آلاف الكلمات القبطية في أحاديث المصريين اليومية... تعرفوا إلى بعضها
السبت 18 فبراير 201710:53 ص
يتعجب غالبية المصريين من صعوبة اللغة القبطية حينما يستمعون لقداس أو صلوات وترانيم مسيحية، خاصة مع نقل قداس عيد الميلاد المجيد على الهواء سنوياً.
لكن ما لا يعرفونه هو أنهم يستخدمون آلاف الكلمات القبطية في حديثهم اليومي، ويظنون أنها عربية، كقولهم "شنة ورنة" و"كاني وماني". وثمة مفردات غريبة أخرى يتداولونها، كـ"جعمز" و"فنخ" و"برش".
من أين جاءت تلك الكلمات؟ وما هي جذورها؟
تناولنا في موضوع سابق نشأة اللهجات العربية المختلفة وامتزاج ثقافات الشعوب الأصلية مع الثقافة العربية الإسلامية التي انتشرت في تلك الدول. ونطرح، في هذه العجالة، العلاقة بين المصرية العامية والقبطية، وهي تطور اللغة المصرية القديمة، أي الهيروغليفية، التي سادت مصر قبل أن يفتحها عمرو ابن العاص.
ليست مجرد مفردات
"علاقة العامية والقبطية ليست مجرد مفردات"، يقول الدكتور لؤي محمود سعيد، مدير برنامج الدراسات القبطية بمكتبة الاسكندرية لرصيف22. ويضيف: "الثقافة العربية الإسلامية التي دخلت مصر مع عمرو ابن العاص امتزجت بثقافة المصريين القبطية السائدة حينذاك، وشمل هذا الامتزاج الفن والعمارة والأدب". اللهجة العامية، برأيه، أبرز مظاهر هذا المزج بين الثقافتين. فهي مخلوق جديد نتاج تزاوج لغتين، يحمل خصائص كلا الأبوين. تشكلت البنية الأساسية لهذه اللهجة في القرنين العاشر والـ11 الميلاديين، وهو ما أثبتته مخطوطات كُتب نصفها بالعربية والنصف الآخر بالقبطية، وتعود لتلك الحقبة. وتبدلت اللهجة خلال القرون الماضية نتيجة التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى من خلال السفر والهجرات والاحتلال، ومن ثم السوشيل ميديا والإنترنت خلال العقد الأخير.
أسباب البقاء
في امتزاج القبطية بالعامية، رمزية لا يمكن إنكارها. فهي، برأي سعيد، دليل على ترابط النسيج المصري واختلاط الوافد بالموروث، والعلاقة المطردة بينهما. وهي مزية لا توجد في جميع اللهجات. لم تستسلم اللغة القبطية للعربية الوافدة، كما حصل مع اليونانية التي انقسمت إلى لغة قديمة لا يفقه المعاصرون منها شيئاً، ولغة حديثة متداولة. ولم تتبدل العربية حينما دخل إليها الاستعمار، فتتلقف مفردات أجنبية، كما حصل في الجزائر وتونس.شنة ورنة، كاني وماني، كحك، البعبع، شبشب وغيرها من الكلمات القبطية، تعيش حتى اليوم في العامية المصرية
يتعجب المصريون من صعوبة اللغة القبطية، لكن ما لا يعرفونه هو أنهم يستخدمونها في حديثهم اليوميوقد حافظ المصري على الكثير من مفردات الفراعنة التي تنتشر في منطقة الريف والصعيد، حيث التمسك بالعادات والتقاليد الموروثة، لا سيما القبطية منها. أي أن المصري أجاد فن التحنيط في مختلف المجالات. يعلل ماجد الراهب، خبير التراث المصري، استمرار اللهجة القبطية لسهولة مفرداتها. فاللغة المستخدمة انتقائية وتنتشر بحسب توافقها مع ميول المجتمع وحالته النفسية والاقتصادية. لذا نلاحظ استخدامها مع الطفل الحديث الولادة مثل "مم، أمبو، تاتا، بعبع، ننه". وكذلك مع الحيوانات مثل "شي، حا، هس، جر، زر" ومع الطير مثل "هش".
تأثير القبطية في العامية
ليس أثر القبطية في العامية في مصر مجرد تبادل مصطلحات، أو كلمات دخلت القاموس العربي كما دخلت كلمة "تلفزيون"، إنما تأثرت بها من حيث نطق الحروف وبنية الجملة وتركيبها، بحسب سعيد. ويعدد سعيد بضعة أمثلة على ذلك، لافتاً إلى أن اسم الإشارة في العربية يسبق الاسم، فيقال بالعربية: هذا الرجل في حين تُقلب الأمور في اللهجة المصرية، فيقال: الرجل دا، ودا تعني هذا، كما أن المصري لا ينطق الحروف اللسانية مثل "ذ" و"س"، بفعل تأثير اللغة القبطية. ويؤكد الراهب على ذلك، مضيفاً أن المصريين غيّروا كثيراً من قواعد العربية نتيجة تأثرهم باللسان القبطي، فهم يقولون "محصلش" أي لم يحصل، وهنا يلي النفي الفعل ولا يسبقه كعادة العرب. كما أنهم لا يستخدمون الجملة الفعلية في حديثهم إطلاقاً فيقولون أنا حروّح أي سأذهب.
لا يمكن حصرها
بينما يسعى بعض المهتمين بتاريخ اللغات إلى جمع وإحصاء ما تبقى من الكلمات القبطية أو وضع قاموس لها، يرى خبير الآثار حجاجي إبراهيم أن تحقيق هذه الفكرة مستحيل، مقللاً من قيمة محاولات بعض الدارسين والباحثين التي يعتبرها غير مكتملة. يتفق معه سعيد على هذه النقطة، يقول: "لا يمكن حصر العامية، وبالتالي لا يمكن حصر تصنيفات تندرج أسفلها، كالكلمات القبطية أو الهيروغليفية أو غيرها". إلا أنه لا ينكر وجود اجتهادات عديدة في هذا الشأن، منها ما ورد في أطروحة دكتوراه أعدها القس شنودة ماهر، باللغة الإنجليزية عام 1975 في جامعة أكسفورد بإنجلترا. وهي من 8 أجزاء تناولت تأثير اللغة القبطية في العامية المصرية في مجال القواعد والمصطلحات والمفردات، لكنها لم تنشر. يوافق ماجد الراهب، الباحث في التراث المصري، على صعوبة الحصر الكامل للمفردات القبطية في اللهجة المصرية المحكية، لكنه يثني على الكثير من محاولات الإحصاء الجادة، والتي استطاعت رصد 13 ألف مفردة قبطية محكية. وهناك من وجد أكثر من ذلك.