شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"قداسة" مقصّات الرقابة في لبنان… إرهاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 19 سبتمبر 201812:52 م
إذا سألنا حقوقياً فرنسياً في باريس عن رأيه في قرارات حظر لبس الحجاب فسيكون على الأرجح رافضاً لهذا القرار، معتبراً أنه تعدٍّ على الحرية الفردية بالرأي والمعتقد، وإذا قمنا بطرح نفس السؤال على حقوقية لبنانية في بيروت فستشاركه الرأي على الأغلب. في نفس السياق إذا اردنا ان نعرف رأي الحقوقية اللبنانية والحقوقي الفرنسي في قرار حظر عرض فيلم الرعب ”الراهبة“ ”The Nun“ في لبنان فسيكون ايضاً رافضاً لهذا الحظر بطبيعة الحال، من منطلق احترام حرية الأفراد في أن يطلعوا على أي عمل فني او ثقافي من دون وصاية المؤسسة الدينية عليهم او اي جهاز رقابي آخر.

هل أصبح لبنان دولة دينية؟

في لبنان قررت لجنة الرقابة على الأعمال السينمائية المؤلّفة من ممثلين عن وزارات الخارجية والتربية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، وممثّل عن الأمن العام، برفع توصية لوزير الداخلية اللبنانية بمنع عرض فيلم ”الراهبة“ لكونه ”يمسّ بالدين المسيحي وهذا مخالف للدستور، ويمسّ بالكنيسة كمكان عبادة، ويشوّه صورة الراهبات“. ويُرجح أن هذا القرار جاء تحت ضغط المؤسسة الدينية الكاثوليكية المختصة بشؤون الإعلام في لبنان أي ”المركز الكاثوليكي للإعلام“. تدور احداث فيلم ”الراهبة“ في دير في رومانيا حيث يُرسل الفاتيكان كاهناً برفقة إحدى الراهبات المتدرّبات للتحقيق في حادثة انتحار راهبة شابة في ظروف غريبة، فتتحول بعدها الأحداث دراماتيكياً لصراع مع قوى خفية على هيئة راهبة شيطانية. هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها. ففي العام 2017 مثلاً، قدمت دار الفتوى ملاحظاتها للجنة بعد مشاهدة فيلم ”مولانا“، إذ طلبت من الأمن العام ”حذف مشاهد تسيء إلى رجال الدين المسلمين، وتثير النعرات الطائفية بين الطوائف المسلمة وبين الأديان الأخرى“.
تدخل المؤسسات الدينية والأجهزة الرقابية في الأعمال الفنية من منع واجتزاء مشاهد وتعديل نصوص مسرحية بات مزعجاً جداً للفنانين كما بات مستفزاً للجمهور الذي بدأ يشعر بوصاية عليه وكأنه قاصر
اذا ما اعتبرنا ان كل ما يتناقض مع تعاليم دينية او عقيدة دينية ما يجب ان يُحظر، هل  هو مبرر تفجير اماكن بيع الخمور مثلاً! هل مبرر إجبار المطاعم على إقفال خلال رمضان اوقات الصيام؟ ما هو الفرق بين الإرهاب الفكري والإرهاب المنتشر؟
تمادي الأجهزة الرقابية بالحظر والتدخل بالأعمال الفنية أشاعا جواً فنياً عاماً سيئاً جداً ومن دلالته انه في العام 2016، قرر موزع فيلم Spotlight ان لا يدخله الى صالات العرض اللبنانية اعتقاداً منه ان الفيلم لن يحصل على موافقة أجهزة الرقابة للعرض. الفيلم الذي نال جائزة اوسكار أفضل فيلم وجائزة أفضل نص غير مقتبس يروي قصة عدد من رجال الدين الذين تحرشوا بأطفال في ولاية بوسطن الأميركية. يقول لوسيان ابو رجيلي وهو مخرج وممثل لبناني، في تصريح صحافي، عقب اقتطاع بعض المشاهد من فيلمه ”غداء العيد“، إن الرقابة حذفت مشهد صور دون انقطاع لمدة 14 دقيقة بحيث تدور الكاميرا دون مونتاج. وللمفارقة أن لجنة التحكيم في مهرجان دبي حيث حصد الفيلم جائزته هنأته على المشهد وعلى التقنية التي استخدمها فيه. إن هذا التدخل للمؤسسات الدينية والأجهزة الرقابية في الأعمال الفنية من منع واجتزاء مشاهد وتعديل نصوص مسرحية بات مزعجاً جداً للفنانين كما بات مستفزاً للجمهور الذي بدأ يشعر بوصاية عليه وكأنه قاصر.

هل هو إرهاب فكري؟

يأتي هذا التدخل اليوم في الأعمال الفنية مع موجة ملاحقات وتوقيفات على خلفية رأي على وسائل التواصل في لبنان. بحيث أن محتوى هذه الآراء يكون سياسياً غالباً واجتماعياً دينياً نقدياً ساخراً أحياناً أخرى. إن سطوة المؤسسات الدينية على الإعلام والأعمال الفنية وعلى المحتوى الإلكتروني على وسائل التواصل الإجتماعي لا تزعج فقط من هم غير متدينون او من هم من غير طوائف أو أديان بل يزعج حتى المتدينين.

ما هو الحل في دولة تعج بالطوائف والأديان، وبالمؤمنين وغير المؤمنين؟

اذا ما اعتبرنا ان كل ما يتناقض مع تعاليم دينية او عقيدة دينية ما يجب ان يُحظر، هل  هو مبرر تفجير اماكن بيع الخمور مثلاً! هل مبرر إجبار المطاعم على إقفال خلال رمضان اوقات الصيام؟ ما هو الفرق بين الإرهاب الفكري والإرهاب المنتشر؟ يتساءل ناشطون/ات ومواطنون/ت ومخرجون/ات وفنانون/ات عن مستقبل الحريات في لبنان، وعن مواصلة "مقصات الرقابة" سياستها في المنع والقمع، وفي غلوها في الإذعان لما تريده السلطات الدينية في دولة يفترض بها ان تكون سيدة نفسها غير خاضعة لسلطة دينية او سياسية، تحترم التعددية وتقدس الاختلاف وتصون حرية الرأي والفكر والمعتقد. هل بات علينا أن نتحسس افكارنا وابداعنا وما نقوله وما لا نقوله؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard