شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "مدن اليمام"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201601:55 م
تستمد الكاتبة السورية ابتسام تريسي روايتها "مدن اليمام" من قلب الحدث، تكتب سيرتها خلال الثورة: أمّ كان ابنها في الأمس طفلاً صغيراً، لكنه اليوم "أصبح ابن سوريا، ابن الشمس، يمتلكه السوريون، يستبدلون صورته بصورهم الشخصية على الفيسبوك، يكتبون عنه، يحبونه مثلي وربما أكثر". هكذا يتحوّل ابنها إلى عينٍ تنقل لها أحداث الثورة في مناطق معيّنة، فهو يشارك في التظاهرات، ينقل الإغاثات إلى المناطق الساخنة، يساعد الثوار، ويُعتقل في ما بعد.
في الوقت نفسه، يظهر شخص مجهول يسمي نفسه "حنظلة" تيمناً باسم شخصية الرسوم الكاريكاتورية لناجي العلي، ينشئ مجموعة خاصة له ولها فقط على فيسبوك، ويخبرها عبر هذه المجموعة عن رحلاته عبر المدن السورية الثائرة، ومشاهداته التي يراها، مصوّراً القمع والتدمير والتنكيل بالناس.
تربط تريسي في الرواية، بين زمنين مختلفين: الثمانينيات وأحداث مجزرة حماة والثورة السورية 2011، لتقول إن شيئاً لم يتغيّر، العقلية الأمنية نفسها والقمع نفسه، هكذا تروي ذكرياتها عن تلك الفترة، حين كانت لا تزال شابة صغيرة، تحكي كيف قصفت الدبابات والطائرات المدن، كيف اعتُقل والدها وأخوها، فخرج الأب لينتظر خروج ابنه، لكنه مات قبل أن يراه. الأخ خرج لكن بعد عشرين عاماً، ليسرد عذابات الاعتقال وفظاعاته، ثم يموت بعد سبع سنوات بسبب الفشل الكلوي.
حياةٌ محكومة بالموت قهراً وذلاً، مجازر مروعة تجري الآن تعيد إلى ذاكرتها المجازر السابقة في الثمانينيات. تتداخل الجثث والمدن المدمرة، هل ما يحدث يجري الآن أم جرى في ذاك الزمن؟ لا فرق! القتل واحد، ومن نجا من المجزرة الأولى سيموت في الثانية، فها هو "محمود" الرجل المختل العقل، ابن قريتها، نجا من الاعتقال الأول في الثمانينيات، ومن الاعتقال الثاني الآن، لكنه لم ينجُ من الموت دعساً بدبابة، بعد أن استفزت كلماته الضابط، الذي لم يدرك أنه أمام رجل مختل العقل. "محمود لم يكن أول ولا آخر الضحايا، لكنه تميز عن كل من قضوا بأنه لم يكن يعرف القضية التي مات لأجلها، مثله في ذلك مثل أطفال جسر الشغور وتلاميذ الثانوية”.
تصوّر الكاتبة سواء من خلال شخصية "حنظلة" وتنقلاته بين المدن، أو من خلال تنقلاتها هي، تفاصيل العيش اليومية في خضم الثورة وما يرافق ذلك من صعوبات، في ظل انقطاع الكهرباء وطرق الاتصال لفترات طويلة، والحصار الذي تفرضه قوات النظام على المناطق الثائرة، وصعوبة الحصول على المواد الطبية والأدوية اللازمة لمعالجة الجرحى، كما تحكي عن الانتهاكات التي يمارسها الجنود على الأهالي، وتصف العنف الذي يتعرض له المعتقلون في الزنازين وطرق التعذيب الوحشية.
تفضح الكاتبة الإعلام الفاسد للنظام، الذي يستخدم أشخاصاً كذبة، فيعرضهم على القنوات الفضائية مخترعاً قصصاً وهمية عنهم، ليبرهن للعالم أنه يواجه عصابات مسلحة، لا ثورة شعب، إذ تسرد كيف فوجئت وهي ترى "ست الحسن"، التي تعرفها وتعرف أمها التي لم تنجب سواها، هذه الفتاة ذات التاريخ الطويل من العمل في الدعارة، والتي صارت سيدة أعمال وعلى علاقة بكبار الضباط، تظهر فجأة على قناة فضائية تابعة للنظام، تبكي وتروي كيف هاجمت العصابات الإرهابية بيتها، واغتصبوها هي وأخواتها! "كانت تبكي، وتندب، وتطالب الرئيس بالأخذ بثأرها وثأر مئات الفتيات ممن لم يستطعن الدفاع عن أنفسهن، ولا يجرؤن على الظهور أمام الكاميرا خشية الفضيحة!”.
وفي محاولة منها لإعطاء صورة كاملة عن الحياة في ظل نظام استبدادي، تحكي الكاتبة كيف بقيت دون عمل بعد عزلها من التدريس ورفض تعيينها في دوائر الدولة، بسبب مواقفها من النظام، إذ "ليس ثمة عمل لمن لا ينتمون إلى حزب البعث، ولا يطبّلون للسلطة الحاكمة، ولا ينافقون...". هكذا، لم تكتف "تريسي" بالحديث عن فترة الثورة، بل أرادت إعطاء شهادة كاملة عن سوريا
وعن كل مناطقها، في جميع أزمانها، لذلك فإنها أوجدت تقنيات تساعدها في ذلك، سواء عبر الحكايات الكثيرة التي تمتلئ بها الرواية، فهي إضافة إلى أنها تستلهم من حياتها الشخصية وحياة ابنها الكثير من الأحداث، وتصوغها بشكل روائي، فإنها أيضاً تفرد لكل شخص من شخوصها المتعددة المجال ليحكي بلسانه حكايته الخاصة، التي تندمج مع باقي الحكايات مشكّلة العصب السردي للرواية.
ابتسام تريسي روائية سورية ولدت في مدينة أريحا 1959. تخرجت من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب 1986. لها مجموعتان قصصيتان: "جذور ميتة" التي نالت الجائزة الأولى لمسابقة سعاد الصباح 2001، و"نساء بلا هديل" التي نالت الجائزة الأولى لموقع "لها أون لاين" عام 2004. ولها ثماني روايات: "جبل السماق – سوق الحدادين"، "ذاكرة الرماد"، "جبل السماق – الخروج إلى التيه" التي حازت المرتبة الأولى في مسابقة المزرعة للرواية عام 2006، "المعراج"، "عين الشمس" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2010، "غواية الماء"، "مدن اليمام"، و"لمار”.
الناشر: مكتبة الدار العربية للكتاب/ القاهرة
عدد الصفحات: 342
الطبعة الأولى: 2014
يمكن شراء الرواية على موقع النيل والفرات أو على متجر الكتب العربية جملون
 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard