شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل حقاً لهجة أهل الجزائر صعبة وغير مفهومة؟

هل حقاً لهجة أهل الجزائر صعبة وغير مفهومة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 31 مارس 201709:56 ص
"الشعب الجزائري شعب ودود يحب التعرف على ثقافات غيره، ولكن لهجته تكون في بعض الأحيان عائقاً، لأن غالبية الكلمات ليست عربية"، تقول دعاء نجم الدين (28عاماً)، والتي تعمل مدونة في العراق. "وجود كلمات فرنسية في اللجهة الجزائرية، يجعل فهم الكثير منها صعباً"، تقول فرح المنصور (25عاماً)، والتي تعمل مخططة استراتيجية في وسائل التواصل الإجتماعي في الأردن. "ما يزيدها تعقيداً في نظري هو سرعة الكلام"، يقول أسامة التميمي(28عاماً)، والذي يعمل مهندس اتصالات في فلسطين. Algerir_Hichem-Merouche_FlickrAlgerir_Hichem-Merouche_Flickr يبدو للجزائريين أن لهجتهم العامية سهلة الفهم ومسترسلة. لكنهم يكتشفون عكس ذلك حينما يحاولون التواصل مع عرب من جنسيات مختلفة، لا سيما المشارقة منهم. يضطر الجزائري في أغلب الأحيان إلى التحدث بلغة عربية فصيحة، مع استعمال الكثير من المفردات المصرية أو السورية، ليتم فهم ما يريد أن يقوله. ويجد نفسه غير قادر على إيصال فكرته عبر لغة تخاطبه مع العرب. تخيلوا مثلاً حاجاً أو معتمراً جزائرياً كبيراً في السن، لا يتقن اللغة الفصحى، يحاول التواصل مع حجاج من دول عربية أخرى أو مع باعة في الأسواق والمتاجر. أو تخيلوا مذيعاً في قناة عربية يحاول فهم مداخلة متصل من الجزائر. يبرر الكثير من العرب ذلك بأن اللهجة الجزائرية الدارجة مليئة بالمصطلحات الفرنسية غير المتداولة في العربية. ولكن ما يجهله الكثيرون هو أن الفرنسية لا تشكل إلا مقداراً قليلاً من اللهجة الجزائرية. فهي خليط مجموعة لغات صنعت تاريخ الجزائر والحضارات المتعاقبة التي مرت عليه. فما هي مكوناتها؟

مقدار قليل من الفرنسية

"إنها لهجة ناتجة عن الرواسب التي تركتها حضارات ماضية أو  خلفها استعمار سابق"، يقول الدكتور غيتري سيدي أحمد، دكتور وباحث في اللسانيات في جامعة تلمسان لرصيف22. "ليست فقط الاصطدامات الفرنسية هي العائق الوحيد، فلهجة الجزائريين متكونة من الكثير من الكلمات الإسبانية والتركية والإيطالية والأمازيغية خاصة". ويضيف أن اللهجة مختلفة حتى داخل هذا البلد الذي يعتبر الأكبر مساحةً عربياً وأفريقياً، بسبب تأثر المناطق بماضيها التاريخي والحضاري. Magharebia_FlickrMagharebia_Flickr ففي غرب الجزائر نجد الكثير من الكلمات الإسبانية لتأثره بالحضارة الأندلسية. وفي شرق الجزائر، خاصة عند الحدود الليبية، نجد الكثير من الكلمات الإيطالية نظراً لاحتكاكه بغرب ليبيا التي بقيت تحت الانتداب الإيطالي لسنوات.
يبدو للجزائريين أن لهجتهم سهلة لكنهم يكتشفون عكس ذلك حينما يتواصلون مع عرب من جنسيات مختلفة
ما يجهله الكثيرون هو أن الفرنسية لا تشكل إلا مقداراً قليلاً من اللهجة الجزائرية، والباقي خليط لغات مختلفة
كما تتضمن هذه اللهجة العامية كلمات عربية وأمازيغية وتركية. فمن الطبيعي جداً أن تسمع العربية والأمازيغية والتركية والإسبانية والفرنسية في جملة واحدة، كقول: "شحال سومة نتاع هذيك لبلوزة لي شريتها من لبازار لي قدام لمارشي؟"، وتعني كم سعر الفستان الذي اشتريته من المحل الذي يقع بجانب السوق؟

الأثر الأمازيغي

يظهر الطابع الأمازيغي في نطق الكلمات العربية الخالصة، فلا يتمكن باقي العرب سبر أغوارها بسبب هذه اللكنة التي تقوم بتسكين أول حرف من الكلمة أو تنقيص عدد الحروف أو الإسراع في الكلام. كما يتم إضافة الشين في آخر الكلمة علامة على النفي كالقول "مَنَشْرِبْشْ" بمعنى "لا أشرب". يقول سيدي أحمد لرصيف22: "بحديثنا عن اللغة نتكلم عن ثقافة، هي الثقافة الأمازيغية التي يتمتع بها الجزائري ولم يعرفها المشرقي". الأمازيغ، أو البربر، هم السكان الأصليون لمنطقة شمال أفريقيا، ويسكن غالبيتهم اليوم بين تونس والمغرب والجزائر، ولهم لغتهم الخاصة. يقول عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي لتعليم الأمازيغية خلال لقاء أجراه على قناة الخبر أن السكان الأصليين تمتعوا في كل مراحل تاريخهم بالانفتاح على اللغات الأخرى. فعند قدوم قبائل بني هلال في القرن العاشر ميلادي، أنتجوا "لغة تخاطب مشتركة تتفق والوجود العربي الجديد للقبائل العربية".

العربية، بين الفتوحات والاستعمار والاستقلال

الفتوحات الإسلامية التي تبنتها قبائل بنو هلال، بحسب سيدي أحمد، كانت هي الناشر الحقيقي للغة العربية في المغرب العربي الكبير عموماً، وفي الجزائر خصوصاً، بعدما كانت الأمازيغية وحدها هي السائدة. بقيت اللهجة المستعملة خليطاً بين العربية والأمازيغية، مع رواسب تركية وإسبانية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر عام 1830. وكانت اللغة العربية الفصحى منتشرة حينها نظراً لحفظ عدد كبير من السكان للقرآن. وكانت تدرس في المدارس والجامعات. لكن الاستعمار حذف هذا كله واستبدله باللغة الفرنسية، كجزء من سياسة ضم الجزائر إلى فرنسا. Hichem-Merouche_FlickrHichem-Merouche_Flickr عادت العربية لتجد مكانها في البلاد من جديد بعد استقلال الجزائر عام 1962 حينما بدأت سياسة التعريب. لكن الأمر لم يكن هيناً. يرى سيدي أحمد أن الجزائر لم تحافظ على استقلالها اللغوي كما حافظت على استقلالها السياسي، لأنها لم تأخذ قراراً سياسياً بأن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية والشرعية والواقعية للبلد كما فعلت الفيتنام التي منعت منعاً باتاً استعمال الفرنسية بعد استقلالها، وجعلت كل التعاملات القانونية باللغة الفيتنامية. "هذا ما لم تفعله الجزائر، فاقتصر التعريب فيها فقط على مجالات معينة وبقيت التبعية في مجالات أخرى"، يضيف.

استياء جزائري

يستاء الكثير من الجزائريين لكون جميع اللهجات العربية تقريباً مفهومة ومستعملة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتلقى تجاوباً كبيراً لدى المشاهد العربي، في حين تظل اللهجة الجزائرية يتيمة. وترى الصحافية الجزائرية عليان زوليخة أن سبب عدم فهم اللهجة الدارجة ليس صعوبتها وإنما عدم انفتاح بلدان شرق العالم العربي عليها، وتقول: "الجزائري لا يتحدث بلهجته خارج وطنه عكس المشارقة، هم لا يبذلون جهداً لفهمنا ويفرضون مسبقاً أن لهجتنا صعبة، فيضطر الجزائري للتحدث بلهجتهم ليفهموه". بالنسبة لسيدي أحمد، صعوبة اللهجة ليست حكراً على الجزائر، فهي قائمة بجميع اللهجات العربية. ويستطرد: "لو تكلم معك كويتي أو عراقي أو سمعت أي لهجة لم تسمعها من قبل، ستصطدم بكلام غير مفهوم، الأمر سيان لنا ولهم، فنحن أيضاً لا نفهم لهجاتهم لأنها تأثرت بلغات أخرى، كالفارسية والتركية وما إلى ذلك".

عدم الاختلاط

يقول علي عرفة من العراق: "اللهجة الجزائرية غير مألوفة لدينا، السبب الأول هو عدم وجود مسلسلات أو أفلام تنقل إلى دول المشرق العربي، والسبب الثاني هو عدم انفتاح الجزائر على السياح وصعوبة الحصول على الفيزا". قد يكون عائق الفهم ليس صعوبة اللهجة فقط، وإنما البعد وعدم الاحتكاك، وعدم انتقال الدراما والأدب والثقافة الجزائرية شرقاً، كما هو الحال مع ما تنتجه مصر ودول عربية أخرى من أعمال فنية أو أدبية. هذا السبب يجعل لهجات عديدة أقل شعبية، فيما يشعر العربي بالألفة نحو اللهجة المصرية أو اللبنانية أو السورية التي ذاع صيتها كثيراً عبر المسلسلات التركية المدبلجة في الأعوام الأخيرة. حتى اللهجة الخليجية التي بقيت صعبة الفهم لدى الكثير من العرب، باتت أكثر سهولة مع انتشار مسلسلات خليجية في رمضان. يقول سيدي أحمد: "السر في تأثير وسائل الإعلام، مثل الأفلام السورية والمصرية وغيرها. الإعلام الجزائري شبه غائب، ولهذا لا تتعدى اللهجة الجزائرية عتبة الجيران. الانتشار هو مسألة قوة ونفوذ".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard