شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن النساء الضاحكات في عالم يشكّ بضحكاتهن

عن النساء الضاحكات في عالم يشكّ بضحكاتهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 12 نوفمبر 201805:39 م

لا يصنعهن العجز ولا تحملهن التجارب القاسية لضفة اللامبالاة، لا تتشكل عجينتهن من بقايا الجروح والكدمات العاطفية، لا دور للضعف أو الوهن أو انعدام الخيارات فيما هن عليه، لا يصرن ضاحكات من القلة والحرمان والرغبة بالانتقام من بؤس الحياة، لا يصنعن بنيّة سابقة ولا مخططات لما بعد الضحك، ولا سيناريوهات للفواصل بين الضحكة وأختها، ولا نتائج لما يمكن أن يقدمه الضحك.

كيف تضحك بينما تموت الأخرى مظلومة، مكلومة، مسحوقة؟

كيف تكون اِمرأة ما ضاحكة على الدوام دون أن تواري خلف ضحكتها لقب الخالعة أو العاهرة أو المهملة اللعوب أو المستهترة أو الشعنونة أو الرعناء؟ كيف تقاسم هذا العالم العابس ضحكات كثيرة دون الحاجة لمقابل؟ كيف تراجع حزن العالم في نهاية كل عام دون أن تقاسمه الخسارات وتدفع عنه عجز ميزانيته من الفرح؟ كيف تظل ضاحكة بينما تمر بها قوافل الحزن ومسيرات الكآبة؟ كيف تضحك بينما يرفع العالم شعارات القتل والدم واللا جدوى؟ كيف تضحك بينما تموت الأخرى مظلومة، مكلومة، مسحوقة؟ كيف تضحك وكثيرات لا يجدن بديلًا عن الحزن أو رفيقًا في السنوات القاتمة المقبلة؟

تصنع النساء الضاحكات من ماء الأرحام الزلال دون الحاجة لأن ينفلت رجل ما بالضحك بينما يسكب ماءه، تتشكل أفواههن على هيئة طفل ولد للتو، تصنع أصوات ضحكاتهن بالصدفة البحت وتكبر بالصدفة وتحفظ في ذاكرة العالم بالصدفة أيضًا.

تكبر الضحكة دون خطط أو قرار مثل فسيلة صغيرة خرجت بعد المطر، تبدأ صغيرة وعفوية وتتكاثر وتنتشر وتقسو وتتجبر، وتثبت وتتخطى وتقرر وتفرض نفسها، وتقاتل وتربح وتجابه وتقف وتواجه وتعاند وتظل، تظلّ كثيرًا، تظلّ طويلًا، تظلّ كما هي، تظلّ حاسمة، تظلّ مصرّة، تظلّ مشاكسة، تظلّ كثيرة، تظل طويلًا عكس ما يفعل الحزن، عكسه تمامًا.

في عالم يشك بالضحك ويخضع للمؤامرات التي يصنعها بنفسه، ويمشي على مهل بينما يتابع انطلاق الكون إلى هناك نجد نساء ضاحكات في عالم لا يفهم الحبّ ولا الحزن ولا الغيرة ولا الموت ولا البقاء ولا حتى الانكسار أو العجز أو الخيانة أو الوهن، نجد الضاحكات باقيات في عالم يشك بكأس الماء وبالهواء و بالأجنة وبالشيخوخة وبالمرض نجدهن. في عالم لا يفهمهن ولا يحتملهن ولا يحتفل بهن ولا يستقبلهن ولا يتماشى معهن، ولا يعترف بوجودهن، نجدهن أيضًا.

كيف تكون اِمرأة ما ضاحكة على الدوام دون أن تواري خلف ضحكتها لقب الخالعة أو العاهرة أو المهملة اللعوب أو المستهترة أو الشعنونة أو الرعناء؟
في عالم يشك بالضحك ويخضع للمؤامرات التي يصنعها بنفسه، ويمشي على مهل بينما يتابع انطلاق الكون إلى هناك نجد نساء ضاحكات في عالم لا يفهم الحبّ ولا الحزن ولا الغيرة ولا الموت ولا البقاء ولا حتى الانكسار أو العجز أو الخيانة أو الوهن.
النساء الضاحكات لسن نقيضًا للنساء الحزينات ولا ندًا للنساء القويات ولا يشكلن أيّ خطر على النساء الوقحات ولا يتنافسن مع العاهرات.
نحن الضاحكات الباقيات، لا نعرف أنفسنا جيدًا ولا نفهم الضحك، ولم ندرك للآن كيف صُنعنا على هذه الهيئة، نحن باقيات دون أسئلة للعالم ودون أن ندفع مقابل لضحكاتنا.

النساء الضاحكات لسن نقيضًا للنساء الحزينات ولا ندًا للنساء القويات ولا يشكلن أيّ خطر على النساء الوقحات ولا يتنافسن مع العاهرات ولا يقدّمن أنفسهن كبديل أوّل عن النكدات، ولم تقرر إحداهن أنها ذات وجه آخر، هن هكذا ضاحكات فقط.

الضاحكات هن الكثيرات مثل الحبّ، والغريبات مثل أسباب الحب والقليلات مثل احتمالات بقاء الحبّ. الضاحكات هنّ سرّ العالم، هنّ قبلة على خد الوجود وسخرية مستمرة من فكرة العدم، لا يضحكن لسبب ولا يُفهم ضحكهن ولا يستخدم قربانًا كالحزن.

الضاحكات هكذا، لا أسباب لفعلتهن هذه ولا مسببات يمكنها فصل هذا الفعل عنهن ولا سيناريوهات لما سيأتي بعد ضحكاتهن.

نحن الضاحكات الباقيات، لا نعرف أنفسنا جيدًا ولا نفهم الضحك، ولم ندرك للآن كيف صُنعنا على هذه الهيئة، نحن باقيات دون أسئلة للعالم ودون أن ندفع مقابل لضحكاتنا ولا ضرائب لأصواتنا التي تنفجر هكذا أمام وجوه عابسة قاتمة حزينة متجهمة دون أن تعذبنا ضمائرنا، وُجدنا هكذا وسنظل إلى أن نسمع أن هناك نقيضًا للضحك، خصمًا نقتله أو يقتلنا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard