شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
جميع شخصيّاتي المُتخيّلة تعرفني في دفتر الهواتف

جميع شخصيّاتي المُتخيّلة تعرفني في دفتر الهواتف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 9 أكتوبر 201809:10 ص

مفيدة جدًا، فعلًا، القدرة في أجهزة الاتّصال الحديثة على تسجيل "ملاحظات" قرب الأسماء، هذا فيما يتعلق بأرقام جهات الاتصال، لا بمواقع الحسابات الشخصيّة.

لم تكن الأجهزة الأقدم تسمح بوجود مساحةٍ كافيّة، مرّات يكون الاسم قصيرًا والملاحظة عليه قصيرة؛ علي كُتُب، رند بيت، لكن في مرّات كثيرةٍ أخرى، كنّا نضطر لدمج الاسم مع بعض حروف الملاحظات أو معها كلها: مروانتصليحبابتوما، ياسمينتشيللورخيص، الخ.

قبل هذا كان "دفتر الهواتف" يتصدّر المكان قرب أجهزة الاتصال السلكيّة المنزليّة أو فوق جهاز التّلفاز المغطّى بالقماش الأبيض المزركش، وكنّا نتسابق لتسجيل الأسماء فيه بخطوطٍ نتنافس على جماليّتها، وقبلهُ امتلكنا الدّفتر المنزليّ ذاته حتّى دون وجود هاتف، كما حَمَلنا في جيوبنا قرب المحفظة أو داخلها دفاتر صغيرة لتسجيل الأرقام.

كان في دفتري أرقام وأسماء كثيرة، وفي دفاتر أصدقائي أرقام أقلّ، كنتُ مزهوًّا بها، ناضجًا مهمًّا بين أطفالٍ لا يعرفهم سوى آباؤهم. الحقيقةُ كانت أنّ الحقيقيّ فيها هو رقم بيت أهلي وخالتي وعمّي ورقمٌ متوقّع -مع احتمال خطأ في مكانين- لحبيبةٍ يحاول جميع الأطفال حبّها، البقيّة أسماء وصفات وأرقام متخيّلة، اخترعتها جميعًا وصرت شهيرًا: جميع شخصيّاتي المُتخيّلة تعرفني.

الحقيقةُ كانت أنّ الحقيقيّ فيها هو رقم بيت أهلي وخالتي وعمّي ورقمٌ متوقّع -مع احتمال خطأ في مكانين- لحبيبةٍ يحاول جميع الأطفال حبّها

مرّت قربي عجوز قبل قليل تحملُ جهاز اتّصال محمول قديم ومعه في يدها الأخرى دفتر هواتف ورقيّ صغير، أرقامها في الدفتر لا في ذاكرة الهاتف، مدّتهما لي وقالت: "جمال، بدّي اتّصل بجمال ابني"، ولاعتقادها أنّي لا اتحدّث العربيّة، وفي مفارقةٍ شهيرة عن التلافظ، أعادَت ما قالته لكن ببطءٍ وصوت عال: "جاماال، أنااا بدّي اتّصل بيجامااال"، ضَحكتُ وأخرجتُ لها رقمهُ من دفترها -الوحيد في صفحة حرف الجيم- ثم اتصلتُ لها به، أجزاء من حديثها المقتضب أثناء مشيها البطيء كان: وينك، لا تتأخر، طبخ، أختك قادمة.

كثيرون هم من يفعلون ذات الشيء عند معرفتهم انك لا تتحدث لغتهم. يعيدون نفس ما قالوه، لكن ببطء وصوت عال، مع تحريك يد غالبًا في محاولة الشرححتّى عندما يعرفون أنّك لم تفهم ما قالوه ولو سمعتهُ بشكل صحيح بلغةٍ تعرفها، يعيدونه ببطء لا بتغيير اسلوب أو مصطلحات.

من أحبّهم، أشعرُ بقلّة كتابة أسمائهم وحدها في سجّل الأسماء عندي، ولا أحبّ اشتقاقات الدّلع، حمّودة وفرفورة وهبّور وكذا، فأكتب جُمَلًا شعريّة قصيرة عوضًا عن أسمائهم أقتبسها من ذاكرتي مع إحساسي بشكل وجودهم، أحوّلهم إلي هنودٍ حمر وخضر وبيض وسود؛

اتّصلَ بي صديق بعد مرور العجوز، ما أخبارك، قال، وأجبتهُ باسمه عندي سعيدًا بالمساحة التي أستطيع فيها كتابة اسمه: "در هوايت بى قرارم روز وشب". صمتَ هو لبرهة معتقدًا أن هناك خللًا ما، ثم سألني: "شو؟" فأعدتها ببطء وصوت عال مع نبرةِ المستغرب:

- در.. هوايت.. بى قرارم.. روز.. وشب! - ليك يمكن ما في تغطية عم يقطّش الصوت.

"أستريح/أستقرّ في الهواء نهارًا وليلًا"، من كلمات عبد الكريم سروش بالفارسيّة، لحّنها وغنّاها شهرام ناظري.

صباح النور يا طبيعة، يا كائنات، يا هواتف، أنا أحبّكم.

 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard