شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
يوم وجدتُ الإسلام عند راهب بوذي

يوم وجدتُ الإسلام عند راهب بوذي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 26 مايو 201701:31 م

في عصرنا الحالي، أصبح الاختلاف الأكبر بين الإسلام وأية ديانة سماوية كانت أم غير سماوية، وصمة بأنه دين "التخويف والترهيب" أكثر منه ديناً للمودة والرحمة والتسامح.

تعددت أسباب "ظلم" الإسلام ما بين افتراءات يزعمها الكثيرون من الكارهين، إلى ممارسات الجماعات الإرهابية (مثل "داعش" و"بوكو حرام") التي جعلت الإسلام يعرف بأنه دين العنف والرعب.

كلها أسباب تجعل المسلم "العادي" يتحسر على التشويه الذي أصاب دينه، ويدعو الله أن ينصر دينه على المؤامرات التي تطاله، لكنه قد يصاب بالدهشة حينما يدرك بأن الكثير من المسلمين "العاديين" يساهمون بشكل يومي في تشوية الإسلام، وقد يكون هو نفسه واحداً منهم.

العقاب... النار... كلمات كلنا نعرفها، تكررت على مسامعنا منذ الصغر لتخوفينا من الخطأ في القول أو الفعل، من التفكير في أي شيء يتعلق بالدين، لتخوفينا من عقاب الله الآتي لا محالة لأننا سنخطئ شئنا أم أبينا.

"حرام" و"هتروح النار" و"ربنا مش هيتقبل منك"... مقولات جاهزة على أفواه من ينصبون أنفسهم شيوخاً فقهاء في الدين يوزعون كلمات مثل الحرام والحلال بكل سهولة. بنظرة على المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ستجد أن كلمة "حرام" تقحم أين ما كان.

وفي الغالب تكون "الحرام" موجهة لمظهر خارجي وليس لتصرف، إذ أن المهم هو "شكلك المتدين" وليس "تصرفك".  

تجد لحية أحدهم تتدلى على صدره ودائماً ما يستعين بالقرآن الكريم في حديثه ويناديه الناس الـ"شيخ فلان" ولكنه مع ذلك يسب بأفظع الألفاظ ولا يغض البصر.

وتجد سيدة تتحدث بلا هوادة عن "الحرام" و"الحلال" وهي أكثر من يؤذي الناس بكلامها ونميمتها، والأمثلة لدى كل واحد منا عن تلك النوعية من البشر لا تعد ولا تحصى.

ورغم كل هذا كنت اعتقد أن جملة مثل "إسلام بلا مسلمين" كليشيه نقوله لجلد الذات إلى أن تعرضت لتجربة أثبتت صحة هذه المقولة.

كنت قد قررت منذ فترة الانضمام لبرنامج لتعليم الـMeditation  "التأمل" واليوجا. "والتأمل" يعني أن تصفي ذهنك، أن تحاول عدم التفكير في أي شيء سلبياً كان أم إيجابياً، والغرض هو الاسترخاء ومحاولة الوصول لنفسك الداخلية لتستطيع النظر إلى الأشياء حولك بطريقة مختلفة وإبداعية.

كان المسؤول عن تعليمنا راهب بوذي من تايلاند، رجل يشعرك بالسلام النفسي بمجرد النظر إلى وجهه الهادئ.

كيف أصبح الراهب البوذي أكثر إسلاماً من الشيوخ الذين تمتلئ بهم الفضائيات وقنوات اليوتيوب؟
كل هذه الأفكار والتعاليم الجميلة موجودة بالفعل في الدين الإسلامي، لكنها ضاعت في بحر العذابات والتحريمات

بالإضافة لدروسه عن كيفية ممارسة "التأمل" بشكل صحيح، كان الراهب يلقي علينا دروساً كل يوم عن كيفية تغيير طريقة تفكيرنا في أنفسنا وفي الأشياء من حولنا لأن هذا من شأنه أن يساعدنا على تحقيق الهدف من "التأمل".

وجدت أن دروسه تحثنا على أن نصحح الأخطاء حولنا بأن نصحح من تصرفاتنا أولاً، أن نشارك في صناعة مجتمع أفضل بأن نبدأ بتهذيب أنفسنا، أن نتوقف عن إطلاق الأحكام على الآخرين وأن نكون أكثر سماحة وإيجابية في تعاملاتنا، أن نركز على مساعدة الناس بدلاً من التركيز الدائم على أنفسنا، لأن ذلك سيمنحنا راحة البال وصفاء النفس.

كل هذه الأفكار والتعاليم موجودة بالفعل في الدين الإسلامي، لكنها ضاعت في بحر العذابات و"التحريمات".

اكتشفت أني كلما استمعت للراهب البوذي تعلمت أكثر عن الإسلام، مع أن الرجل يتحدث عن "التأمل" وكيفية الوصول للسلام النفسي، لكني وجدت أنه يصب في صميم الإسلام، فمثلاً وجدتني أكثر خشوعاً في الصلاة بعد ممارسة "التأمل" وبدأت أشعر بطاقة إيجابية تملؤني أكثر بعد الصلاة. حتى اليوجا التي تعلمتها وجدت أنها ساعدتني على ضبط حركاتي في الصلاة.

ذهلت حينما اكتشفت أن أصدقائي في البرنامج شعروا بالشيء نفسه، وكانت المفاجأة الأكبر في أن تصرفات الراهب متسقة أيضاً مع الإسلام، إذ أن الرجل مطالب بحسب تعاليم البوذية بتجنب الشهوات وكظم الغيظ والتواضع واستخدام العلم لإعمال العقل في النفس البشرية طمعاً في تهذيبها وخاصة لتقبل الاختلاف لأنها سنة من سنن الحياة.

يا الله، كيف أصبح راهب بوذي أكثر إسلاماً من الشيوخ الذين تمتلئ بهم الفضائيات وقنوات اليوتيوب؟

ربما نجد الإجابة في خطب الجمعة، التي نادراً ما تتحدث عن قيم مثل العمل والإخلاص والأمانة، البر بالأهل والجيران، أو أهمية العلم والمعرفة، لكن ستجد أن تركيزها منصب على الحرام وعذاب القبر والنار والدعاء على الجار المسيحي وتشجيع على عدم السلام عليه مع أنه مواطن في نفس الدولة، له نفس الملامح الشكلية ويتحدث بنفس اللغة.

أو نجدها عند إمام الجامع الذي يطالب المصلين بالتبرع لـ"نصرة الإسلام". وحين تسأل "وكيف يا شيخنا" ننصره، يكون الرد بالتبرع لإقامة مئذنة أكبر حتى لا تكون قبة الكنيسة المجاورة أطول من المئذنة.

أو ربما نجد الإجابة عندما تحاول إعمال عقلك مثلما أمر الله "أفلا يتفكرون" "أفلا يتدبرون" وأن تفكر في خلق الله ودينه تجد من يتصدى لك "لأ متسألش انت محتاج تراجع إيمانك"، بل وقد يتمادى البعض ويتهمك بالكفر - هكذا بكل بساطة - لمجرد أنك اختلفت معهم في تفسير آيه من الآيات في القرآن الكريم.

أو حينما تجد حولك من يدعون الحديث باسم الله دفاعاً عن دينه ويوزعون الأحكام هنا وهناك في حين أنهم الأكثر بعداً عن الدين، إذ يتصورون أنهم يدعون إليه ويدافعون عنه.

كل واحد منا يعرف شخصاً أو أكثر يتمتع بهذه المواصفات، وقد تكون أنت هذا الشخص لكنك ترفض الاعتراف، خاصة إذا كنت، بعد قراءة هذا المقال، رأيت أنه يدعو للبوذية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard