شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أزمة الأطفال المجهولي النسب في مصر في 5 نقاط

أزمة الأطفال المجهولي النسب في مصر في 5 نقاط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 20 يونيو 201706:42 م

تعد ظاهرة الأطفال المجهولي النسب واحدة من القضايا الاجتماعية غير المطروحة للنقاش بالشكل الكافي رغم أهميتها.

الأطفال المجهولو النسب هم الأطفال الذين تم العثور عليهم دون أب أو أم بيولوجيين. ولذلك تُطلق عليهم تسمية مجهولي النسب، ويتم إيداعهم دور رعاية تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي المصرية.

أسباب قد تدفَع إلى التخلي عن الأطفال عقب الولادة

لا يُمكننا تعميم سبب واحد لتخلي الأب والأم عن الطفل حيث تتداخل العوامل وقد تتقاطع. في معظم الحالات يكون الحمل غير مخطط له من البداية وخارج إطار الزواج.

وفي ظل تجريم الإجهاض في المواد (260-263) من قانون العقوبات المصري، قد لا تتمكن بعض النساء من الإجهاض في الأسابيع التسعة الأولى من الحمل لعدة أسباب، منها الخوف من الإبلاغ، أو عدم توافر المال لإجراء عملية جراحية قبل تكوين الجنين، أو لضعف إمكانية الوصول لطرق الإجهاض الأخرى، أو التأخر في اكتشاف الحمل.

في حالات أخرى، يكون الحمل نتاجاً للزواج، وقد لا تملك الأسرة رفاهية الاحتفاظ بالطفل، أو لا ترغب في وجوده.

كيف يتم التخلص من الأطفال غير المرغوب فيهم؟

تكون عملية التخلص من الطفل صعبة وتُسند إلى الأم في أغلب الحالات. لأن الإنجاب مرتبط بالدور الاجتماعي للأم.

فإذا كان الطفل ثمرة علاقة جنسية في غير إطار الزواج، فقد يتهرب الأب البيولوجي للطفل من المسؤولية، ويختفي من المشهد. وقد يتبع ذلك استكمال الأم للحمل بسبب صعوبة الوصول للإجهاض الآمن، ثم تتخلى عن الطفل بعد الولادة.

قد يُترك الطفل في المستشفى، وتُغادر الأم بدونه. وقد تأخذه وتتركه في أحد الأماكن العامة، وقد تحاول قتله، في أكثر الحالات عنفاً.

في أحيان كثيرة، قد تحاول الأم قتل الطفل للأسباب السابقة، مُضافاً إليها حالتها النفسية واكتئاب ما بعد الولادة. وهذا ما يتسبب برفض الأم للطفل، خاصة إن كان الحمل ذا بُعد درامي أو متعلقاً بصدمة ما، كأن يكون الحمل ناتجاً عن علاقة عاطفية مُدمّرة أو اغتصاب أو عن علاقة جنسية مع أحد أفراد أسرتها.

وفي حال وجود الأب، فمن الأرجح أن يقوم بدور الإشراف على عملية التخلص من الطفل كإستراتيجية يضمن بها عدم ابتزازه به مستقبلاً، أو لاعتقاده أن الأم لن تقدر على التخلص من الطفل بنفسها.

أما في حالة الزواج، فقد تدفع الأب للتخلص من الطفل أسباب عدة، منها أن يكون الطفل عبئاً مادياً على الأسرة، أو الغضب من جنس الجنين. وفي حالات أخرى، قد يتخلص الأب من الطفل بدافع الانتقام من الأم، أو عقابها.

ماذا بعد العثور على الأطفال المجهولي النسب؟

يتم العثور على الأطفال المجهولي النسب في أماكن عامة كمطاعم الوجبات السريعة، والمستشفيات العامة، أو في صناديق القمامة العمومية، أو أحياء بشكل كامل أو ناجين من محاولات قتل متعمدة، أو مقتولين.

في حالة العثور على طفل، يتم أولاً إبلاغ قسم الشرطة التابع للحي أو المدينة التي تم العثور عليه فيها. ثم يجري إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعي التي يحضر عنها مندوب لاستلام الطفل من قسم الشرطة وإيداعه دور الرعاية الحكومية والتابعة لوزارة التضامن الاجتماعي. وهناك يتم تسجيله رسمياً في سجلات الدولة، ويأخذ اسماً عشوائياً مكوّناً من أربعة أسماء، لاستخراج شهادة الميلاد.

يتم تعميم الإسلام كديانة موّحدة لكل الأطفال المعثور عليهم. ويعتبر التسجيل الرسمي أهم خطوات تمكين الطفل من تلقي الرعاية الصحية مثل التطعيمات، أو رعاية طبية مخصصة للتعافي من أثار الشارع إذ أنه في بعض الحالات وُجد الأطفال أحياء بعد محاولات التخلص منهم، أو قضم حيوانات الشارع لأطرافهم.

لا تنتهي أزمة الأطفال بإيداعهم دور رعاية، لأن بعض هذه الدور يعامل الأطفال بشكل سيىء، قد يصل أحياناً إلى التعذيب، أو العنف الجنسي. وقد لا يتم العثور عليهم من الأساس، فيتحولون إلى أطفال بلا مأوى، أو يتم استغلالهم في التسوّل، أو في الجنس التجاري، أو في أيدي عصابات تجارة الأعضاء البشرية.

نظام «الأسرة البديلة» في ظل تجريم التبني

استحدثت وزارة التضامن الاجتماعي نظام «الأسرة البديلة» للأطفال مجهولي النسب، بموجب المادة (4) من قانون الطفل المعدل لعام (2008) والذي ينص على أن تكفل الدولة الرعاية البديلة للأطفال الذين حرموا من أسرهم لأي سبب.

تتبنى بعض الأسر - وبالأخص الأسر غير المُنجبة - الأطفال مجهولي النسب عن طريق نظام الأسرة البديلة، وذلك بعقد رسمي تلتزم فيه الأسرة برعاية الطفل وعدم استخراج أي مستند رسمي دون الرجوع إلى وزارة التضامن الاجتماعي. ولضمان حُسن معاملة الأسرة البديلة للطفل، يتم تحديد زيارة شهرية لمندوب من الوزارة لتفقد حالة الطفل.

وبرغم إتاحة التبني بموجب قانون الطفل، إلا أنه تبني مشروط. وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، يحق للأسرة البديلة إعطاء اسم العائلة فقط للطفل، لكن يظل الاسم الثلاثي ثابتاً، مما يعني أن الطفل قد يكبر لأسرة غير بيولوجية ولا يزال منبوذاً من النظام الاجتماعي الذي يعتبره "طفلاً غير شرعي" يُمكن التعاطف معه، لكن لا يُمكن دمجه بشكل كامل في الأسرة.

وعلى الرغم من فعّالية نظام «الأسرة البديلة» فقد تتم إعادة الطفل مرة أخرى إلى دار الرعاية، ما قد يتسبب في أزمة نفسية له.

قد تقوم بعض الأسر بإرجاع الطفل مرة أخرى لدار الرعاية في حال نجحت الأم البديلة في الإنجاب، مما يعني أنه لا حاجة لتبنيه. وفي ظروف أخرى، قد تظهر على الطفل بوادر سلوكيات عدوانية، فتخاف الأسرة البديلة من تطوير هذه السلوكيات إلى مشاكل حقيقية، فتتراجع عن قرار التبني.

ورغم أن السلوكيات ليس لها علاقة بالطفل نفسه وإنما بظروفه المحيطة ويتساوى فيها الأطفال المجهولو النسب مع الأطفال المعروفي النسب، إلا أن وصمة "الشرعية" تلعب دوراً هاماً في التخلي عن الأطفال مجهولي النسب بعد تبنيهم، كإلصاق السلوكيات والصفات الشخصية بكون الطفل غير معروف النسب.

أما في حالة عدم التبني، يظل الطفل في دار الرعاية حتى بلوغ سن الرشد القانونية. يتم فتح أبواب دار الرعاية لهؤلاء الأطفال بعد بلوغهم الثامنة عشرة، ليغادروا ويتركوا مكانهم في الدار لأطفال آخرين. لا توفّر الدولة فرص عمل لهؤلاء، ولا منازل آمنة، ويتركون لمواجهة الحياة بمفردهم في سن صغيرة.

الشرعية والوصمة الاجتماعية

ترجع وصمة الشرعية إلى تعميم مغلوط عن الأطفال المجهولي النسب كأطفال ناتجين عن علاقات جنسية خارج إطار الزواج. وتمتد الوصمة لتشمل الطفل، كتمثيل حي "لخطيئة" أبويه.

يتجاهل أصحاب تلك الفرضية أن الأطفال المجهولي النسب قد ينتجون عن علاقات جنسية داخل إطار الزواج، أو ما تُعرف اجتماعياً بأنها علاقات شرعية.

وفي كلتا الحالتين، وباعتبار الحمل خارج الزواج "جُرماً"، لا يسعنا معاقبة طفل على هذا الجُرم، ولا يحق لنا التمييز ضده باعتباره طفلاً غير شرعي - اجتماعياً - وتجاهل كونه مواطناً وله حقوق على الدولة والمجتمع.

هذه الحقوق هي ما يجعل الطفل مواطناً عادياً، مقبولاً اجتماعياً، يجب معاملته بهذه الحقوق، وتجريده منها سواء من التعاطف أو التمييز.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard