شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل يقتلنا الحب؟

هل يقتلنا الحب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 10 يناير 201811:25 ص
يوم عادي ممل كبقية الأيام لا يخلو من تصفح "فايسبوك". كلمة من هنا، خاطرة من هناك، امتعاض، سخرية، ابتسامة عابرة، هي أيام نحاول أن نحشوها بشيء أو حتى بلا شيء. رجاء من صديقة افتراضية بالدعاء لصديقتها التي أصابها "مرض الموت" بعد أن هجرها الزوج ليتزوج بأخرى أوكرانية. تستفيض الصديقة في شرح الحالة: "منى صديقتي التي أحبت زوجها حباً شديداً منعها حتى من زيارة أهلها، أجبرها على ارتداء "النقاب"، حتى يدها لم يكن يسمح لها بأن تظهرها لمصافحة محارمها، سافر للعمل، عاد متزوجاً بأوكرانية، متحرراً كارهاً زوجته المحبة فجأة"... انتهى البوست. انهالت التعليقات على بوست الصديقة بالدعاء للزوجة بالرحمة وأن يلطف الله بها ويرحمها، وصب جام الغضب والدعاء على الزوج المفتري. حالة من الذهول أصابتني بعد هذا البوست. هل يقتلنا الحب؟ ظللت أفكر في الأمر بشكل أصابني بالضيق الكبير، تعاطفت مع الزوجة التي نسيت نفسها ودارت في فلك زوج "ناكر"، كيف أحبها هذا الزوج؟ وكيف كان لقاؤهما الأول، هل حزن لحزنها يوماً؟ هل يعرف أنها ربما تموت بسبب من كان حبيباً يوماً؟ ترى كيف سيتصرف؟

هل يقتلنا الحب؟

من البديهي أن نموت بفعل اعتلال جسدي، أو مرض مفاجئ، لكن هل يمكن أن نموت بفعل "كسرة القلب" كما حدث مع منى. الإجابة بنعم قد تكون مفاجئة لكنها حقيقة، هي متلازمة "القلب المنكسر" أو "التاكوتسوبو". حقيقة علمية تؤكد أن الإنسان يمكن أن يموت نتيجة صدمة عاطفية أو خيانة حبيب أو سماع خبر غير سار. كلها أسباب تؤدي إلى اعتلال عضلة القلب نتيجة الضغط العصبي ومن ثم الوفاة... على عكس الأزمة القلبية التي تؤدي إلى انسداد الشرايين وتوقف القلب عن ضخ الدم.
من البديهي أن نموت بفعل اعتلال جسدي، أو مرض مفاجئ، لكن هل يمكن أن نموت بفعل "كسرة القلب"
عندما يكون القلب مكلوماً فإنه يتوقف عن كثير من وظائفه الحيوية وعاداته اليومية، وتتأثر روابطه الاجتماعية
"سيارة الحبيب في موقف السيارات تختلف كلياً عن أي سيارة أخرى"، تقول هيلين فيشر عالمة الإنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة إنديانا. فالحبيب بحسب فيشر له معنًى خاص، يكون هو مركز العالم، فيمكن الناس أن يسردوا ما لا يعجبهم عن أحبائهم، لكنهم يرفضون ذلك ويركزون على ما يعشقونه فقط، وعندما يكون القلب مكلوماً، فإنه يتوقف عن كثير من وظائفه الحيوية، فيتوقف الشخص عن عاداته اليومية، وتتأثر روابطه الاجتماعية، ويفكر في الطريقة التي قد تستمر بها حياته، ووسط كل هذه الفوضى الكيميائية التي تحدث في دماغ الإنسان يمكن أن تنتهي حياته. تضيف فيشر في دراسة لها أن عدداً قليلاً من الرجال أو النساء، قادر على تجنب المعاناة من الرومانسية، وأن رفض الرومانسية (الغرام) من أحد طرفي العلاقة يؤدي إلى شعور عميق بالخسارة وله تأثير سلبي محفز الاكتئاب، وفي الحالات القصوى يؤدي إلى الانتحار، وهناك عشاق يموتون بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.

عددٌ قليلٌ من الرجال أو النساء، قادر على تجنب المعاناة من الرومانسية، ورفض الرومانسية (الغرام) من أحد طرفي العلاقة يؤدي إلى شعور عميق بالخسارة وله تأثير سلبي محفز للاكتئاب.

أحمد ومنى "أيقونة" الحب التي زدناها ضياعاً

في فيلم أغلى من حياتي، مثلت شادية مع صلاح ذو الفقار حالة الحب المنبعثة من زمن أسطوري حتى وإن كان ليس بعيداً، لكن ربما لافتقادنا إياها أصبحت بالنسبة إلينا "قصة أسطورية"، أصبح أحمد ومنى في الفيلم أيقونة الحب الجميل الخالي من الخيانات والكذب والجحود والنكران. وعندما عندما حاولنا تقليد هذه الحالة شوهناها كما شوهنا غيرها. فحتى هما لم يسلما من السخرية والتشويه - أحدث نفسي – يا الله ماذا أصابنا؟ ترن في أذني كلمات الأغنية العبثية "أحمد - منى" للمطرب محمد عطية، الرجل الذي لم يبخل في تشويه أيقونة الحب الجميل لحناً وأداء... "مش مشكلة... مجتش على أحمد ومنى كل حاجة اتشوهت" ... أحدث نفسي... الحب غير المشروط، الحب للحب فقط، لم يعودا موجودين، "أنتم أيامكم ما يعلم بها إلا ربنا"، تقولها لي زوجة خالي في فضفضة احتجت إليها في منتصف اليوم "الباين من أوله". تفتخر بحب زوجها لها وتحكي عن أيام رأيتها بنفسي بينهما، كيف كان زوجها يحبها، يطبطب ولا يبخل، يقدر ولا ينكر، يسامح ولا يجحد، يتفهم ولا يعاير. تتنهد وهي السيدة التي تجاوزت الـ60، لتحكي بصوت هدأت نبرته عن لقائها الأول به، وكيف أنه في المرة التالية لزيارة أسرتها أقنع أباها بأن تُكمل تعلّمها، وطلب يدها على الفور ليعلن لها أنها "فرحة الدنيا" على أغنية "هي دي هي" لعبدالحليم حافظ. عاشا سوياً 45 سنة ولم ينجبا، وحتى وفاته وهو ابن المجتمع الريفي المحب لـ "العزوة"، لم يعرف أي من عائلتيهما سبب عدم إنجابهما، ومنذ وفاته قبل خمس سنوات لا تخرج من منزلها سوى لزيارته في قبره فقط، ولا تمل الحديث عنه مطلقاً. تفوح من حديثها رائحة زمن جميل فقدناه فعلياً على جميع الصعد، على الرغم من تكرار الكلام والذكريات، إلا أنني أحب هذا الحديث الذي أطل منه على زمن احتكر أصحابه كل الجمال لأنفسهم!

ماذا يحدث للحب؟

أنهي المكالمة وأتذكر صديقتي التي تزوجت بعد قصة حب عنيفة، فلم تصبر حتى على إنهاء دراستها الجامعية وتزوجت "لؤي". كانت بالنسبة إلينا كصديقات نافذة المعرفة على عالم جميل هو الحب. نجتمع ليلاً في سكن الطالبات لتحدثنا عن علاقتها به، ماذا أحضر لها في عيد ميلادها من هدايا، آخر الأفلام التي رأتها برفقته... وتمر السنوات وينقطع الاتصال بيننا... أتفاجأ باتصالها "الحقيني أنا في قسم الشرطة بعمل محضر للؤي... ضربني"... أحاول تهدئتها لأفهم ما حدث، تقول: اكتشفت خياناته المتكررة وكذبه الدائم، تحملت من أجل "البنات"، لكن لا أستطيع المضي في هذه العلاقة... وأهلي يرفضون فكرة الطلاق. أردّ: أنت لست مجبرة على المضي في علاقة كهذه لمجرد المحافظة على "البنات". تهمس: لكن كيف سأعيش من دونه؟

ما الحل؟

للأسف! أبدية الوقوع في الحب شيء خيالي، ويرى غاري تشابمان صاحب كتاب "خمس لغات للحب" أن متوسط عمر تجربة الحب عامان فقط، بعد ذلك يبدأ كل شريك في التعبير عن رغباته وإثبات قوته، والتي تكون مختلفة عن رغبات الآخر، فهو يرغب في ممارسة العلاقة الحميمة وهي متعبة، هو يريد شراء سيارة وهي ترى ذلك أمراً سخيفاً، وتبدأ أمواج الحقيقة تفرق بينهما. في هذه المرحلة، بحسب تشابمان، فإما أن ينفصلا ويحدث الطلاق ويبدأ كل منهما رحلة البحث عن تجربة جديدة للوقوع في الحب، أو أن يجد كل منهما وسيلة لحب الآخر من دون الوصول إلى السعادة الغامرة التي صاحبت تجربة الوقوع في الحب.

هل يعود الحب؟

يرى تشابمان أن هناك 5 لغات أساسية للحب هي كلمات التشجيع، الهدايا، الأعمال الخدمية، الاتصال البدني وتكريس الوقت، ولكن لغة الحب لشخص ما قد لا تكون نفسها لشخص آخر، وهذا لب الموضوع. فالحب لا يمحو الماضي، لكنه يجعل المستقبل مختلفاً، فعندما نختار العبارات الفعالة للتعبير عن الحب بلغته الأساسية لشريكنا في الحياة، فإننا بذلك نخلق جواً عاطفياً نستطيع التغلب به على الماضي وإخفاقاته. معظمنا في منظومة الزواج والحب، إن لم يكن جميعنا، يعاني من مشكلات خاصة لفهم لغة الشريك، علينا فقط بذل بعض الوقت لفهم لغته الأساسية... فهل نحاول؟ أتصفح بعض المواقع وصفحات السوشيال ميديا، أحاول الضغط قليلاً على عقلي الذي استدعى قصص السيدات اللاتي أعرفهن... الجريحات من تجارب حب فاشلة، فهذه تنفق على أبنائها مجبرة من زوجها، لأنه يرى أن عملها إهدار من وقت البيت الذي يعتبر ملكه هو فقط، وتلك تعاني مع زوجها المدمن الذي يضربها يومياً لتعمل كي يستطيع شراء المخدرات... وأخرى تعمل خادمة في المنازل حتى تنفق على بناتها اللاتي هجرهن الأب ليجري وراء نزواته الطائشة... وغيرهن وغيرهن كثيرات. بوست من هنا، كوميكس من هناك، بوست غريب من زوجين قررا الطلاق على صفحات "فايسبوك". شيماء مختار ومحمد كريم زوجان مصريان كسرا التقاليد وأعلنا الطلاق بآخر صورة سيلفي التقطاها سوياً، ليعلنا انفصالهما للعالم والإبقاء على العلاقة بينهما في إطار الصداقة فقط. وبين القيل والقال حول هذه الحالة، يبقى حقهما في العودة إلى حياتهما الطبيعية والتخلص من علاقة تأكل الروح... ويصبح الطلاق هو فقط الحل الوحيد. لنقتل علاقة تقتلنا حتى وإن كان أساسها الحب... ويصبح الأمر سهلاً، وغير مزعج لنا حتى ولو على الملأ... أمام الملايين...

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard