شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لنُأنسِن الانتحار

لنُأنسِن الانتحار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 10 سبتمبر 201602:46 م
إن النص أدناه يأتي رداً على بعض ما قيل وتم تداوله على أثر انتحار نورهان، شابة لبنانية أقدمت على الانتحار وأثارت موجة من ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام اللبناني. إنّ الهدف من النص أدناه ليس التشجيع على الانتحار، بل التشجيع على التكلم عنه. التكلم عنه مطلقاً، وليس حصراً إزاء انتحار صديق/ـة، قريب/ـة أو أحد/إحدى معارفنا. التكلم عنه بطريقة مباشرة وصحية دون ممارسة إسقاطاتنا على تجارب الآخرين. تداوله كموضوع قد لا يكون شائعاً ولكنه حتماً يحدث أكثر مما نعترف. لم تترك نورهان خلفها رسالة ولا أي نوع من الشرح، فانشغلنا جميعاً نحاول إيجاد أسباب، وإذا ما فشلنا، رحنا نختلقها، ضاربين بعرض الحائط خصوصية نورهان. راح عدد من الأصدقاء يشاركون محادثات خاصة كانت قد دارت بينهم وبينها. ألأنها غير قادرة على الرد والاستنكار، نستضعفها بهذا الشكل؟ فنبيح خصوصيتها ونزجّ آيات من القرآن فوق صورها رغم أنها كانت تجاهر بإلحادها؟ كثر من الذين يعرفون نورهان يخالون أن معرفتهم بها تخولهم أن يتحدثوا نيابة عنها في موضوع انتحارها، موضوع هي نفسها اختارت ألا تتحدث عنه. آخرون لا يعرفونها ألقوا نظرة على صفحتها الخاصة على فيسبوك وقرّروا أن بضعة منشورات وأغانٍ شاركتها كافية لتعرّفهم بنورهان، فأخذوا يستنتجون أسباب انتحارها، وشرعوا يلقون اللّوم على أصدقائها وعائلتها لعدم فهمهم كل "الأدلة" التي كانت قد خلّفتها. تستخدم إحداهن انتحار نورهان كمثال، مجرّد مثال آخر، يؤكد صواب قرارها بمغادرة البلاد والاستقرار في الخارج. تتحدث عنه كعامل من العوامل التي تجعل من بيروت مدينة غير صالحة للعيش، كغلاء المعيشة وارتفاع نسبة الرطوبة في الجوّ، وكأنّ كل ما خلّفه انتحار نورهان هو شعور بالامتنان للحظ أو الاجتهاد الذي أسعفنا لنبقى على قيد حياة لم نختر إنهاءها. حتى "الأخصائيون" من الذين كتبوا عن انتحار نورهان لم يلتزموا أدنى درجات المهنية. شخّصها أحدهم بالاكتئاب وحصرها في هذا الإطار: "إنسان مكتئب أقدم على الانتحار". هكذا. بهذه البساطة. نورهان التي لم يجالسها يوماً، انتقى ما يشاء من مؤشرات ولصق بها الوصف الذي رآه مناسباً. ويبقى أحقر ما قيل في انتحار نورهان أنها "لو لمست مثلاً هذا الكم من الحب الذي يظهره أصدقاؤها، لو زاروها وعانقوها وحضروا لها قطعاً من الحلوى، لربما ترددت في أن تغادرهم، وأن تتركهم". هل يعلم الشخص الذي تفوه بهذه الكلمات أن نورهان كانت محاطة بأسرة محبة وداعمة؟ هل يعلم عمق العلاقة التي جمعتها بوالدتها؟ هل يعلم كم الذنب الذي يرميه على أصدقائها الذين طالما منحوها الدعم والحب؟ قد يشعر البعض منا برغبة في المساعدة، ولكن لنتأكد أولاً أن من أمامنا فعلاً يريد المساعدة، ولنتأكد أن تدخّلنا لا يصل حد التطفل وإلحاق الأذى بالآخر. لنقارب الموضوع بطريقة سليمة وعادلة. لنتحدث عن الانتحار من دون أن نعطيه مسميات أخرى. لنتحدث عنه دون أن "نشفّر" الكلمات، من دون تحريف الأحداث أو استبدالها بأخرى، فلا نقول عن الذي رمى بنفسه أنه وقع، وعن الذي أطلق الرصاص على نفسه أنه كان ينظّف مسدسه و"طلعت فيه رصاصة بالغلط". لنُزِل عن الانتحار هذه الهالة التي تمنع الناس من التكلم عنه. لنمنح كلّ الذين مارسوا إسقاطاتهم على انتحار نورهان وكثر غيرها، فرصة التكلّم عن أنفسهم، بشكل مباشر، دون تردد أو خوف من الأحكام.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard