شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
فوز سفيتلانا بنوبل: انتصار الصحافة على الأدب

فوز سفيتلانا بنوبل: انتصار الصحافة على الأدب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 2 يوليو 201707:43 م

أعلنت الأكاديمية السويدية قبل ساعات فوز الكاتبة "سفيتلانا اليكسييفيتش" Svetlana Alexievich من روسيا البيضاء بجائزة نوبل للآداب لعام 2015. وذلك حسب ما أعلنت سكرتيرة الأكاديمية، بسبب "أعمالها المتعددة الأصوات، التي تمثل معلماً للمعاناة والشجاعة في زماننا".

يأتي فوز سفيتلانا بنوبل حدثاً استثنائياً في تاريخ الجائزة، ليس لكونها الكاتبة الرقم 14 في تاريخ الجائزة، بل نظراً للطبيعة الأدبية الخاصة لما تكتبه سفيتلانا، إذ طورت خلال مسيرتها الأدبية أسلوباً يقوم على فن الكتابة الإخبارية والحوارات الصحافية، ممزوجة بالتاريخ الشفوي وهو موضوع سفيتلانا المفضل مع القليل جداً من الخيال.

ولدت سفيتلانا في روسيا البيضاء في 31 مايو عام 1948، لأم أوكرانية وأب من روسيا البيضاء. والدها كان مقاتلاً في الجيش السوفياتي في الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب استقر في قرية صغيرة في روسيا البيضاء، حيث عمل هو وزوجته مدرسين في إحدى المدارس الابتدائية. قضت سفيتلانا طفولتها في روسيا البيضاء، ومنذ سنوات دراستها في المرحلة الثانوية كتبت الشعر، والقصة القصيرة، والمقالات الصحافية. التحقت بعد ذلك بجامعة "منسك"، حيث درست الصحافة وتخرجت لتعمل صحافية ومراسلة أدبية.

مقالات أخرى

أسماء صنعت تاريخ الفنون وأحبّت الشرق

تطلب الأمر من سفيتلانا سنوات من البحث عن أسلوبها الخاص في الكتابة، حتى تعرفت إلى أعمال كاتب آخر من روسيا البيضاء هو "الياس أدموفيتش" الذي تصفه في أكثر من مقابلة صحافية، وحتى على موقعها الشخصي، بأنه أستاذها ومعلمها الذي ساهمت أعماله الأدبية في تطوير أسلوبها. الحقيقة وجوهر الواقع هما الدافع الأساسي وراء كتبها كلها. ومن خلال عملها الصحفي طورت سفيتلانا كتابة تقوم على جمع الشهادات وأصوات الناس، خصوصاً في اللحظات التاريخية الكبرى، وإعادة كتابة تلك الشهادات كما هي، لكن ضمن سياق روائي. تجلى ذلك في كتابها  "الوجه الأنثوي للحرب" الذي أنهته عام 1983.

وهو حصيلة سنوات قضتها في لقاء سيدات روسيات ممن شهدن الحرب العالمية الثانية، إذ جمعت شهاداتهن وصاغتها في سياق محاولة تقديم تاريخ عاطفي وإنساني للحرب. بسبب كتاباتها وأسلوبها الذي يركز على ما هو إنساني أكثر مما هو سياسي، تعرضت سفيتلانا لمنع كتابها في زمن الاتحاد السوفياتي وتم اتهامها بمعاداة الشيوعية. لكن مع مجيء غورباتشوف إلى سدة حكم الإمبراطورية السوفياتية وبدأ سياسته الإصلاحية الجديدة، تغيرت طريقة تعامل النظام معها، وأصبح كتابها عن الحرب من أهم الكتب، وباع أكثر من مليوني نسخة، وتم الاحتفاء به على مستوى واسع.

 بالأسلوب الأدبي نفسه، القائم على تعدد الأصوات والشهادات، استكملت هذه الكاتبة مسيرتها الأدبية، لتصدر بعد ذلك كتاب "أصوات من تشرنوبل: التاريخ الشفهي لكارثة نووية"، جمعت فيه العديد من الشهادات للأفراد الذين دمرت حياتهم كارثة المفاعل النووي تشرنوبل، وأعادت صياغتها في شكل روائي لتقدم حكاية الأثر العاطفي للكارثة على حياة البشر.

بقيت النوستالجيا والحنين دائماً من العناصر الأساسية في أعمال سفيتلانا. أشهر أعمالها، وهو ترجم إلى الإنغليزية حمل عنوان "Enchanted with death"، تتبعت فيه القصص الإنسانية للأفراد الذين انتحروا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي نتيجة عدم تصديقهم فكرة انهيار الإيديولوجيا والحلم السوفياتيين، أو لأسباب تتعلق بالهوية. في كتابها هذا طافت أرجاء الإمبراطورية المفككة لتسجل لحظات الحنين إلى وطن اختفى، وصراع أفراد في بحثهم عن هويتهم. على المستوى السياسي، لسفيتلانا موقفها المتحفظ تجاه السياسات الروسية الحالية، لكنها تراها استمراراً لمأساة تاريخ دول شرق أوروبا، الذي وصفته في أحد حواراتها الصحفية بأنه "تاريخ من حمامات الدم التي لا تنتهي".

فوز سفيتلانا وطبيعة أعمالها الأدبية، يعيدان إلى الأذهان الحديث حول اقتراحات تغيير جائزة نوبل للآداب لشروطها، كي تتسع لتجليات وأنواع أدبية أخرى، إذ سبق للكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز أن دعا إلى التعامل مع التقرير أو الروبرتاج الصحفي كشكل أدبي معاصر، وإضافة هامة للأدب الإنساني، وهو المسار الذي يبدو أن جائزة نوبل تتجه نحوه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard