شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا يشكّل صعود الاستبداد كارثة عالمية؟

لماذا يشكّل صعود الاستبداد كارثة عالمية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 22 مارس 201707:30 م
في يناير، أصغت النخبة العالمية بأدب للرئيس الصيني شي جينبينغ وهو يلقي الخطاب الافتتاحي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في سويسرا. بالطبع، لم يأتِ الدكتاتور الصيني على ذكر كيف يلقي القبض، هو والمقرّبون له، على ناشطي حقوق الإنسان ويخفونهم، ويضطهدون الأقليات العرقية والجماعات الدينية، ويديرون نظاماً واسعاً للرقابة والمراقبة، من بين غيرها من الشرور. ومن المدهش أن يوفر منتدى مخصص لـ"تحسين وضع العالم" هذا المنبر المهمّ لزعيم نظام قمعي. استهلّ شي كلامه بالتساؤل "ما الذي أصاب العالم؟"، والحقيقة أنه جزءٌ من هذه المشكلة. في الوقت الحاضر، يشهد النشاط الاستبدادي إزدهاراً ملحوظاً. فبحسب بحثٍ أجرته هيومن رايتس فونديشن، يعاني مواطنو 94 دولة من حكم أنظمة غير ديمقراطية، مما يعني أن الطغاة أو الملوك المتفرّدين بالحكم أو المجالس العسكرية أو من ينافسونهم من المستبدين يحكمون في الوقت الراهن 3.97 مليار نسمة. ويمثل هذا العدد 53% من سكان العالم. وبناءً عليه، فإن الاستبداد يشكّل إحصائياً أحد أضخم التحدّيات التي تواجهها الإنسانية، إذا لم يكن أضخمها على الإطلاق. لنتأمّل حجم بعض أزمات العالم الأخرى. فهناك حوالي 836 مليوناً يعيشون في فقر مدقع، و783 مليوناً يفتقرون إلى مياه الشرب. وقد شرَّدت الحروب والصراعات 65 مليوناً من بيوتهم. وبين العامين 1994 و2013 تأثّر ما يقارب 218 مليوناً بالكوارث الطبيعية. تُعتبر كل هذه المشاكل مشاكل رهيبة، بل تبدو عسيرة ومستعصية، ولكن هناك على الأقل جهات في الأمم المتحدة وفرقاً في منظمات الإغاثة ووزارة الخارجية الأميركية تكرّس جهودها لمعالجة كلٍّ من هذه المشاكل. على نقيض ذلك، فإن الطغاة والمستبدين المنتخَبين يتمتّعون بحرية مطلقة. البنك الدولي يوفّر أموالاً لإنقاذ الأنظمة القمعية على أساس منتظم. وما من فريق عمل مناهض للطغيان في الأمم المتحدة، ولا أهداف تنموية مستدامة ضد الاستبداد، ولا جيش من الناشطين لمحاربته.
حرية مطلقة يتمتع بها الطغاة والمستبدون المنتخبون اليوم.. والبنك الدولي يوفر أموالاً لإنقاذ أنظمتهم القمعية
الطغاة والمستبدون يحكمون اليوم 3.97 مليار نسمة، أي ما يقارب 53% من سكان العالم
ولقد عانينا، نحن كاتبا هذا المقال، من علل الاستبداد على الصعيد الشخصي. فأحدنا تعرّض للضرب وأُدرج اسمه على القوائم السوداء وأُرغم على الحياة في المنفى بسبب مسؤولين في الكرملين. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يكفّ عن سحق حرية التعبير، وضمّ بوقاحة شبه جزيرة القرم وعزّز نشاطه العسكري في العالم بأساليب تعيدنا إلى أيام الحرب الباردة. والكاتب الآخر رأى أمه تموت برصاص قوات الأمن الفنزويلية وقريبه يقبع في سجنٍ عسكري ثلاث سنوات كسجين للرأي. يدير الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو نظام حكم يعتقل المنشقين بانتظام وينتهك المتظاهرين ويشارك في فساد واسع النطاق، لدرجة أن بلده يشهد اليوم انهياراً اقتصادياً كارثياً. ويحظى بوتين ومادورو بشركاء متآمرين في كل أنحاء العالم، وزملاء مستقبليين في الطغيان ينتهكون حرية الصحافة ويعتقلون الخصوم ويتلاعبون بالانتخابات ويرتكبون عدداً كبيراً من الجرائم ضد حقوق الإنسان. فتركيا التي كانت في يوم من الأيام دولةً ديمقراطية واعدة تكاد اليوم تختنق. إذ أغلق رئيسها رجب طيب إردوجان 149 منفذاً إعلامياً، وأغلق أكثر من ألفي مدرسة وجامعة، وفصل أكثر من 120 ألف موظف مدني، واعتقل أكثر من 45 ألفاً يشتبه بأنهم من المنشقين. وفي كوريا الشمالية، يحكم كيم يونغ أون الحكومة الأكثر شمولية على وجه الأرض، فيغسل أدمغة 25 مليوناً ويرهبهم بالإعدامات العلنية وبالمجاعات القسرية وبشبكة هائلة من معسكرات الاعتقال التي ذكّرت محققي الأمم المتحدة بكمبوديا على عهد بول بوت وبألمانيا النازية. وهناك العديد من الطغاة الأقل شهرةً في دول مثل البحرين وكزاخستان وغينيا الاستوائية حيث ينهب الطغاة موارد بلادهم الطبيعية ويحتفظون بالأرباح في حسابات خاصة خارج البلاد. ولكي يغطوا أعمالهم الوحشية، يستخدمون أعضاءً في جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة وحتى الجماعات السياسية في العالم الحرّ ليبيّضوا أفعالهم. وإن لم يكن الظلم والقهر كافيين، فإن الحكومات الاستبدادية تتسبب بتكلفة اجتماعية هائلة. فالدول التي يترأسها الطغاة تشهد معدّلات أعلى من الأمراض العقلية، ومستويات أقلّ من الصحة ومتوسط العمر المتوقّع. وكما قال أمارتيا صن Amartya Sen، إن هذه الدول معرّضة لمجاعات أكثر من سواها، فمواطنوها أقلّ تعليماً ويودعون عدداً أقلّ من براءات الاختراع. فعام 2016، أُودِع في فرنسا وحدها عددٌ من براءات الاختراع يفوق ما أُودع في العالم العربي برمّته، وذلك ليس لأن العرب أقل إقداماً من الفرنسيين، بل لأن جميعهم تقريباً يرزحون تحت طغيان خانق. ومن الواضح أن قمع حرية التعبير والإبداع يخلّف آثاراً ضارة على الإبداع والنمو الاقتصادي. فالمواطنون في المجتمعات الحرّة والمنفتحة مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية وتشيلي يشهدون تطورات في مجال الأعمال والعلوم والتكنولوجيا لا يمكن لمواطني بيلاروسيا وبورما وكوبا إلا الحلم بها. إن نظرتم إلى الأمم الحرّة لأدركتم أنها لا تخوض حروباً بعضها مع بعض. فالتاريخ قد أظهر أن هذا يمثل القانون الوحيد الذي لا ريب فيه في النظرية السياسة. في الوقت عينه، الطغاة في حالة حرب دائمة مع قوى أجنبية في أغلب الأحيان ومع شعوبهم في كل الأحيان. إن كانت تشغلكم مسألة الصحة العامة أو الفقر أو السلام فمهّتكم واضحة: قاوموا الطغيان.

عدد براءات الاختراع التي أودعت في فرنسا وحدها عام 2016، يفوق ما أُودع في العالم العربي برمّته. وذلك ليس لأن العرب أقل إقداماً من الفرنسيين، بل لأن جميعهم تقريباً يرزحون تحت طغيان خانق

والأمر المأسوي هو أن المؤسسات والمنظمات العالمية عاجزة عن التعامل مع الاستبداد بالشكل الملائم. وتحتجّ الحكومات الغربية أحياناً على انتهاكات حقوق الإنسان في بلاد مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية، ولكنّها تتجاهلها بصورة روتينية في أماكن مثل الصين والمملكة العربية السعودية مراعاةً للصفقات التجارية والاتفاقات الأمنية. الأمم المتحدة التي أُنشئت لإحلال السلام والعدل في العالم تضمّ دولاً مثل كوبا ومصر ورواندا أعضاءً في مجلسها الخاص بحقوق الإنسان. ويحظى ممثلٌ لبلد ديمقراطي، في هذا الإطار، بنفس الشرعية التي يحظى بها ممثل لبلد دكتاتوري. فأحدهما يمثّل مواطني دولته، فيما يعمل الآخر على إسكاتهم. بين يونيو 2006 وأغسطس 2015، لم يصدر مجلس حقوق الإنسان أي إدانة لأنظمة الحكم القمعية في الصين وكوبا ومصر وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا.   وبالرغم من أن الدكتاتورية هي السبب في الكثير من العلل في العالم، كالحالة الصحية السيئة وأنظمة التعليم الفاشلة والفقر العالمي، على سبيل المثال لا الحصر، نادراً ما يلقى الاستبداد اهتماماً من المؤتمرات العالمية الكبرى. ولا عجب في ذلك، نظراً إلى أن الكثير من المنابر مثل المنتدى الاقتصادي العالمي ومبادرة كلينتون العالمية التي باتت منحلّة، تتلقى تمويلاً واسعاً من حكّام سلطويين. عدد قليل من جماعات حقوق الإنسان يركّز حصرياً على الاستبداد فيما تنفق أغلب هذه المؤسسات قدراً كبيراً من ميزانيتها على انتقاد الحكومات الديمقراطية وسياساتها. وقع عبء النضال النبيل ضد الطغيان على كاهل نشطاء أفراد ومنشقين يعيشون في ظلّ أنظمة حكم مستبدة أو يعملون من المنفى. تبين للصحفيين عبد العزيز الحمزة وميرون إستيفانوس أن عدداً قليلاً من الذين يعيشون في الدول الحرّة السلمية مهتم بالكتابة عن سوريا أو إريتريا، فأخذا على عاتقيهما القيام بذلك، بالرغم من الخطر الهائل الذي يعّرضان نفسيهما له. وقد انشقّت هاينسون لي عن كوريا الشمالية لتجد أن ضحايا الإتجار بالجنس في الصين غالباً ما يتعرضون للإهمال والتجاهل، فبدأت بالضغط على الحكومة الصينية بنفسها. وعندما توفي الزعيم الديمقراطي الكوبي أوزوالدو بايا، والد روسا ماريا بايا، في ظروف غامضة في العام 2012، وقعت على كاهلها مسؤولية المطالبة بتحقيق رسمي وبمعاملة عادلة للمنشقين في كوبا. أمثال هؤلاء الأفراد هم بحاجة دائمة إلى الدعم، لأن ما من سبيل شرعي للاحتجاج في بلادهم، أو اتحاد أمريكي للحريات المدنية أو صحيفة مثل الواشنطن بوست أو حزب معارض يدافع عن حقوقهم.

إن كانت تشغلكم مسألة الصحة العامة أو الفقر أو السلام فمهّتكم واضحة: قاوموا الطغيان

ولكي تتم مقاومة الطغيان والدكتاتورية بالطريقة الصحيحة، ولكي تُعالج الأزمات الكثيرة الناجمة عنهما، ومن ضمنها الصراع المسلح والفقر والتطرف، من جذورها، لا بد أن يكون ذلك بتوفير الدعم والمشورة الإستراتيجية والتدريب التقني والانتباه لهؤلاء المنشقين. ولكي ينقلب الموقف ضدّ القمع، فلا بد أن ينضم أشخاص من جميع المجالات إلى هذه الحركة. أيّها الفنانون وأصحاب المشاريع والعاملون في التكنولوجيا والمستثمرون والدبلوماسيون والطلبة، وبصرف النظر عمّن تكونون، يمكنكم أن تنضموا لمنظّمات المجتمع المدني المهددة وتسألوا كيف يمكنكم أن تقدموا يد العون باستخدام معرفتكم ومواردكم ومهاراتكم. يحكم الطغاة اليوم جزءاً متزايداً من الأرض، ولكن قادة العالم الحر يفتقرون إلى الدافع والمبادرة لخلق عصبة للدول الديمقراطية على غرار الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، نعتقد، كأفراد يعيشون في مجتمع حرّ، أن من واجبنا الأخلاقي أن نطلق المبادرات لنفضح انتهاكات حقوق الإنسان وأن نستعمل حريتنا لمساعدة الآخرين على الحصول على حريتهم. غاري كاسباروف ناشط روسي وبطل عالمي سابق في الشطرنج. وهو رئيس مجلس إدارة هيومن ريتس فونديشن، ومقرها نيويورك. وتور هالفورسين هو رئيس المؤسسة ومديرها التنفيذي. نشر هذا المقال بنسخته الإنجليزية على موقع صحيفة الواشنطن بوست.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard