شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في الأردن: إسلاميّون بلا حدود، مدنيّون بحدود

في الأردن: إسلاميّون بلا حدود، مدنيّون بحدود

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 1 نوفمبر 201801:13 م
يحتمل عالم السياسة بعض الغزل الناعم بين الفرقاء، نعلم ذلك، نعلم أيضًا أن الحكومات تـُقدّم بعض التنازلات لخلق التوازن المطلوب بين التيارات السياسية، أما ما لا تحتمله السياسة فهو التضحية بتيار كامل لكسب تيار آخر أقوى. التيار المدني في الأردن قُدم كقربان على مذبح السياسة، وبيد أحب أبنائه إليه رئيس الوزراء د. عمر الرزاز.
أما ما لا تحتمله السياسة فهو التضحية بتيار كامل لكسب تيار آخر أقوى
نقف اليوم مشدوهين أمام كم التَودد الحكومي للتيارين المحافظ والإسلامي، لا لشيء إلا لأنه يأتي من الحكومة التي سُميّت بالمدنيّة، والتي احتفينا بها ودافعنا عنها من الإسلاميين والمحافظين، ومع علمي بعدد المتصيدين لها من التيارين، ومع تأنفي الكامل من شبهة الانضمام إلى صوتهم، إلا أنني لم أعد أجد من مبرر لهم لرفض الحكومة وأجد أن مبرر الرفض انتقل للتيار المدني.
توضيح لا بد منه: المدنية التي أقصدها هي مدنية التوجه لا البُنية، فالدولة الحديثة علمانية بطبيعتها وتكوينها وبنيتها، أما التوجه فيُترك للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما نحارب لأجله: القوانين وتنفيذها.
استجابت الحكومة لانتقادات التيار الإسلامي حول تشكيلتها، فضم التعديل الوزاري وزيرة محجبة ووزير ثقافة يُعد أقرب للإسلاميين منه لأي تيار آخر، قد يقول البعض إن اختيار الوزيرين لم يخضع لهذا المعيار، وقد يكون محقًا، وأكون مخطئة.
لكن حين تمنع الحكومة الحفلات الغنائية في المدارس تلبية لنداء الأخلاق من النائب خليل عطية، وحين تستمر الاعتقالات بين الناشطين الشباب حول آرائهم السياسية، وحين يصدر أمر بمنع النشر حول فاجعة البحر الميت التي تهم كل الأردنيين، وحين يمنع وزير الداخلية مؤتمر "مؤمنون بلا حدود" بحجة إساءته للإسلام تلبية لطلب "النائبة ديمة طهبوب" الناطقة باسم كتلة الإصلاح، حينذاك لن أكون مخطئة إن قلت إن الحكومة تتغوّل على الحريات. الفرق الأساسي بين تغوّل هذه الحكومة والحكومات السابقة على الحريات هو أنها لا تبادر به، ولكنها سريعة التحرك في حال طُلب منها ذلك، وكأنها تنفي تهمة ما عن سياساتها.
التيار المدني في الأردن قُدم كقربان على مذبح السياسة
قرارات الحكومة هذه لا يمكن أن تُصنف على أنها محاولة خلق توازن بين التيارات، ليس وهي تخالف الدستور الذي نصّ على الحريات، بل هي أقرب لاعتذار عن السمعة المدنية التي طالتها من المتحمسين لها.
ثم يأتي التوقيت ولعله العنصر الأهم، في الربع الأخير من العام تتقدم الحكومة بمشروع قانون الموازنة العامة لمجلس النواب، وهي بحاجة لرضاهم لتضمن تصويتهم بالموافقة، ولكي أكون أكثر دقة فهي بحاجة لرضا التيارات الأقوى في المجلس ليس بسبب الموازنة فحسب، بل أيضًا لتخفيف وطأة الأسئلة والاستجوابات حول المسؤولية الحكومية في فاجعة البحر الميت.
لو كنتَ أنت مكان رئيس الوزراء هل ستراهن على أصوات التيار المدني في مجلس النواب وعددهُ لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؟ ناهيك بأن هذه اليد لم تُرفع في التصويت للثقة ورفضت منحها للحكومة، أم ستراهن على التوجهات الأقوى من الإسلاميين والمحافظين والعشائريين؟ هذه القرارات ليست تنازلات لخلق توازن بين التيارات السياسية، هذه تنازلات للحصول على الأغلبية النيابية في مشروع الموازنة وفرضيات الموازنة الجديدة.
المطلوب من الرزاز ليس التصرف كرئيس حكومة مدني، المطلوب منه هو التصرف كرئيس وزراء للجميع والانحياز للدستور الذي يكفل الحريات. المطلوب منا أن نستعيد دورنا الحقيقي في علاقة المثقف بالسلطة، متجاوزين حرجنا من خصومنا الفكريين والسياسيين أو أن نحسب عليهم.
نقف اليوم مشدوهين أمام كم التَودد الحكومي للتيارين المحافظ والإسلامي، لا لشيء إلا لأنه يأتي من الحكومة التي سُميّت بالمدنيّة، والتي احتفينا بها ودافعنا عنها من الإسلاميين والمحافظين
الفرق الأساسي بين تغوّل هذه الحكومة والحكومات السابقة على الحريات هو أنها لا تبادر به، ولكنها سريعة التحرك في حال طُلب منها ذلك، وكأنها تنفي تهمة ما عن سياساتها.
المطلوب منا أن نستعيد دورنا الحقيقي في علاقة المثقف بالسلطة، متجاوزين حرجنا من خصومنا الفكريين والسياسيين أو أن نحسب عليهم.
مؤتمر "مؤمنون بلا حدود" عُقد سابقًا في الأردن بحضور عدد كبير من المفكرين والمجددين في الفكر الديني، وكم كان ثريًا ومدهشًا الحوار الذي ضمته الجلسات، وكم كنت فخورة أنه يُعقد في الأردن.
وما دامت الحكومة قد اختارت منعه بقرار رسمي، صار مشروعًا التساؤل لماذا لم تمنع دعوات قتل المفكرين التي أعقبت القرار واستقوت به؟
لماذا لم تمنع تكرار سيناريو التحريض على قتل ناهض حتر مع المشاركين في المؤتمر؟
لا نطلب الكثير، نطلب أن تقوم الحكومة بواجبها وتحمي حياة المفكّرين بنفس القدر الذي حمت به مشاعر الإسلاميين.
أتمنى أن تسمع الحكومة صوتي هذا وتأخذ قرارًا حقيقيًا بملاحقة المحرضين على القتل وهدر الدم، أتمنى ذلك برغم أن صوتي ليس له أية قوة تصويتية في البرلمان.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard