شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بين إديث بياف وصباح، رحلة البحث المحمومة عن الحب

بين إديث بياف وصباح، رحلة البحث المحمومة عن الحب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 7 أبريل 201706:18 م
"اللعبة الحلوة تُنسينا انتماءاتنا وتحيزنا، في لحظة لا نملك إلا أن ننحني للمعجزة وإن كانت عدونا!" هكذا قالت الكاتبة والروائية نور عبد المجيد، على لسان أحد شخوص روايتها "لاسكالا". بغض النظر عن السياق الذي أوردت فيه الكاتبة جملتها، هل يمكننا أن نطبق هذه القاعدة على "مجنونات الحب"، أولئك اللواتي خسرن الكثير والكثير من حيواتهن، وتخبطن في الكثير من السبل وكل طموحهن هو أن يسعدهن الحظ فقط ليكسبنا هذا الشعور. هل أولئك هن من يمكنهن القول عن الحب إن معجزته تستحق الانحناء له حتى ولو كان هو العدو المدمر؟ ربما ليس على "مجنونات الحب" حرج، فليس مثل الحب شعور يترك بصمته على القلب والروح، والبعض أدركن ذلك، فانخرطن في دوامة البحث عن هذا الشعور، حتى لو كلفهن الأمر التنقل من صدمة لأخرى ومن أزمة لأزمة أعمق منها مع كل تنقل من شريك عاطفي محتمل إلى آخر. في رواية "ابنة الحظ" للكاتبة ايزابيل الليندي، تسعى نساء كثيرات لأجل الحصول على الحب، بعضهن لم يحظَ بأكثر من خيبة الأمل، والتي واجهها بالإصرار على الاحتفاظ بالذكري، حتى ولو توقفت الحياة بأكملها كثمن طبيعي للعيش في الذكريات. والبعض الآخر استمر في مجاهدة الحياة، ووضع كامل طاقته في أمر آخر بعد أن خذله الحب، مثل المرأة التي قامت على تربية بطلة الرواية بعد أن توقفت علاقتها مع حبيبها مطرب الأوبرا. رغم المرارة التي تنقلها لك قصص الحب المبتورة في الرواية، إلا إنها تنقل لك أيضاً قاعدة أن الحب مقدس بما يكفي ويمكنه تغيير الحياة بأكملها. البعض لا يكتفين بتغيير الحب لحياتهن، والاكتفاء بقصص وتجارب مبتورة وغير مكتملة، فيظللن دائرات في فلك الحب في بحث محموم عنه إلى أن تنتهي أعمارهن. ربما تُعد إديث بياف، المغنية الفرنسية الشهيرة، والتي ولدت عام 1915، نموذجاً جيداً لمجنونات الحب العنيدات، فبعد مشوار طويل مع المعاناة في الحياة والتخبط في سبل الحب، غنت بياف آخر أغنياتها  "Non, je ne regrette rien" التي هي بالعربية "لا، لا أندم على شيء".
عانت بياف كثيراً في ظروف حياة قاسية، فقد هجرتها أمها، وهي صغيرة، لتحقيق حلمها في أن تصبح مغنية شهيرة وبعد أن فشلت أدمنت الكحول، ليذهب والد بياف بها إلى جدتها التي كانت تمتلك بيت دعارة وتركها في عهدتها. تترك الجدة الطفلة في رعاية إحدى النساء العاملات معها في الدعارة، وقد حنّت هذه المرأة على الطفلة الصغيرة وعوضتها غياب والديها، أثناء ذلك أصيبت بياف بالتهاب في عينيها أدى إلى فقدان بصرها، وكان أمر شفائها معجزة تحققت بالفعل. تخبطت كثيراً بسبب الفقر إلى أن بدأ صوتها الذي ورثته عن أمها يدرّ عليها القليل من المال والشهرة. يظل الجانب المؤثر في حياة بياف هو علاقتها الجنونية بفكرة الحب وبحثها المحموم عنه طوال حياتها، إذ خاضت الكثير من العلاقات والتجارب العاطفية. ولكن يظل حب عمرها هو الملاكم الفرنسي مارسيل سردان صاحب الأصول الجزائرية. تخيلت بياف أنها وجدت الحب أخيراً، وتمنت الاستقرار معه بشكل نهائي، إلا أن سردان الذي كان متزوجاً، رفض التخلي عن زوجته وأولاده المقيمين في المغرب، برغم محبته الشديدة لبياف. مع ذلك استمرت بياف في محبتها له ولم تتخلَّ عنه، رغم قرارها أن تنسحب من حياته بهدوء لكي لا تُفقده عائلته. انتهت علاقتهما قدرياً، بعدما تحطمت الطائرة التي كان يستقلها سردان أثناء توجهه إلى نيويورك لزيارة بياف. غرقت بياف بعد موت سردان في عميق أحزانها وشعورها بالافتقاد والذنب، ولجأت إلى الكحول والمخدرات لكي تفقد ذاك الوعي الذي يجعل ذكرى الحبيب والابنة حيّة في مخيلتها تؤلمها وتذيقها عذاب الفقد. إذ كان لبياف ابنة توفيت عن عمر عامين تحمل اسم مارسيل أيضاً. توقفت بياف عن الغناء فترة من الزمن بعد فقدان مارسيل الحبيب، وألّفت وغنت له إحدى أصدق أغانيها وقد ختمتها بجملة "عسى الله من جديد أن يجمع الأحبة معاً". وعادت تبحث عن الحب، فكانت لها علاقة عاطفية مع الفرنسي بطل سباق الدراجات لويس جيراردان، ثم تزوجت المغني جاك بيلز وانفصلت عنه، ثم أحبت الشاب اليوناني سارابوا، الذي كان يعمل في تزيين الشعر ويريد أن يصبح مغنياً فساندته بكل قوتها وأحبته وتزوجته، وكان عمرها في ذلك الوقت 46 عاماً، واعترفت أنها قد أخطأت بهذا الزواج وأنه كان يمكنها أن تصبح أمه. INSIDE_Sabah-Piaf1INSIDE_Sabah-Piaf1 كانت بياف تحب وترتبط وتساند وتتزوج وتنفصل بملء طاقتها. ربما هو ما فعلته أيضاً الشحرورة، صباح، أو جانيت فغالي، المغنية اللبنانية الشهيرة، والتي ولدت عام 1925. لُقبت صباح بـ"مدام بنك" بسبب دعمها المادي غير المشروط لمن تزوجتهم، ورأت فيهم شركاء عاطفيين محتملين. برفقة والديها سافرت صباح إلى مصر، وتم تدريبها فنياً وتلحين أغانيها على يد الملحن رياض السنباطي، ومنذ ذلك الحين اختفى اسم جانيت وحلّ محله اسم صباح. على الرغم من المشوار الفني الزاخر بالأفلام السينمائية والأغاني التي حملت صوت صباح الناعم لجمهورها، إلا أنه أكثر ما كان يثير الانتقادات والملاحظات من حولها حتى أخر عمرها - الذي قارب التسعين عاماً - كان هو كثرة زيجاتها. منذ عام 1944 الذي شهد أولى زيجات صباح من رجل الأعمال اللبناني نجيب شماس وحتى عام 2004، كانت الشحرورة قد خاضت نحو 10 تجارب زواج، فتزوجت من الأمير خالد بن سعود بن عبد العزيز، ثم انفصلا بسبب ضغط عائلته، ثم تزوجت من عازف الكمان المصري أنور منسى، الذي هو والد ابنتها هويدا. أما الزوج الرابع فكان المذيع المصري أحمد فراج، واستمر ثلاثة أعوام، انفصلا بعدها لأن الزوج لم يحتمل أن تكون زوجته مشهورة ولها معجبون، ليأتي بعده الزوج الخامس الذي كان الفنان رشدي أباظه، ثم زواجها من النائب اللبناني يوسف حمود ثم المخرج وسيم طيارة، ثم رجل أعمال لبناني، فمطرب لبناني مغمور، فالراقص بالفرقة اللبنانية للفنون الشعبية فادي لبنان، ثم كانت صباح على وشك الارتباط بملك جمال لبنان عمر محيو لكن لم يتم الارتباط وانفصلا في عام 2004. اختبرت صباح الألم بدخول ابنتها هويدا في أزمة صحية بسبب إدمانها للمخدرات، دفعتها تلك الأزمة إلى أن تبيع بيتها وتقيم في أحد الفنادق لكي تعالج ابنتها في أحد مصحات كاليفورنيا. في كثرة زيجاتها كانت صباح تبحث عن شيء تود أن يظل حياً في قلبها، ربما لم يلق منتقدوها الذين انشغلوا بكثرة زيجاتها رغم كبر سنها بالاً لذلك التصريح الصحفي الذي قالت فيه "الحياة بتلبق لي"، ويعكس إلى حد كبير رغبتها في وجود شريك عاطفي دائم، لأن الحب بالنسبة لها هو الحياة، والحياة تليق لها كما قالت. رغم كل الانتقادات التي قد تثيرها "مجنونات الحب" حولهن، فإن قلوبهن التي تسعى وراء أحد أشكال الحب كل هذا السعي وتنفق العمر في سبيله، تستحق المحبة والسكينة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard