبديل هو تحجيم انتشاره وتقليل أسابيع عرضه في مصر بكل الطرق المتاحة".

#ادعم_فيلم_اشتباك

ينطلق عرض فيلم "اشتباك" اليوم في صالات السينما في القاهرة والمحافظات المصرية، وهو من بطولة نيللي كريم، وطارق عبد العزيز، وهاني عادل، وأحمد داش، وأحمد مالك، وجميل برسوم، وخالد كمال، وآخرين... [caption id="attachment_67664" align="alignnone" width="720"]رسالة توم هانكس إلى مخرج اشتباكرسالة توم هانكس إلى مخرج اشتباك رسالة توم هانكس إلى مخرج اشتباك[/caption] وأطلق دياب عبر صفحته حملة لدعم الفيلم باستخدام هاشتاغ، داعياً الجمهور إلى تحديد مصير الفيلم في اختبار أرباح شبّاك التذاكر. وأرفق دعوته برسالة وصلته من الممثل الأمريكي توم هانكس، يعبّر فيها عن إعجابه بالفيلم، وكيّف سيغير فيلم مماثل من نظرة أميركيين كثر إلى المجتمع المصري. وأشاد هانكس بتعبير الفيلم العميق عن ذلك "الشيء الذي يجمعنا معاً في الإنسانيّة، ذلك المجتمع الكبير البالغ الهشاشة".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard