شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أنتِ شخصيتي الروائيّة المفضلة

أنتِ شخصيتي الروائيّة المفضلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 23 ديسمبر 201712:05 م
منذ أسابيع وأنا مصاب بأرق لا أعرف له سبباً محدداً؛ لا أستطيع النوم ليلاً فتَغزوني أفكار كثيرة خلال هذه الليالي الطويلة وحين أنام بعد طول تعب أحلمُ كثيراً. لا أذكر أنّني حلمتُ بهذا الكم من قبل. أحلامٌ غريبة من هنا وهناك. أحلام لا تفسير لها. أحلام عن كلّ شيء وعن كلّ شخص أعرفه. منذ ثلاث ليالي لم أحلم إلا بكِ. أحلام غريبة لا أذكر معظمها لكنني أذكر أنّكِ جزء منها. لا أملك تفسيراً لاحتلالِك نومي المتعب. حاولتُ أن أكتب هذه الأحلام لكن دون جدوى، لم أتذكر معظم تفاصيلها، وما أتذكره غريب. ساءلتُ نفسي: لماذا لم تحلم بها من قبل بهذه الكثرة؟ رغم السنوات الطويلة التي قُدّرَ لنا أن نعرف بعضنا فيها لم أحلم بك مثل هذه الأحلام. ما الفرق بين الحلم واليقظة؟ أليست دائرة مغلقة كلما مشينا فيها وصلنا إلى نقطة البداية؟ الحلم هو صورة الواقع والمدخل إلى اللاوعي حسب كارل يونغ، ونحن نسقي أحداث يقظتنا بشذرات من هذه الأحلام. هكذا يكون الحلم جزءاً من اليقظة والعكس صحيح كذلك. أفكر بأنّنا قدر بعضنا البعض، إن كان للقدر وجود. لا فكاك لنا من بعضنا، أقول لنفسي، وفي اللحظة التالية أخاف أن أفقدكِ. أخاف أن أفقدك بشدة، كيف يستطيع المرء العيش دون نصفه الآخر، سأكون ناقصاً دونك. ليس نقصان المشاعر والحب والحنان، بل هو نقصان أكبر. أخاف أن يموت نصفي فأحيا بنصف لا يكفي ولا يغني، هل تعرفين إنساناً يعيش بنصف قلب؟ أنتِ نصف قلبي.
أنت شخصيتي الروائية المفضلة، رغم أن لا شيءَ حقيقي أكثر منك...
ليس نقصان المشاعر والحب والحنان، بل هو نقصان أكبر. أخاف أن يموت نصفي فأحيا بنصف لا يكفي ولا يغني، هل تعرفين إنساناً يعيش بنصف قلب؟ أنتِ نصف قلبي
لو كنتي تعرفين الرسم، مثلاً، لكنّا مثل توماس وسابينا في رواية كونديرا، كائن لا تحتمل خفته، رغم أنّني أحسب نفسي شبيهاً بفرانز وليس بتوماس. لماذا لا تتعلمين الرسم؟ لا، ليس الرسم هو المقصود، ربما كان هذا التشبيه لأنّني كنت قد قرأتُ هذه الرائعة مؤخراً وكنت أفكر بكِ طوال فترة قراءتها. في الحقيقة، أنا أراكِ في كلّ الروايات، كلّ شخصيّة روائيّة أنثويّة أقع في حبها أحسبها أنتِ، وما أكثر الـ"أنتِ" في هذه الروايات. أنتِ شخصيتي الروائيّة المفضلة، رغم أن لا شيءَ حقيقي أكثر منك. ما هو الفاصل بين الروائي والحقيقي؟ ما هو الروائي وما هو الواقعي؟ أليست الرواية مستمدة من الواقع، يأخذها القارئ ويعيش أحداثها بينه وبين نفسه ومن ثم يعيد تمثيل هذه الشخصيات الروائيّة، أو أجزاء منها، في الواقع فتكون الدائرة مغلقة تماماً لا منفذ منها؟ ربما يكون الفرق فقط في التوقيت. وما هو الوقت؟ يقول سليم بركات: "هذه قافلة تمشي في برزخ، لا أزل وراءها، ولا أبدية قُدّامها. الوقت فجوة". أكتب هذا النص وأنا أستمع لموسيقى يوهان سباستيان باخ وبالتحديد لـCello Suite no 1. أحسّ بضربات أوتار آلة التشيلو في قلبي. أغمض عينيّ لثوان أرى نفسي فيها معك في سنة 1803 في إحدى القصور النمساويّة. أطلب منك الإذن بالرقص. نحرّك أجسادنا على وقع الموسيقى بتحفظ. أقتربُ منك وأهمس في أذنك اليمنى: لقد أحببتكِ قبل أن تولدي. أفتح عيوني على الواقع فأقول لنفسي إنّ حلم اليقظة هذا جزء من واقعي. أغمض عينيّ مرة أخرى فأرى نفسي في باريس أجلس على ضفة السين وأقرأ كتاباً لفيكتور هوجو، أرفع رأسي فأراك تقتربين مني. أعتقد أنّها سنة 1961. تعبرين بعد أن تلاقت نظرات عيوننا بابتسام. أهمس لنفسي: لقد أحببتها قبل أن أولد. أفتح عيني على واقعي مرة أخرى وابتسم لنفسي وأقول لها: سأتصل بها في الصباح. لا بأس في أن نلتقي في برلين خلال شتاء 2017. حين أفكر بكِ أبتسم. ذكراك وصورتك في ذهني تجعلني سعيداً. ما أحلاكِ! أريد أن تضمني إليك الآن كي أنام. الساعة الآن تقارب الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلي وأنا لا أستطيع النوم. هل تعرفين أنّني أجيء إليكِ حين أتعب من الحياة. يكفيني قضاء وقت قصير معك كي أعادِل أوزان حياتي المختلة. حتى إن لم نتحدث وكان اللقاء صامتاً، حتى وإن كان أحدنا مشغولاً عن الآخر بأشخاص آخرين أو أعمال أخرى، يكفي وجودك في نفس المكان ونفس الزمان كي أستعيد توازن روحي. ماذا لو قرأتي ما أكتبه الآن؟ يتبادر إلى ذهني السؤال. ولماذا أكتب؟ ربما لأنّني فقدت قدرتي على الكلام وعلى التعبير عمّا بداخلي. الكتابة أسهل من الكلام. أكتب ما لا أستطيع قوله، وبالكتابة أعبر عن نفسي وعن مشاعري. قد تقرأين هذا الكلام وتقولين: كلام، كلّه في الهواء كلام. وقد تقولين أي شيء آخر. وقد تتساءلين: لماذا لا أرسل إليك هذا بشكل شخصي بل أقوم بنشره ويطلّع عليه من شاء؟ وجوابي هو: لا أعرف، لا أعرف كيف. كيف أرسل رسالة إليكِ وأنتِ شخصيّة روائية؟ حبيبتي، كلّ ما يهمني الآن هو تذكر ابتسامتك والاستمتاع بموسيقى باخ. الآن سوف أضع القلم جانباً واستكمل قراءة أرض السواد لعبد الرحمن منيف.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard