شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تنقذ

هل تنقذ "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" النساء في العالم العربي من الرجال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 27 يونيو 201710:15 م

أطلّت علينا هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مارس (2017) بدراسة بعنوان: فهم الرجوليات، عن الرجال في الشرق الأوسط.

تبدو الدراسة للوهلة الأولى لطيفة، خاصة بسبب ندرة الدراسات الأكاديمية الموضوعية عن فهم الرجوليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنها سرعان ما تتحول إلى واحدة من هذه الدراسات التي تملأ أرجاء الهيئات الدولية عن همجية الرجال في الشرق الأوسط، وضرورة "التدخل من أجل حماية النساء".

تقدم الدراسة الرجال في الشرق الأوسط كمشكلات تحتاج إلى حل، وإلى إشكاليات تحتاج إلى طرح، ليس من أجل شيء إلا من أجل تمكين نساء الشرق الأوسط. هؤلاء النساء اللواتي طُرحن كضحايا في الدراسة نفسها، خاليات من أي فاعلية في المجالين العام والخاص بسبب الرجال.

تجاهلت الدراسة كيف تتفاعل الأدوار الاجتماعية وتتصارع في ما بينها، وتنتج أشكالاً جديدة من علاقات القوى، وتُعيد إنتاج أخرى. كما تجاهلت دور الدولة في توظيف ومأسسة تلك الهويات سياسيًا.

قد تعتبر الدراسة مهمة، لكنها للأسف كنظيراتها من الدراسات التي استخدمت طيلة عقود لاستمرار "مافيا مشروعات التنمية" كأحد أشكال الهيمنة الدولية، والأهم أنها تُبرر بشكل فج ومباشر عمليات التدخل العسكري الأجنبية في المنطقة العربية، بدعوى "إنقاذ النساء العربيات".

من هم الرجال؟ وما هي دراسات الرجولية؟

رجل: هو وصف اجتماعي لذكر الإنسان، ويتكون الوصف من مجموعة من الصفات التي تُعرّف اجتماعيًا بأنها "رجولة"، منها القوة العضلية والعقلانية وبعض الصفات المرتبطة بالسيطرة والعنف والدور الاجتماعي. وكلمة "رجولة" هي كلمة متكررة في كثير من الثقافات من ضمنها الثقافة العربية، ورغم تصنيفها كامتياز مجتمعي، هي عبء إنساني في الوقت نفسه.

أخيراً تم استحداث لفظ "رجولية" من قبل الباحثين\ات بدراسات النوع الاجتماعي للتفرقة بين "رجولة" كتصنيف، و"رجولية" كتوصيف، وبين "الذكورة" كمصطلح بيولوجي.

دراسات الرجولية هي فرع متخصص من دراسات النوع الاجتماعي، وتعني بدراسة الرجال كهويات اجتماعية: كيف تتشكل هذه الهويات؟ كيف تتداخل؟ وكيف تتفاعل مع هويات آخرى، كالنساء على سبيل المثال لا الحصر.

توصلت هذه الدراسات إلى أنه ليس هناك نوع واحد فقط من الرجولية، فالرجوليات تتباين وتختلف وفقًا للسياق التاريخي ووفقاً لتفاعلها مع هويات اجتماعية أخرى قد تكون رجولية أو غير ذلك، وقد يهيمن بعضها على الآخر. ليصبح لدينا دراسات الرجوليات، بدلاً من الرجولية، والجمع هنا للتنويع. [1]

نشأت دراسات الرجوليات للرد على بعض المفاهيم المغلوطة عن دراسات النوع الاجتماعي بأنها معنية فقط بالنساء، وعلى بعض التحيز الأكاديمي في دراسة الرجال كهويات اجتماعية، خاصة في مناطق الصراع والحروب، وكيف تم "استخدام" تلك الدراسات لتبرير الحروب السياسية وسياسات الاستعمار في صورة عمليات قتل ممنهج وتطهير عرقي أو ديني.

من هنا، يجب أن ننطلق في دراسات الرجولية في الشرق الأوسط، كمنطقة ذات تاريخ استعماري، وذات واقع صراعاتي.

إشكاليات دراسة "فهم الرجوليات" الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مارس 2017

الإشكالية الأولى: تعريف الرجوليات ومدخل البحث

بدأت الدراسة بمقدمة عن أهمية دراسة الرجوليات في الشرق الأوسط، ولكن من أجل تمكينٍ أفضل للنساء.

نكتشف من أول صفحة أن غرض الدراسة هو تمكين النساء لا دراسة واقع الرجال وما يُشكّل هوياتهم الاجتماعية. لنعود بذلك إلى نفس النقطة السابقة عن اختصار الرجال في هويات مُهيمنة، يجب دراستها من أجل التغلب عليها.

هذه النقطة أيضاً تصوّر النساء كامتداد للرجال؛ كأن تكون حيوات هؤلاء النساء متوقفة على كيف يراهم الرجال وكيف يهيمنون عليهن. هنا الافتراض بأن الرجال أطراف مُهيمنة والنساء أطراف مُهيمن عليهن دون إشارة صريحة لكيف تتفاعل النساء مع هذه الهيمنة - في حال وجودها - هو سقطة غير مبررة. [2][3][4][5][6] 

هذا المدخل المغلوط يطرح الرجال كمشكلة تحتاج إلى حل، ويطرح النساء كضحايا لهذه المشكلة. هنا الرجال يتم بحثهم من أجل النساء، وليس كمواد بحثية مستقلة. [7]

اعتبرت الدراسة أن "الرجوليات" مصطلح واحد، ثابت غير متغير، يهيمن فيه الرجال على النساء.

في أواخر ثمانينات القرن الماضي، توصلت مجموعة من الباحثين\ات بدراسات النوع الاجتماعي إلى أن مصطلح الرجولية مصطلح فضفاض ولا يُشارك الرجال فقط في تكوينه، ولا يقتصر على علاقة الرجال بالنساء، بل هو مجموعة من العلاقات المتداخلة بين الرجال، وبين الرجال والنساء، وبين الرجال والدولة والمؤسسات.

لا تقتصر الرجولية على الرجال، فعلاقات القوى أيضاً قد تكون ذات طابع رجولي، رغم أن القائمين عليها ليسوا رجالاً، كالمؤسسات والأنظمة السياسية وجيوش الاحتلال.

ويُمكن للرجوليات أن تكون هرمية، بمعنى أن بعض الرجوليات مُهيمنة، وبعضها مُهيمن عليها، وفقاً لعوامل عدة، منها: العرق، اللون، الميل الجنسي، الإثنية، الطبقة الاجتماعية، السن، وغيرها.

كما أن بعض الرجوليات مُهيمن عليها من نساء بسبب تداخل بعض هذه العوامل. أي أن تعميم نوع واحد من الرجولية، يضطهد فيه الرجال النساء، هو، عدا ضحالته وسطحيته، يخلق علاقة اضطهاد غير موجودة في كل الحالات، ويعتبر الرجال الداعمين لحقوق النساء أقلية واستثناء.

هل تنقذ هيئة الأمم المتحدة للمرأة النساء العربيات من الرجال العرب؟ نظرة نقدية لآخر التقارير التي أصدرتها
هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومهمات تحرير النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا...

الإشكالية الثانية: تقديم النساء كضحايا للرجال

في الأسئلة المخصصة للاستبيان محل الدراسة، كانت غالبية الأسئلة تحمل إجابات ضمنية، أو تُرشد المُستطلع لإجابات بعينها، لأن صيغة السؤال نفسه تنطوي على تعميم سلطة الرجال على النساء.

تأتي النتائج صادمة لأن، وإن لم يمتلك هؤلاء الرجال سلطة على ذويهم من النساء، من الأرجح أن يوضحوها في الإجابة، إذ إن السؤال نفسه يفترض وجود السلطة.

المبالغة في استخدام مصطلحات: مقاومة\ صراع\ مقاتلة\ تمكين\ مساعدة\ إلخ... عند الحديث عن النساء، يفترض أن جميعهن في حالة حرب مع الرجال لأنهم رجال ولأنهم ذوو سلطة يجب التمرد عليها.

هنا، تطرح هيئة الأمم المتحدة للمرأة نفسها كمُنقذ لهؤلاء النساء المُضطهدات، وتؤصِّل لتصنيف الرجال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمستبدين. [8] 

كما أنها تؤصل لثنائية التمرد\الخضوع التي لا محل فيها لعلاقة آخرى بين الرجال والنساء، فجميع النساء مضطهدات بدرجة أو بأخرى، وجميع الرجال مضطهدون لهؤلاء النساء، دون تباحث حقيقي في ما يجعل العلاقة بين الرجال والنساء في الشرق الأوسط علاقة (قد) يُشكلها الصراع وفقاً للأدوار والهويات الاجتماعية، ووفقاً للأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

هذا المدخل النسوي الأبيض لمناقشة النساء في مجتمعاتهن المحلية - خارج أوروبا والولايات المتحدة بالتأكيد - هو في الأصل مدخل عنصري ومن أكبر المآخذ على المدرسة النسوية الليبرالية والنسوية البيضاء على حد سواء.

هنا، الجنس الأبيض يحتكر مفاهيم الحرية وأدوات "تحرير النساء"، تتدخل النسوية البيضاء لإنقاذ النساء البُنيات، من الرجال ذوي اللون البني أيضاً. هذه العلاقة بين المُنقذ ومَن يتم إنقاذه، هي علاقة قوة في حد ذاتها، تُجرد النساء البُنيات من وكالاتهن لأنفسهن، وتعتبرهن أقل منزلة وأقل فاعلية، وأقل تطوراً من نظيراتهن البيضاوات، بسبب العرق. [9]

الإشكالية الثالثة: الرجال كمُبررات للحرب والاستبداد السياسي

هذا المدخل العرقي للنسوية البيضاء أو ما تم استبداله مؤخراً بمصطلح (تمكين النساء) له تاريخ سياسي دولي حافل بالدموية.

أغفلت الدراسة تأريخات الحروب الاستعمارية الحديثة والتي امتدت من الحقبات الاستعمارية في القرون السابقة. هذه التأريخات قدّمت تصورات عن علاقة الرجال بالنساء في دول الجنوب العالمي، وأخص بالذكر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أدرجت النساء في أدوار الضحايا والرجال في أدوار المعتدين، واستخدمت وسائل الإعلام قديماً وحديثاً للترويج لهذه التصورات في الدول الغربية.

تم تصوير الرجال بأنهم همج، مغتصبون، بربر، متخلفون، وغيرها من الصفات العنصرية التي تبث في العقل اللاواعي أن هؤلاء الرجال لا بد لهم من رادع ليتم تحرير النساء من قبضتهم، والرادع هنا هو القوة الاستعمارية بالطبع. [10]

هذا الخطاب المعني بـ"تحرير النساء" هو خطاب هيمنة دولي، لم يُعنَ قط بالنساء، ولكن تم استخدامه لتبرير التدخلات العسكرية.

ولأمثلة أكثر قربًا من واقعنا الحديث، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، هذا الخطاب في تبرير الحرب على أفغانستان والعراق في مطلع الألفية الثالثة وبداية ما يُسمى بالحرب العالمية ضد الإرهاب، متعمداً إظهار إشكاليات العنف ضد النساء في المجالين الخاص والعام على أنه فقط موجّه من الرجال باعتبارهم همجاً. [11][12] وأخيراً في تبرير التدخلات العسكرية للقوى الروسية أو الأمريكية المتنازعة في سوريا. 

الافتراض بأن الرجال أطراف مُهيمنة والنساء أطراف مُهيمن عليهن دون إشارة صريحة لكيف تتفاعل النساء مع هذه الهيمنة سقطة غير مبررة

وبرز هذا الخطاب في كيفية تناول الإعلام الغربي قصة الناشطة المصرية علياء المهدي بأنها واحدة من النساء اللواتي تغلبن على همجية الرجال العرب المسلمين [13]، أثناء بروز الاعتداءات الجنسية على المتظاهرات في التحرير كقرائن على هذه الهمجية.

ترتبت على هذا الخطاب عمليات استهداف لأشخاص عرب ومسلمين وبالأخص النساء في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية بعد أحداث سبتمبر 2001، في تقرير أعدته منظمة العفو الدولية (2012). [14]

تطرقت دراسة فهم الرجوليات لاستهداف اللاجئين العرب، وقرنت ظهور الرجال الشرق أوسطيين في الدول المستضيفة بحوادث الإعتداءات الجنسية، كما حدث في ألمانيا 2015\2016، دون أن يعي القائمون على الدراسة أن هذا الاقتران هو نتيجة نفس الخطاب الذي تتبناه الدراسة، وما أثبتته في النهاية من خلال عينة البحث، أن هؤلاء الرجال أعداء للحرية ويجب (تمكين) النساء لمواجهتهم.

لذلك يُخفف هذا الخطاب من وطأة الاعتداء على الرجال الشرق أوسطيين اللاجئين باعتبارهم يستحقون الاعتداء، بوصفهم في الأصل معتدين.

نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الرجال أو إفراغ مسؤوليتهم من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، ولكننا في صدد سرد إشكاليات دراسة من المفترض أن تكون موضوعية.

خطاب التمكين الذي تتبناه الدراسة مبني في الأساس على اقتطاع الرجوليات من سياقها التاريخي وسياقها السياسي. اعتبرت الرجال مواد بحثية مُجردة تماماً من علاقتها بالعالم المحيط كالثقافة والدولة وعلاقة الدولة نفسها بالدول الأخرى.

هنا، يتم تصوير النساء كضحايا للسياق المحلي، لهؤلاء الرجال، والرجال فقط، لأن - كما يعرف أغلب القرّاء العرب - الأنظمة السياسية العربية داعمة للنساء!

الإشكالية الرابعة: تجاهل هيمنة الدولة كعامل رئيسي في تكوين الهويات الرجولية

تجاهلت الدراسة الدور الذي تلعبه الدولة في تكوين هويات الرجال الجندرية، بل جاملت السلطات المصرية عن مجمل القوانين التي أصدرتها مؤخراً لدعم النساء مثل تجريم التحرش الجنسي، دون حتى لفت النظر إلى أن نفس السلطات تنتهك حق التنظيم وتُجرّم منظمات حقوقية ونسوية معنية بحقوق النساء.

وكما ذكرنا سابقاً، فإن المؤسسات لها هويات جندرية كالأفراد، فالدولة المصرية - كواحدة من ضمن البلدان التي شملتها الدراسة - تعتبر دولة ذات هوية رجولية أبوية، ويرجع ذلك إلى تركيز السلطة في يد المؤسسات العسكرية والمعروفة بأكثر الهويات الرجولية عنفاً وسلطوية.

هنا، تعتبر ممارسة الدولة للعنف تجاه المواطنين، لزاماً لإتمام رجوليتها. ولنكُن أكثر دقة، تعتمد على إذلال رجال آخرين، لأنها تعتبر خضوع هؤلاء دليل قوة ونفوذ.

عُرفت الدولة الأمنية في مصر بممارساتها للعنف الجنسي، معتمدة على إخضاع المواطنين للسلطة من أبواب الانتهاك الجسدي الذي هو أعلى مراتب الإذلال، وبالأخص إن كان جنسياً.

الدولة نفسها لن تحارب جرائم الشرف التي نصت عليها الدراسة، لأنها هي ذاتها تستفيد من ثنائية الشرف\العار عند ممارستها العنف الجنسي.

 

في يونيو 2006، انتشر فيديو اغتصاب أحد أفراد شرطة قسم بولاق الدكرور لمواطن مصري يُدعى عماد الكبير، بهدف "كسر عينه" لأنه تشاجر مع أمين شرطة في موقف لسيارات الأجرة.

ولم تكن الحادثة الأخيرة، ففي مايو 2005، تم الاعتداء جنسياً من قبل أفراد شرطة على مجموعة من الصحفيات المتظاهرات ضد التعديلات الدستورية، وتوالت شهادات لمركز النديم في أعوام 2007 و2008 عن حوادث إغتصاب لمجموعات من المسجونين الرجال والنساء، من ضمنهم مثليو\مثليات الجنس وعاملون وعاملات بالجنس التجاري، وفي مارس 2011 تم توقيع كشف عذرية قسري على مجموعة من المتظاهرات من قبل أفراد بالجيش المصري.

هذه الحوادث ضد رجال ونساء تعتمد على إذلال الرجال في الحالتين: حالة إن كان الاعتداء موجّهاً لهم، وحالة إن كان المعتدى عليها زوجة أو ابنة أو أختاً، وهو ما يخدم بصورة مباشرة المفهوم الأبوي لامتلاك الرجال أجسام النساء.

أما عن أن النسبة الأكبر من الرجال المصريين في الدراسة الذين يرون أن ملابس النساء هي السبب في التحرش، فإنه مردود عليه أيضاً.

الرجولية والعنف في البلدان العربية: أي طريق تسلكه الأمم المتحدة؟ وهل تقدم الرجال العرب كبش فداء لتوجهاتها السياسية؟

استخدمت الدولة الأمنية في مصر خطاب "الاحترام" كأداة من أدوات القمع السياسي والاقتصادي منذ التسعينيات، إذ أفسحت المجال للمجموعات الإسلامية للترويج لمفاهيم "الاحترام" التي تحث النساء على الملابس الفضفاضة والصوت المنخفض والخجل والطاعة إلخ.

على الجهة الأخرى، استغلت الدولة هذا الخطاب في تبرير ملاحقة النشطاء السياسيين والعاملين والعاملات بالجنس التجاري لأنهم "أشخاص غير محترمين". [15]

كما استخدمت الخطاب نفسه في تقاطع الطبقة الاجتماعية مع النوع الاجتماعي وصدّرت صورة نساء الطبقة المتوسطة والعليا كنساء "محترمات" للتمييز الطبقي بينهن وبين الرجال المتظاهرين من الطبقات العاملة.

هؤلاء الرجال الذين عادتهم الدولة - وما زالت - لأنهم مصدر تهديد دائم باعتبارهم أغلبية منسحقة داخل تيار سياسات النيولبرالية منذ عهد السادات حتى الآن، وبالأخص الذين خسروا وظائفهم في القطاع العام بعد الخصخصة ولم يوفر لهم القطاع الخاص ما يسمح لهم برعاية احتياجات أسرهم. ونتج عن ذلك إحساسهم بالعجز الرجولي الذي يفرض عليهم توفير هذه الأساسيات باعتبارهم أرباب الأسر. [16] [17]

الدولة المصرية دولة أبوية ذات هوية رجولية. ولكي تنال هذا التحقق الرجولي تعتمد على السيطرة والعنف وسياسات الإذلال التي تنفي رجولية أي رجل آخر ما دام ليس من الطبقة\المؤسسة الحاكمة أو من المستفيدين منها. أما النساء، فتعتبرهن أقل حتى من هذا التحدي بين هويات رجولية الدولة ورجولية المواطن. [18]

والسؤال الآن، لماذا تدعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة كيان الدولة بوصفه الكيان الرجولي المهيمن في مصر، أثناء إدعاء محاولة فهم الرجوليات في الشرق الأوسط؟

وكيف تتجاوز دور الاحتلال الإسرائيلي في تكوين رجوليات الرجال الفلسطينيين، وموقع النساء الفلسطينيات في هذه الثلاثية؟

الإشكالية الخامسة: الإنتاج المعرفي ومافيا التنمية الدولية

ولعلنا الآن في صدد سؤال آخر مهم: مَن يُنتج المعرفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولأي غرض؟

بتفكيك خطاب الدراسة محل النقد، نجد أن منتوجها المعرفي إشكالي للغاية. الدراسة اتبعت منهجية بحثية تنحدر من سلالة أدبيات خطابات الهيمنة الدولية وعلاقاتها المتداخلة بالسياقات المحلية.

هنا، تعتبر الدراسة امتداداً لإنتاجات معرفية ذات أصول عرقية عن دول الجنوب العالمي، وعن مُهمات تحرير النساء، أو كما يدّعون (تمكين)، ولكن لماذا الآن؟

نستطيع التلميح لإجابة غير نهائية عن الحروب العالمية الجديدة، وعن دورات رأس المال في المنظمات التنموية العالمية. يقول عالم الأنثربولوجيا آرثر إسكوبار إن مصطلح تنمية هو مصطلح عرقي، تستخدمه الدول الصناعية سابقاً لاستمرار هيمنتها الاقتصادية والسياسية على دول الجنوب العالمي. [19] 

هناك مصطلحات أخرى تأتي في سياق خطاب التنمية مثل: نامية\متخلفة\ بدائية\ العالم الثالث\ إلخ، وغيرها من مصطلحات نظريات الحداثة التي تموضع الشعوب البيضاء كأكثرر الشعوب تطوراً.

وفي اقتصاديات الرأسمالية المتأخرة والنيولبرالية، تُستخدم خطابات التنمية - كخطاب تمكين النساء - لاستمرار مصالح دول الشمال العالمي مع دول الجنوب، ومنها الشرق الأوسط، لأن هذه المنظمات هي نفسها التي تنتج الخطاب، وتستخدمه لاستمرار دورة جزء كبير من رأس المال العالمي.

كما أن التغيرات السياسية والديموغرافية التي تشهدها المنطقة العربية تؤثر بشكل قوي على المشهد السياسي العالمي وتركيبة السكان واختلاط الأصول العرقية، وبالأخص قضايا اللاجئين العرب، بالتزامن مع الهجمات الموصوفة بالإرهابية المتكررة في الدول الحاضنة أخيراً والتي يتم إلصاقها باللاجئين عن طريق الإعلام وتحالف قوى اليمين، وغيرهما.

وبسبب هذا الذعر، يجب الإبقاء على هؤلاء داخل بلدانهم الأصلية، عن طريق تنفيذ مشروعات تنمية محلية وتمكين النساء لمواجهة واقعهن المأسوي، وإيجاد هذا الواقع أولاً في دراسات وأبحاث معترف بها، وفي خطابات إعلامية تضمن مبرراً معقولاً لاستمرار بزنس التنمية ومعه تدفق رأس المال من الجنوب إلى الشمال.

تعتبر دراسة فهم الرجوليات في هذا السياق، واحدة من الدراسات التي سيتم استخدامها لاحقاً في "مشروعات" التنمية، و"تمكين" النساء في البلدان العربية، وواحداً من مُبررات اعتبار الدول العربية مصدراً أساسياً للإرهاب الذي يغزو العالم - أو هكذا وصل إلينا. الإرهاب الذي نعنيه هنا هو رجال الشرق الأوسط، الذين قدمتهم الدراسة على طبق من فضة كمتطرفين، ومعتدين جنسيًا، مُجردين من كل سياق.

بدائل: نحو دراسة موضوعية للرجوليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هذا النقد لا ينفي وجود عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي ضد النساء، ولكنه محاولة إلى تأطير هذا العنف ووضعه في سياقه الأكبر من جهة محلية وأقليمية ودولية.

هو محاولة لإدماج محاور آخرى في تشكيل الهويات الرجولية في البلدان العربية، وإدماج الرجال أنفسهم كفئة مُمارس ضدها عنف على أساس النوع الاجتماعي أيضاً.

عند دراسة الرجال كهويات اجتماعية لا يُجدر بنا كباحثين\ات دراسة هذه الهويات في معزل عن سياقاتها. فمن غير المنصف إعتبار الرجال هويات مُستقلة بذاتها، أطراف عدوانيين، مغتصبين، ومهيمنين، دون أن نتباحث في مُسببات ومكونات هذه الهويات، أو نتائج إدراجه في دراسة أعدتها هيئة معترف بها عالمياً.

حريّ بالدراسة أن تكون أكثر حساسية للنوع الاجتماعي في مناقشة علاقات القوة بين الرجال والنساء، وبين الرجال والأنظمة السياسية، وبين الأنظمة السياسية نفسها.

في النهاية، فإن الهويات الرجولية كغيرها من الهويات غير ثابتة، وتختلف من سياق لآخر، ويُمكن أن تكون مُهيمنة أو مُهيمناً عليها، أو الإثنين معاً.

نحن نتحوّل إلى أرقام ومعلومات، إلى رموز لا نعرف مَن يستخدمها. هناك دائماً مبرر للحرب، على بعد أميال أو خطوات. والحرب المعلوماتية الجديدة التي تغير العالم سياسياً وديموغرافياً تحتاج إلى إنتاج معرفي يبررها، لأن العالم لم يعُد مجنوناً كما اعتدناه، ولكنه بات مجنوناً بعقلانية.

المراجع:

[1] Connell, R. W and James W. Messerschmidt. 2005. “Hegemonic Masculinity: Rethinking the Concept.” Gender & Society 19 (6): 829-859.

[2] Enloe, Cynthia. 2004. “Introduction: Being Curious about Our Lack of Feminist Curiosity.” Pp. 1-10 in The Curious Feminist: Searching for Women in a New Age of Empire. Berkeley, CA: University of California Press.

[3] Joseph, Suad. 1993. “Connectivity and Patriarchy among Urban Working-Class Arab Families in Lebanon.” Ethos 21 (4): 452-484.

[4] Hafez, Sherine. 2012. “No Longer a Bargain: “Women, Masculinity and the Egyptian Uprising.” American Ethnologist 39 (1): 37–422.

[5] Ghannam, Farha. 2013. “Masculinity in Urban Egypt.” In Live and Die Like a Man: Gender Dynamics in Urban Egypt. Stanford, CA: Stanford University Presss.

[6] Kandiyoti, Deniz. 1988. “Bargaining with Patriarchy.” Gender and Society 2 (3): 274-2900.

[7] Connell, R. W. 2005. “Change among the Gatekeepers: Men, Masculinities, and Gender Equality in the Global Arena.” Signs 30 (3): 1801-18255.

[8] Pollack, S. (2000). Reconceptualizing women's agency and empowerment: Challenges  to self-esteem discourse and women's lawbreaking. Women & Criminal Justice, 12(1), 75-89. doi:10.1300/J012v12n01_05

[9] Saleh, L. (2016). (muslim) woman in need of empowerment: US FOREIGN POLICY  DISCOURSES IN THE ARAB SPRING. International Feminist Journal of Politics, 18(1), 80-98. doi:10.1080/14616742.2015.1105589

[10] Abu-Lughod, L. 2002. “Do Muslim Women Really Need Saving? Anthropological  Reflections on Cultural Relativism and Its Others.” American Anthropologist 104 (3): 783–790.

[11] Skalli, L. H. (2015). The girl factor and the (in)security of coloniality: A view from the middle east. Alternatives: Global, Local, Political, 40(2), 174-187.. doi:10.1177/0304375415589433

[12] Connell, R. W. 2005. “Change among the Gatekeepers: Men, Masculinities, and Gender Equality in the Global Arena.” Signs 30 (3): 1801-18255.

[13] Murad, S. (2013, January 01) The Naked Bodies of Alia. Retrieved from http://www.jadaliyya.com/pages/index/9291/the-naked-bodies-of-alia

[14] Amnesty (2012). Choice and Prejudice: Discrimination against Muslims in Europe.

[15] Amar, Paul. 2011. “Turning the Gendered Politics of the Security State Inside Out.”  International Feminist Journal of Politics 13 (3): 299-3288.

[16] Abdalla, Mustafa. 2014. “Masculinity on Shifting Grounds.” Cairo Papers in Social Science 33 (1): 53-733.

[17] Hafez, Sherine. 2012. “No Longer a Bargain: “Women, Masculinity and the Egyptian Uprising.” American Ethnologist 39 (1): 37–422.

[18] Enloe, Cynthia. 2004. “Introduction: Being Curious about Our Lack of Feminist Curiosity.” Pp. 1-10 in The Curious Feminist: Searching for Women in a New Age off Empire. Berkeley, CA: University of California Press.

[19] Escobar, Arturo. 1984. “Discourse and Power in Development:  Michel Foucault and the Relevance of His Work to the Third World.”  Alternatives 10: 377-4000.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard