شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الأناشيد الإسلامية ... إثارة الغضب والشهوة الجنسية

الأناشيد الإسلامية ... إثارة الغضب والشهوة الجنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 27 يونيو 201812:37 م
عندما قتل الضابط التركي "مولود طاش" السفير الروسي "أندريه كارلوف" في أنقرة في ديسمبر عام 2016، صاح بعدها قائلا "نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد"، قالها هكذا بالعربية. لم تكن مجرد كلمات من خاطره، بل هي اسم نشيد جهادي شهير، ولا أظن أن تلك مصادفة؛ بل اقتباس مقصود نتيجة تعلق عميق، خصوصا أن لغة ذلك القاتل هي التركية لا العربية؛ مما يوضح عظيم أثر الأناشيد عموما، والجهادية منها خصوصا، على نفسية وعقلية المستمع الإسلامي. كان هذا موضوع فصل في كتابي "سجن الفقه" الصادر عن مؤسسة بتانة هذا العام، فالأناشيد بشكل عام على اختلاف أنواعها من الأدبيات الخاصة بالإسلاميين، التي يجدون فيها لونا من الخصوصية والانتماء وتجسيد للهوية. يبدأ الأمر بأغاني بالعربية الفصحى بدون موسيقى -وكما نرى فالانطلاقة دائماً فقهية، وهنا تتمثل في ثنائية الحلال والحرام باعتبار الموسيقى حرام- منها ما يُستخدم كأغان دينية عادية يغلب عليها الشجن أو الرقة، ومنها ما يستخدم في الأعراس ليضفي مزيدا من الخصوصية للتيار واختلافه عن بقية الناس. ثم نجد الاتجاه للثوري منها، ومن بعد ذلك تحديد القضايا والمعارك التي يشارك فيها التيار الإسلامي من خلال تنظيماته وجماعاته المتعددة بشكل مدني سلمي أو بعناصر مسلحة. لذا فالأناشيد فن يجدون فيه متنفساً يعوضهم الحرمان من معظم الفنون، كما يحمل كثيرا من الأفكار والتوجيهات الذي تجعله أكثر بكثير من وسيلة ترفيه، وبالتالي فهو من أقوى أدوات التعبئة. كما تسهم الأناشيد بشكل لا يستهان به في زرع بذور الإرهاب في نفس المستمع الشغوف عن طريق عدة أمور، هنا أهمها:

التشجيع على العنف

بإثارة الغضب والحماسة واستحضار روح العداء، إضافة لتقديم مشاهد واضحة للقتل والذبح، تؤثر الأناشيد بالتحريض بحماسيتها وكلماتها والآداء المؤثر، الذي قد تتخلله أصوات الرصاص والتفجير. وأما عن صور القتل والذبح فالأمثلة كثيرة. منها نشيد "كالصاعقات المرعبات" وفيه: "حزت روؤس الملحدين قربى لرب أوحد، أبشر بليل معتم، بالموت رعبا والدم، وبحز رأس الأظلم، وبرفع رأس المهتدي.. جئنا إليكم في عجل، نشفي الصدور من العلل، جاء القتال مع الأجل، سنهز عرش المفسد". أما نشيد "نهضنا نهضنا" ففيه: "قطفنا الرؤوس نشدنا الصعودا، رشفنا الكؤوس جردنا الصليبا، ذبحنا الجنود ملأنا الصعيدا، أردتم بقاء بأرضي عهودا، فذوقوا فناء وكونوا حصيدا". ونشيد "قريبا قريبا" تقول كلماته: "قريبا قريبا ترون العجيب، صراعا رهيبا وسوف ترى.. بعقر ديارك تكون المعارك، لأجل دمارك حسامي برا.. مشينا بسمر، لجز ونحر، بسكين ثأر، سمت من حرا.. بأشباح ليل، وفتيان هول، وتفجير ويل، لكي يدحرا.. إليكم سنأتي، بذبح وموت، بخوف وصمت، نشق العرى". ونشيد "فجروهم فجروهم" وفيه: "فجروهم فجروهم، حيث كانوا وانحروهم، واطردوهم جميعا وادحروهم، شردوهم ضيقوا الدنيا عليهم، واقهروهم، واسكبوا الويلات في درب العدا، لا ترحموهم، إنهم إخوان خنزير وقرد فانبذوهم.. اذبحوهم اذبحوهم".

التحريض ضد الغير

الأناشيد مسخرة لخدمة القتال الدائر في الأساس عن طريق التحريض على "الأعداء" من منطلق عقائدي لإخفاء الأهداف الحقيقية، وتحول التنافس السياسي إلى تناطح بين الأديان والمذاهب. وفي ذلك وظيفة براغماتية-عدا تضليل الناس عن قراءة الأحداث- تتمثل في رفض الأخر باختلاف انتمائه الديني أو المذهبي أو الأيديولوجي، والذي لا ينتمي للتيار الإسلامي خصوصا، لذا تعمم الأناشيد وتحرض بالجملة، وتجعل الأمر يبدو جهادا من أجل العقيدة الحقة باستخدام خطاياة كثيرة منها:

الطائفية

عدا التحريض ضد الطائفة اليهودية عند الإشارة للقضية الفلسطينية، هناك أيضا تحريض ضد الطائفة المسيحية مثل نشيد "أيها البطل تقدم"، ففيه: "أيها البطل تقدم، وإلى الهيجاء أقدم، احمل السيف وردد، إنني ما زلت مسلم.. فوق هامات الأعادي أرفع النصل المسمم، أملأ الكون زئيرا وشعاري لست أهزم.. يا دويلات النصارى.. قد أتى الشبل الملثم، سوف أسحقكم جميعا، إنني والله أقسم".

العنصرية

حيث يتم التركيز على إذلال من يصورونهم على أنهم "الأعاجم"، كما في نشيد "القول قول الصوارم": "نحن الذين وطأنا بالخيل عرش الأعاجم.. نحن الذين بنينا حصوننا من جماجم، سقنا حليلات كسرى بالسوط سوط الغنائم، ورسولنا من صنعنا، بناة مجد أكارم". ونجد أن هذا البيت يُعيّر الفرس بالفتح الإسلامي ويصور الأمر على أنه إذلال لهم، وعلاوة على ذلك يتم الافتخار بسوق زوجات آخر ملوكهم كالغنائم وقيادتهم بالسوط والتعذيب، هذا بالإضافة إلى الإشارة بأن في ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

التكفير

لا ننسى النشيد المُهدى إلى الشيعة وهم المنافسون لهم بالمذهب، والذين لهم أيضا تيار إسلامي مماثل يشترك معهم في خصائص كثيرة، ويتقاتلون معه في مناطق الصراع. ويقول النشيد الشهير: "ماهم بأمة أحمد لا والذي فطر السماء.. لم يقرأوا سعدا وسيف الله.. ما فهموا البراء.. شيع وأحزاب تضل فلا ائتلاف ولا لقاء.. هذا إلى صنم يطيف به.. وذا عبد النساء".
تثير التنظيمات الإرهابية في أناشيدها الميول الإجرامية والسعار الجنسي فتمهد لسبي النساء ليتم اغتصابهن واسترقاقهن وبيعهن
الطائفية والعنصرية والتكفير: أشكال العنف التي تحققها أناشيد التنظيمات الإرهابية

تغذية الشهوة

قد يكون هذا من أكثر ما لا يُلاحظ في الأناشيد الإسلامية المتداولة، لأنه يُشاع بين عناصر التنظيمات الإرهابية في معسكراتهم أكثر، وهي الأناشيد التي تصف الحور العين كجائزة المجاهد. تلك الأناشيد لا تخلو من إثارة الشهوة الجنسية للرجال. قد يظن البعض أن هؤلاء المجاهدين، حتى وإن كانوا إرهابيين أو تم تضليلهم، أنهم أناس نذروا أنفسهم للقتال وتركوا الدنيا وما فيها من متاع للجهاد، ولكن الأمر أبعد ما يكون عن هذا. فالمناخ الذي تغذيه التنظيمات الإرهابية كثير الانشغال بالجنس والنساء لأسباب كثيرة، منها الكبت والحرمان الجنسي بسبب الحياة المنغلقة التي يعيشها ونظرته لهن، أو ما يثيره حديث رجال الدين عن تعدد الزوجات والقدرات الجنسية للنبي أو قدرة الرجل الجنسية في الجنة، وحصر النظرة للمرأة على تفريغ الشهوة، فأصبحت بالنسبة إليه وسيلة وصول لعالم المجون الذي يحلم به في الدنيا والآخرة. هنا مثال على ذلك. والتنظيمات الإرهابية تثير كل ذلك وتستغل هذا السعار الجنسي بالحديث عن الحور العين لتحقيق غايتين: الأولى هي ترغيب عناصرها بشكل خاص في العمليات الانتحارية باستحضار النعيم الذي ينتظرهم بعد الضغط على الزر أو إفلاته. ونعلم أن الخطاب الديني بشكل عام يزخر بالحديث عنهن كأهم متعة في الجنة، فيُرغّب بالانضمام للتنظيمات وتحقيق الشهادة وهي تذكرة تضمن الوصول للجنة وما فيها مما يمنيهم الشيوخ، والذين كثيرا ما يذكرون لهم الحوريات ويصفون لهم أجسادهن بالتفصيل ومتعة ممارسة الجنس معهن. وقطعا فالمتنمي إلى هذه التنظيمات يرى في نشاطاتها جهادا يوصله لتلك الجنة. لذا فهناك ارتباط وثيق في اشتراك الخطاب الديني وأناشيد التنظيمات الإرهابية على التركيز على الحور العين. أما الثانية، فنجدها بالنظر إلى ممارسات عناصر التنظيمات الإرهابية، فهي لا تقتصر على القتل والذبح والأسر والاشتباكات المسلحة، بل هناك تركيز كبير على سبي النساء اللائي تطالهن أيديهم بعد السيطرة على المدن ليتم اغتصابهن واسترقاقهن وبيعهن. ولا تقتصر هذه الممارسات على غير المسلمات، فهناك جهاد النكاح الذي تعتبر التنظيمات أنه المشاركة الواجبة من النساء المسلمات في الجهاد، وكثيرا ما حدث أن قام المسلحون بإجبار العوائل المسلمة في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات على تسليم بناتهن للجهاد، أو الاغتصاب؛ بمعنى أدق. وأفظع من كل احتلال غاشم، يقوم المجاهدون بأسر النساء، خصوصا العذراوات والقُصّر، والتناوب عليهن لاغتصابهن مرارا وتكرارا كنوع من الترفيه عن المقاتلين، وأيضا لزيادة التنكيل بالأعداء وإذلالهم. لكن المجاهدين زادوا عما عرفناه عن جيوش الاستعمار بأن حاولوا محاكاة نعيم الجنة المنتظرة وفق ما تعلموه فقهيا خلال حياتهم في الدنيا، فقاموا بترقيع بكاراتهن واغتصابهن. هذا الاستعباد الجنسي يتطلب إثارة الشهوة الجنسية عن طريق تلك الأناشيد التي تتحدث عن الحور العين وتذكرهم بها دوما.  ففي هذا العالم فرص لتفريغ السعار الجنسي، وهو عالم لا مكان فيه لاحترام النساء اللائي يؤكد الخطاب الديني على تحقيرهن، فإن كان للزوج حق معاشرة زوجته بالإكراه فما بالنا بالسبايا "الكافرات". من هذه الأناشيد ما يصف للمجاهد أجساد الحوريات وشكل صدورهن عندما يركضن وتصوير احتضانهن على الأسرّة بجوار النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى شبكة الإنترنت نجد فيديوهات تتضمن مجاهدا يُنشد بهذه الكلمات وحوله المجاهدون: "حُور العِينِ الله عطاها، أوصاف اللؤلؤ والمرجان، ياخواتي راني نبيها، حور العين وميت فيها.. زفوني ألقى في الجنة، حورية سمحة تستنى.. يا حورية آني جيتك، مهرك غالي ما طقيتك.. جنة وبجوار نبينا، خمر وحوريات حسان.. على الله يجمعنا بسرير، بها في جنات الرحمن". وهناك نشيد آخر شهير اسمه "ألا يا لالي يا لالي" تصف كلماته الحورية: "إذا تمشي اتغنج لي، تدور وتتثنى لأجلي.. كواعب صدرها يبدو، إذا راحت وإذا تغدو، ومنظرها وهي تعدو، تنسى الدنيا وما فيها.. كما الياقوت والمرجان، وإحسان من بعد إحسان، ولا تزهق من الأحضان، وما يرضيك يرضيها"!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard