شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
النسويات: شراشيح الإنترنت

النسويات: شراشيح الإنترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 24 يوليو 201803:49 م
لماذا تتحدث النسويات على الإنترنت عن موضوع ما، ولا يتحدثن عن موضوعٍ آخر؟ لماذا تأخذ بعض القضايا النسائية مسارات علنية لدى النسويات، وأخرى لا تأخذ من اهتمامهنّ إلا قليلًا؟ لماذا تتجه بعض النسويات إلى الوصم الاجتماعي أو ما يعتبره البعض "تشهيرًا" بالمعتدين على الإنترنت؟ وما هي علاقة «النسوية» بالـ«شرشحة»؟

الوصم الاجتماعي: الشرشحة

إن كنتم تعرفون أنفسكم على الفضاء الإلكتروني كنسويين أو نسويات، فهناك عدة عبارات لا بد أنكم سمعتموها، وتكررت باستمرار حتى أصابكم الملل. لا بد أن أحدهم ذات يوم، أو ربما كل يوم، وصفكم «بالشرشحة»، إلى جانب الجنون والدراما، وبعض الأوصاف الأخرى: كالإحباط الجنسي والعاطفي. دعونا نتحدث اليوم عن «الشرشحة» كصفة تم لصقها بالنسويات، خاصةً الناشطات منهن على مواقع التواصل الاجتماعي. و«الشرشوحة» هي: المرأة العالية الصوت، البذيئة اللسان، الكثيرة المشاكل والشجار، كما يُعرفها «معجم الحياة اليومية» الصادر عن «مركز البحوث والدراسات الاجتماعية» بكلية الآداب جامعة القاهرة عام ٢٠٠٧. تلجأ بعض النسويات على الإنترنت إلى وصم الأشخاص المعتدين، شأنهن شأن أغلب ناشطي وناشطات مجال حقوق الإنسان. والوصم هو آلية مجتمعية عادة ما يلجأ إليها النشطاء بما أنهم لا يملكون أي سلطة، فتكون الإشارة إلى المعتدي بوصفه معتدياً هي أبسط ما يمكن فعله. هذه الآلية ليست جديدة، ففي أوائل الألفية الثالثة أعد بعض ناشطي حقوق الإنسان حول العالم قائمة بالشركات الصهيونية التي تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ودعوا إلى مقاطعتها على إثر حصار غزة وقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وغالبًا ما تكون الإشارة في حملات الدعوة وكسب التأييد إلى المعتدين ومؤيديهم، وهذا ما تفعله النسويات العربيات وغير العربيات، كما لاحظنا في حملة «أنا أيضًا». هذه الآلية على الرغم من أنها لم تثبت نجاحًا مؤكدًا، ما زالت واحدة من أكثر الآليات فاعلية في حملات كسب التأييد Advocacy، وأكثرها تهديدًا للصورة العامة للمعتدين أو الـPublic Persona خاصتهم. ولأننا نعيش في عالم معلوماتي حيث أصبح تداول المعلومات أسهل من ذي قبل، فإن بعض حملات الوصم الاجتماعي لها أثر بالغ الأهمية في تنبيه الجماهير المختلفة من المتورطين في قضايا عنف ضد النساء، أو حتى قضايا فساد، بما في ذلك الأنظمة الحاكمة، ولا ننسى حملات التضامن مع مقتل وتعذيب الشاب «خالد سعيد»، كشرارة لثورة ٢٥ يناير المصرية.
النسويات لسنّ شرطة مدنية وليس لديهن أي سلطة مجتمعية يجب عليهن استخدامها «لنصرة» الأقليات أو لتطبيق مفهوم الآخرين عن الأولويات
يتعرض كل مَن يصفون أنفسهم بالنسوية إلى هجوم متكرر لآرائهم، وفحص مستمر لنواياهم الخفية، وتنجيم عمّا يُريدون من وراء دعمهم لقضايا بعينها
يتم وصم النسويات بالشرشحة. ويتم استدعاؤهن بالأسماء، للتشهير بفلان أو علان. وكأن النسويات هن "شرشوحات الإنترنت"
لكن ما زالت النسويات فقط هن اللاتي يتم وصفهن بالشرشحة. ارتبطت «الشرشحة» بالنساء، وقديمًا كانت الشرشوحة هي المرأة التي تتقاضى أجرًا على السب العلني، وتُتقن فن السُباب بالسجع، الردح. أما الآن، فإن قضايا النساء لا تأخذ حيزًا كبيرًا من النقاشات العامة، بالإضافة إلى العوار القانوني الذي عادة ما يكون في مصلحة المعتدين. علماً أن آلية الوصم الاجتماعي، قد تُساعد في تسليط الأضواء على تلك القضايا. لكن ما يحدث هو أن النسويات هن اللاتي يتم وصمهن بالشرشحة. بل استدعاؤهن بالأسماء، للتشهير بفلان أو علان. وكأن النسويات هن «شرشوحات الإنترنت»، ومهامهن مقتصرة على «الشرشحة». هذه الرؤية قاصرة للغاية، لأنها لا تُدرك أبعاد آلية الوصم الاجتماعي، ولماذا تستخدمها النسويات، كحلول بديلة للإجراءات القانونية غير العادلة. هذا بجانب اعتبار النسويات شرطة تشهير إلكتروني، دون الانتباه إلى أن الهدف هو إثارة زخم حول قضايا قد تمر مرور الكرام لأن المتورطين فيها لهم نفوذ ووضع اجتماعي، مثل قضايا الاعتداء الجنسي من شخصيات عامة، مقارنةً بالقضايا التي تكتسب زخماً بالفعل، مثل قضايا إثبات النسب.

النسوية والأولويات

أغلب مستخدمي الإنترنت، في بلدان عربية أو غير عربية، لا يعترفون بالنسوية كنهج فكري، أو أيديولوجيا سياسية. فالنسوية بالنسبة إلى هؤلاء قضية مَن لا قضية لهم. لذلك، يتعرض كل مَن يصفون أنفسهم بالنسوية إلى هجوم متكرر لآرائهم، وفحص مستمر لنواياهم الخفية، وتنجيم عمّا يُريدون من وراء دعمهم لقضايا بعينها، مثل قضايا الجسد والجنسانية. إنهم دائماً محل شك، لا لشيء إلا للاعتقاد السائد أن النسوية شيء تافه وغير ذات أولوية. وحتى لا يقع هؤلاء في فخ "التسفيه من قضايا النساء"، فقد اخترعوا مصطلحاً جديداً أسموه: «الأولويات». فوضعوا خرائط للمواضيع النسوية المسموح الكلام فيها، وهي التي تصوّر النساء كضحايا: كالختان أو التحرش الجنسي. أما المواضيع التي تهتم بإثارة الجدل حول أحقية النساء في أجسامهن، كالبكارة والإجهاض وحرية إزالة شعر الجسم، فهي مرفوضة وموصومة بالتفاهة. وتكون بذلك محل مقارنة دائمة بينها وبين القضايا التي تقدم النساء كمغلوبات على أمورهن. الفرق بين الاثنتين هو أن الأولى تتفق مع الصورة الذهنية للمجتمع عن النساء: ضحايا، ليس لهن سلطة على أجسامهن. أما الثانية، فتُخالف هذه الصورة الذهنية للنساء كمُستضعفات، وتضع النساء كصاحبات وكالة على أجسامهن. كم مرة قيل لكن كنسويات: لماذا تتحدثن عن الحجاب، ولا تتحدثن عن العنف الأسري؟ وعندما تتحدثن عن العنف الأسري، يتبدل السؤال: لماذا تتحدثن عن العنف الأسري وتتجاهلن الحديث عن قوانين الميراث؟ وعندما تتحدثن عن الميراث، يُقال لكن: لماذا لا تتحدثن عن التحرش الجنسي؟ باختصار، ستتحول أية زاوية نقاش إلى أسئلة وجودية، غرضها الأول هو فرض وصاية على أية جدالات تُثيرها النسويات.

الحق في تحديد الأولوية

هذا ما يمكنني أن أسميه امتدادًا للوصاية الأبوية على النساء. فليس جديدًا أن يتم تحديد موضوعات بعينها للنساء للحديث فيها، ويُحرّم عليهن غيرها. وهذا التحريم ذو صلة وثيقة بالهوية الاجتماعية. فمثلًا: مسموح للنساء الحديث عن الطبخ، وليس كرة القدم، كما شَهِدنا في المونديال. لأنه وبسذاجة، يتم مرادفة النساء بالطبخ والأعمال المنزلية، والرجال بالرياضة. ما لا يهتم به هؤلاء هو أن لكل شخص الحق في تحديد ما هي الأولوية وفقًا لرؤيته وأهدافه. فما أعتبره أولوية، قد لا يعتبره غيري أولوية، ولنا الحق جميعًا في ألّا يتم وصمنا بالتفاهة لمجرد أننا نختلف في رؤيتنا لأمر ما، أو حتى توقيت طرحه للنقاش. ولنا الحق أيضًا في الجهل بوجود حدث ما، أو عدم الاهتمام به، أو حتى الإعراض عن المشاركة في النقاش عنه. يجب أن يعي أصحاب الأولويات أن جوهر النسوية هو حرية الاختيار، واحترام الاختلاف. وأن النسويات لسنّ شرطة مدنية وليس لديهن أي سلطة مجتمعية يجب عليهن استخدامها «لنصرة» الأقليات أو لتطبيق مفهوم الآخرين عن الأولويات. أن نحمل لقب «نسوية» لا يعني بالضرورة أننا مُنخرطات في كل الجدالات المُثارة عن النساء، ولا يضع علينا مسئولية الانخراط في (س) أو (ص). لذلك، لا معنى نهائيًا لمطالبتنا بالحديث عن هذه أو تلك. النسوية ليست مؤسسة أو كيانًا رسميًا ننتمي له. كما أننا بدافع إنساني، لدينا ما يكفي لنكون مُنشغلات بصراعاتنا الشخصية أحيانًا، ومُنسحقات بداخلها بشكل يصعب معه التعاطي مع أي أمر آخر، حتى لو كان نسويًا. فالنسوية ليست إلزامًا باتخاذ فعل أو رد فعل.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard