شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
خمسة ظلالٍ للشغف

خمسة ظلالٍ للشغف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 14 أكتوبر 201710:01 ص
عن دقات القلوب العنيفة نتحدّث. دقات تسابق دقات الزمن وتسرقنا من ذواتنا لتحملنا إلى عالم الوهم والخيال. منّا من يصف ذلك الشعور بالعشق، وآخرون يسمونه شغفاً. نبحث عنه كلّ حياتنا ظانين أن من خلاله سنحقق ذاتنا ونجد الحب المفقود الذي سيخلصنا من واقعنا المرّ ومن علاقاتنا السابقة الفاشلة. يقولون لا حبّ حقيقي يستمر دون وجود الشغف. أما أبو الشغف شكسبير فيقول: "الحب دخان يتصاعد من تلاقي نظرات العشاق. يشعل نيران الروح فتطوف الدموع بحراً. الحب ليس غير جنون خفي. مرارة تخنق ولذّة لا تنتهي".

يجتاح الكيان كصاعقة

هو الشغف. يجتاحنا كصاعقة تعمي أعيننا وتحوّل بصرنا وبصيرتنا إلى مرآة للآخر، حتى تصبح قرارتنا كلّها خارج نطاق المنطق أو أسس حب الذات. يأتي إلينا أو نأتي به نحن. لا فرق. لكننا نشعر أن لا غنى لنا عنه. كأنه نقطة المياه بعد عطش السنين. أو نٓفٓس نسترقه من نافذة روتين حياتنا الخانق. شغف يبدأ بنظرة. بكلمة حب. بتلامس جسدين اعتقدا بغفلة من الحبّ أنهما جسد واحد. فيه عقل واحد ونٓفٓس واحد وروح واحدة. شغف يسرقنا من ذاتنا. من رغباتنا. من أحلامنا التي سعينا لأجلها عمراً. يحوّلها هباءً في لحظة ليصبح شخص واحد مصدر الإلهام وسبب السعادة والتعاسة، فتغدو روحنا كلولب متدحرج أو دمية متحركة يتحكم بأسسها مزاج الآخر وتحرّكها أهواؤه.

يرهق الجسد والحواس

لا نوم. لمَ الحاجة إلى النوم إن كنا لا نجد الراحة إلا معه؟ يتحوّل الحبيب إلى محور حاجاتنا الأساسية. نظرنا لا يسعد إلا لرؤيته هو وسماعة الهاتف تتأهب لأي اتصال أو تواصل معه، يشبع الأذن ولو للحظة. أما رائحته فتملأ الأمكنة وترفض أن تتلاشى مع مرور الوقت. لمسته تشعل الروح كلهيب نار نتعمد لمسها. نار تذوب معها حواسنا وتختلط حتى تخرج عن سلطة المنطق أو سلطة صاحبها لتصبح ملكه هو. هو من يشعلها وهو من يطفئها. نطلب الذوبان ونشعر به. نشعر أن تفاصيلنا ليست ملكنا. نظرنا مشخص كل الوقت إلى هدف واحد وغاية واحدة: لقياه. وكأننا لم نعش من قبله. وكأننا ولدنا من رحمه. يمرّ الوقت وينهار جسدنا شيئاً فشيئاً. لأن لذاتنا تتمحور حوله. فلا نستمتع بأي شيء إن لم يكن مشاركاً فيه. وإن غاب لأي سبب نصبح كطائر مكسور الجناح يتخبط ويحاول البحث عن أي أرضية تحميه من الانكسار والموت.

يشتت العقل

ينسينا الشغف كل ما تربينا عليه من أسس منطقية لها علاقة بالوقت والزمان. شعور متفلت من أي أسس زمنية. تصبح فيه الثانية عمراً والإحساس واقعاً والوهم حقيقة، فيصاب العقل بالهذيان أو بمرض تضخيم الصور والأحلام. وتصاب الذاكرة بالنسيان التام إلا لكل ما له علاقة بالحبيب. هو محور الدنيا وكل تصرفاته موجهة إلينا مباشرة أو عن غير قصد. هذا ما نعتقده. حتى أن تفكيرنا يصبح مركزاً على كيفية إرضائه مهما كان الثمن. إنه الشغف المدمر الذي يلبس قناع الحب والرغبة فيجردنا من نقاوة الرؤية حتى نصبح وكأننا ضحايا أنفسنا، لا نفكر إلا بإذن من الآخر، غاضين النظر عن الظروف المحيطة بالعلاقة وسبل نجاحها من عدمه. فنصاب بالميغالومانيا معتقدين أننا نستطيع العبور بالعلاقة إلى النهاية رغم كل شيء.

يدمّر الصورة الذاتية

إن شعرنا أنه يحبنا ملكنا العالم. وإن صدر منه أي تصرف سلبي تحوّلنا إلى كائن هش ينهار مع أول هبة ريح. إن كان حاضراً ينعم علينا بالوقت والعاطفة والقليل من الوضوح شعرنا بالامتنان، وكأنه ملاك أو منزل من الله إلينا، ومن واجبنا الحفاظ عليه. ننسى أنه مجرد شخص يشبهنا في خوفنا وتجاربنا وترددنا وماضينا. ننسى أنه هو أيضاً يريد حماية ذاته من الغرق في مستنقع الحب الجارف. ننسى كل ذلك. ليصبح هدفنا الأسمى نيل حبه الدائم غير المشروط والحصري. يحملنا الشغف إلى كرسي الضحية، فنجلس عليه ونسلم مفاتيح أحاسيسنا كاملة للحبيب. ونقول له: "خذها. خذني. أنت سبب فرحي وحزني. أنت حاضري ومستقبلي. أنت الحب وفي سبيل هذا الحب سأضحي حتى بنفسي". يا له من شعور خطير. لا يرحم أحداً. يسبب الآلام والاشتياق والحسرة على أبسط الأحداث، بينما تصبح كلمة "أحبك" العلاج الوحيد لكل أوجاع الدنيا.

الاصطدام بالواقع

لماذا نسعى خلفه. هل نحب أذية ذاتنا؟ لم لا نحافظ على الـ"أنا" حين نتورط في علاقة غرامية. لم الهشاشة في التعامل مع المشاعر؟ ألم نتعلم بعد أن الشغف يسرق العدل من العلاقة ويمضي بها إلى الفشل المحتم؟ إلى متى سنبقى أسرى الحاجة، نستسلم أمام أول كلمة حب وكأن حبنا لذاتنا أصبح عبئاً ثقيلاً أو مسؤولية كبرى علينا تسليمها في أسرع وقت لأي أحد. حذار أيها القلب من قوة دقاتك. فهي وإن زادت فيك الرغبة، عرضتك لفعل الذوبان الأحمق لتصبح ضحية لا تعرف من الحب غير وجعه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard