شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما هزت أستاذة جامعية خصرها... فاهتزت مصر و

عندما هزت أستاذة جامعية خصرها... فاهتزت مصر و"ملائكتها"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 6 أبريل 201706:11 م
رقصت الأستاذة الجامعية منى برنس على سطح منزلها بعفوية مطلقة فكشفت قبح مجتمع هبّ لسلخها. انتشرت صورها في رحلات شخصية، وهي ترتدي ملابس البحر، فكثر الجلادون حولها، وانهالت عليها كل شتائم الرذيلة والفجور. حاربت أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة السويس نظام التعليم المهترئ، فأدخلت كتب وأفكار تخالف السائد، لكنها اتهمت بالكفر، وجرى تحويلها للتحقيق مراراً، وإيقافها عن التعليم. مرة أخرى تداعى كثر في مصر ليجلدوا آخر يبدو متصالح مع نفسه، يحاول أن يفكر وأن يؤثر خارج الصندوق. آخر، كمنى، سمح لنفسه أن يرى في التعليم أداة لتشكيل وعي عام أصابه التآكل.
اللافت في كل تلك الضجة التي أثيرت حول منى، هو تزامنها أيضاً مع قضية اغتصاب "الرضيعة" التي لم تتجاوز العامين، والفيديو الذي انتشر عن محاكمة الأربعيني المغتصب، وتضامن القاضي معه باعتبار أن ما حصل "وزة شيطان" أتت بعد صلاة العشاء، و"من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمه بحجر". أما الفتاة الصغيرة فحملت لقب "فتاة البامبرز" استهزاء. في تفاصيل قصة منى، ما يكرّس ذلك الشعور بالاختناق في وقت باتت فيه أكثر تفاصيل الحرية الشخصية البديهية في خانة القمع، وما يكشف تدهور النظام التعليمي، وإصرار المسؤولين والطلاب على محاربة الاختلاف الذي يهدد اتساقهم الداخلي المبني على الفساد والتحرش وإقصاء الآخر. تحتل فتيات فرعونيات صفحة منى الفيسبوكية، واحدة منهن ترتدي ما يشبه لباس البحر وتعزف مع الأخريات الموسيقى بينما يرقصن على إيقاعها. تذكرنا منى بالتناقض المخيف مع أيام الفراعنة اللواتي رقصت نساءهن بحرية، وتباهى المصريون بتاريخهن حول العالم. فما هي تفاصيل قصة منى برنس، وكيف بدأت، بحسب ما قالته هي وكتبما كتبه المتابعون للقضية من طلاب وصحافيين؟ بدأت منى التعليم في جامعة السويس في العام 1999، حينها كان رئيس القسم إخواني الانتماء، وحاول أن يهديها للحجاب وأن يلزمها مع زميلاتها على معايير صارمة. تلفت منى أنه كان كذلك في السويس، لكن في الجامعة الأمريكية يتبع سلوكاً مختلفاً. أياً يكن، فقد حاربت منى محاولات فرضه المواد وطريقة العمل بما استطاعت، ما خلق أجواء من التوتر الدائم، عرقل ترقيتها وطريقة تعليمها.
رقصت الأستاذة الجامعية والروائية منى برنس على سطح منزلها بعفوية فكشفت قبح مجتمع هبّ لسلخها...
في غياب له لسنوات في الخليج، حاولت منى أن تطبق أفكارها في التعليم، وفتحت عيون الطلاب على كتب كثيرة ينبغى قراءتها كما على مقالات مهمة، وفتحت حلقات نقاش حولها. في العام 2011، عند عودة رئيس القسم، الذي أصبح مديراً في وقت لاحق، عادت الإشاعات لتلاحقها، من قبيل أنها ملحدة وبهائية وتتكلم مع الطلاب بالجنس وتعطيهم روايات جنسية مصورة. بعدها طلب منها تقديم إجازة وانقطعت عن العمل لأشهر. في العام 2013، أصبح رئيس القسم مديراً وتولت مكانه امرأة المنصب، لكنها كما تقول منى تابعت نفس الاضطهاد عليها. حين راجعتها منى بأمور تتعلق بالجامعة كتوفير المياه في المراحيض وتوفير أجهزة الكمبيوتر وشبكة الانترنت، اشتبكت معها، وكتبت ما جرى على حسابها الفيسبوكي، لتجري ملاحقتها بتهم سب وقذف المسؤولة عنها. ترافقت هذه الملاحقة مع نشر مقاطع من روايتها "إني أحدثك لترى"، واتهامها بازدراء الإسلام. في تلك الفترة، كانت الأستاذة الجامعية قد ناقشت في إحدى محاضراتها موضوع الفتنة الطائفية والتمييز العنصري، وفي محاضرة أخرى تحدثت عن حالات التحرش الجماعي. لكن الأمر لم يعجب بعض الطلبة، واشتكوا عليها بتحريض من أساتذة آخرين. بعدها تحولت للتحقيق، وأخرجت من إحدى محاضراتها مطرودة أمام الطلاب. في عودة أخرى لها إلى الجامعة، العام الماضي، كانت الحادثة "الأكثر خطراً" التي ارتكبتها منى. في محاضرة عن تاريخ الأدب الإنكليزي، استحضرت الشاعر جون ميلتون ورائعته "الفردوس المفقود"، التي تحكي قصة نزول آدم وحواء إلى الأرض وحكايتهما مع الشيطان. حينها، طلبت من طلابها الاطلاع على قصيدة أمل دنقل "كلمات سبارتكوس الأخيرة" ورواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، لمقارنة صورة الشيطان بين الأعمال الثلاثة وصورة الإله في العمل الأدبي، لكن ذلك أثار حفيظة كثر، واتهموها بـ"مدح الشيطان". تفاعلت الأحداث لاحقاً مع اتهامات أخرى أضيفت لسجلها كإهمال المنهج، فأحضر أستاذ منتدب ليحل مكانها. ومؤخراً عادت القضية بزخم أكبر مع نشر صحافي يدعى هاني أبو زيد لصورها القديمة وفيديو الرقص في منزلها في الفيوم، ثم اتهامها في مكان آخر بـ"البهائية" و"الإلحاد" وبـ"حب إسرائيلي". في النقطة الأخيرة كانت الحجة أن"هواياتها المفضلة… الاستماع إلى باربرا سترايساند وهي مغنية وممثلة يهودية أمريكية، إضافةً إلى دانييل بارينبويم وهو عازف بيانو، وقائد أوركسترا ويحمل جنسيات كل من إسرائيل والأرجنتين". أثارت القضية في اليومين الماضيين ضجة واسعة انقسم فيها الإعلام كما المتابعين بين رافض لسلوك منى بوصفها أستاذة جامعية وينبغى أن تكون قدوة للفتيات، وبين من يصفها بـ"الدكتورة الراقصة" وصاحبة "اللحم الرخيص"، وبين مرحب بجرأتها وحقها. منى، الأديبة والمترجمة أيضاً، لها كتب عدة كـ"اسمي ثورة" و"إني أحدثك لترى" و"حياة ومغامرة الدكتورة م" وغيرها، لكن لم تحقق كتبها الشهرة التي حققها فيديو الرقص بوقت قياسي، فكتبت معلقة "17 ألفاً حضروا الفيديو، لكنني أيضاً كاتبة روائية ومترجمة، ولا أعتقد أن هذا العدد قد قرأ لي". اتهمت منى بأنها تخالف الأصول والعادات الشرقية في تعليمها، ورأى معلقون من الأهل والطلاب بأنها غير جديرة بأن تكون أستاذة. كما رأى آخرين أنها تمثل كل ظواهر العري والفجور والخلاعة. ردت منى متسائلة لماذا قرروا دراسة الأدب الإنكليزي طالما لا يحتملون الاختلاف، بينما هزأ آخر بأن الأصول الشرقية يعني تعليم بعضهم أصول التحرش، فربما تصبح جديرة كأستاذة. كما رأى آخر أن الحملة على منى سببها "الخوف من حضور الجسد الأنثوي في العلن". وأعادت قضية منى التذكير كذلك، بتلك الروح الطيبة الموجودة في الأرياف، والتي لا تزال تتقن أسباب الفرح أكثر من أي أحد آخر، مهما ارتفع منصبه. هكذا احتفت منى بأهالي حارتها الطيبين الذين يشاركونها الرقص بفرح، والذين وقفوا معها في محنتها. في جانب آخر، ذكّرت منى بالتحرش الذي تشهده الجامعة، وبحالات كثيرة تلزم الصمت خوفاً، ورأت أن ذلك، كما السرقة العلنية التي كان يقوم بها المسؤولون، لم تلق الاهتمام أو السخط التي أثرته قضيتها. وبدور محاكم التفتيش الذي تضطلع به شريحة واسعة من المؤسسات الأكاديمية اليوم. أما الأخبار الصحافية المختلقة، التي يلعب فيها الصحافي دور "ممثل الله على الأرض"، فكانت كذلك حاضرة في قضية الأستاذة الجامعية، مذكرة بحالات كثيرة حاكم فيها الصحافيون الناس على الهواء، ونعتوهم بأبشع الصفات، كما عرّضوا حياة كثر للخطر.
وفضحت تلك القضية مجدداً أزمة الكثير من الطبقات مع موضوع الرقص باعتباره تفلتاً أخلاقياً، وطريقة استخدام الفيديو ضد الأستاذة الجامعية والتعليقات عليه خير دليل.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard