شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في ذمّ أنواع من البشر

في ذمّ أنواع من البشر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 13 ديسمبر 201701:07 م
نمشي في الشوارع ونذهب إلى أماكن العمل، نزور أصدقاءنا ونذهب إلى دور العبادة، نقضي وقتًا طويلًا في أماكن الدراسة ووقتًا أقصر في أحضان الطبيعة، نزور المطاعم وصالات الألعاب والأفراح والحفلات، نمارس كلّ أنواع الحياة الممكنة لنا ككائنات حيّة بشريّة. طبعًا ولِمَ لا؟ ألسنا بشرًا وكلّ هذا من حقنا؟ أليست هذه هي الحياة؟ لكن في أثناء ممارستنا هذه الممارسات نقابل أشخاصًا غريبي الأطوار، لا نفهم تصرفاتهم ولا كيف يعيشون. في هذه التدوينة سأسرد أمثلة عن أشخاص قابلتهم في حياتي. ليس الهدف التشهير بأحد أو إطلاق الأحكام على الناس أو القول إنّني أفضل منهم بل هو سرد وتعجب لحال هذا العالم. (١) ذات مرة، كنت في حفلة عيد ميلاد صديقة أوروبيّة، كما تعرّف نفسها، في مدينة باريس وكانت واحدة من المدعوات على اهتمام بما يحدث في سوريا وفي العالم بشكل عام. كانت تحدثني عن حقوق الإنسان وعن لزوم تغيير نظرة البشر إلى الحياة. آه ما أجمل هذا!
هذه التدوينة هي سرد وتعجب لحال هذا العالم ولحال البشر فيه.
من لا يريد الموت للإنسان لا يستطيع قبول الموت لأيّ كائن حي، مهما كان هذا الكائن.
في حديث لاحق، كانت السيدة نفسها تتباهى بالوشاح (كان وشاحًا من الفرو الطبيعي) الذي تلفه حول رقبتها وبحذائها المصنوع من الجلد الطبيعي. قلت لها إنّ هذا تناقض، لا يمكنكِ الحديث عن حقوق الإنسان وفي المقابل ترتدين جلد حيوان قُتل من أجل تصنيع ما ترتدينه. ردّت بأنّها تهتم بالبشر أكثر مني وبأنّ الحيوانات غير البشر، ولا بأس أن نستمتع قليلًا بما تعطيه لنا الطبيعة. قلت لها ما معناه: عزيزتي أنتِ تهتمين بالحديث عن حقوق البشر من أجل أن تشعري بقيمة وجودك، من أجل أن تقولي لنفسك قبل النوم "أنا إنسانة جيدة"، لكن هذا لا ينفي أن الحديث عن حقوق الإنسان ليس قيمة أصلية من قيم حياتك، لأنّ من لا يريد الموت للإنسان لا يستطيع قبول الموت لأيّ كائن حي، مهما كان هذا الكائن. (٢) مثال آخر عن غريبي الأطوار: بعض الشباب الذين يكذبون في كلّ شيء، حتى في أسماء الشوارع وأنواع الطعام لكنهم في نفس الوقت يغارون على حبيباتهم وزوجاتهم. لا أفهم هذه الغيرة إلا بالغباء وبالإيمان بالتفوق الذكوري. (٣) بما أنني من سوريا، أقرأ في كلّ يوم دعوات إلى إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا من أجل المساهمة في حل لأزمة بلادنا، وهذا شيء أوافق عليه تمامًا، لكن ما لا أوافق عليه هو أن تصدر هذه الدعوة من شخص يؤمن بالنضال الأممي ووحدة الشعوب. كيف يمكنك عزيزي التغني والتغزل بالنضال العابر للأوطان وترفض المقاتلين في أرضك. لا يمكن تفسير هذا إلا بإيمانك بتفوق اليسار على من سواه ولأنّ مقاتلي سوريا اليوم لا يمثلون مبادئك ولو كانوا معك بنفس الصف لما ترددت في دعمهم. يؤسفني أن أقول لك أن دعوتك هذه هي دعوة غير مبدئيّة وقائمة على مصالح ذاتيّة. (٤) كوني أعيش في أوروبا، وتحديدًا في مدينة برلين، أقابل كلّ يوم، تقريبًا، أشخاصًا يتحدثون عن حقوق اللاجئين وحقوق المواطنة وحق الإنسان في الحياة والتعايش مع الشعوب الأخرى، لكنهم في نفس الوقت يصفون شعوبًا أخرى بأقذع الصفات، فتراهم يسبُّون الأفارقة ويظهرون تفوقهم على الأفغان ويحكون نكاتاً سيئة عن الهنود. وقد تراهم يسبون العنصريين الأوروبيين لكنهم لا يقبلون السكن في حارات العرب والأتراك في نفس المدينة. ترى الواحد منهم يطالب الأوروبيين بتقبله كما هو، بدينه وعاداته  وتقاليده، وهذا حقه، لكنه يشتم الشاب العربي الذي يضع أقراطًا في أذنيه ومن الممكن أن يقتل جاره في بلاده الأصليّة إن كان هذا الجار مثلي الجنس. هذه الأفعال العنصريّة ربما تُفسّر بسبب الخوف من التفاعل مع العالم المفتوح الكبير الغني المتنوع، وربما بسبب الخوف من الثقافات الأخرى، وقد يكون بسبب التعليم الناقص أو بسبب الإيمان بأفضليّةٍ ما وبتفوقٍ على الآخر، دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا… وحتى رياضيًا. وربما كان الخوف من السكن في المكان الجديد (أوروبا) مع آخرين قادمين من نفس البقعة الجغرافيّة (بلادنا الحزينة) هو طريقة هروب من الماضي ومن الذاكرة، لكن ربما يكون السبب الحقيقي هو الظن بالأفضليّة عن الآخرين، وهذه آفة. (٥) يمكنك اليوم أن تقابل سوريًا يتحدث عن نضالات الشعوب من أجل حياة أفضل، ومن الممكن أن تراه مستعدًا للتطوع في إحدى القرى النائية، في قارة أفريقيا مثلًا، وحين تحدثه عمّا يحدث في الغوطة الشرقيّة من حصار ومجاعة وقصف وقتل يقول لك: "يا زلمة ما حدا فاهم مين عم يقتل مين.. أنا ع الحياد وما دخلني بالطرفين... على فكرة أنا بطلت شوف أخبار سوريا". لا يمكن بأيّ شكل تفسير إنسانيّة هذا الشخص إلا بالكذب والنفاق. ما دمت تمتلك القدرة على التعاطف مع شعوب معينة ولا تمتلك القدرة على التعاطف مع شعوب أخرى، فإنّ إنسانيتك كاذبة لأنّ القيم لا تُجزأ. الوضع في سوريا معقد لأنّ المصيبة كبيرة. لذلك لا يشعر المرء بقيمة عمله، لكن إن كان المرء يُدرّس اللغة الإنكليزيّة في قرية أفريقيّة لأطفال فقراء فسوف يشعر بالإنجاز العظيم الذي قام به. هذا عمل عظيم لكن هذه إنسانيّة أنانيّة وفيها عدم فهم للعمل الإنساني؛ العمل الإنساني هو عمل من أجل الفائدة العامة وليس من أجل فائدة ذاتيّة. لا أقول هنا إنّ العمل من أجل السوريين أفضل من العمل من أجل الأفريقيين، لكن أقول بعدم انتقاء تعاطفنا الإنسانيّ، لأنّ الحب والتعاطف مع الآخرين ومساعدة الغير أعمال لا تُجزأ، فلا يمكنك أن تحب فقيرًا على حساب فقير آخر أو تساعد لاجئًا دون آخر. (--) كما قلت في بداية التدوينة ليس الهدف إظهار أفضليتي على الآخرين أو الحكم على الناس وأفعالهم، "ومن أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟"، بل هو سرد وتعجب لحال هذا العالم ولحال البشر فيه. ودمتم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard