شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
العنصرية والطبقية والعنف من شوارع مصر إلى الإعلانات التجارية

العنصرية والطبقية والعنف من شوارع مصر إلى الإعلانات التجارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 5 فبراير 201710:05 ص
في شهر أغسطس من العام 2016 أطلقت إحدى صالات كمال الأجسام المصرية إعلاناً وُصف بالعنصري تجاه السيدات، إذ ظهر في الإعلان ثمرة كمثري (في إشارة إلى البدينات)، ومكتوب تحتها باللغة الإنجليزية "هذا ليس جسماً لفتاة". وهذا ما أدّى إلى اتهامات للصالة الرياضية بالإساءة إلى السيدات البدينات بإعلان من الممكن أن يسبب لهن أذى نفسياً. الجدل جعل الصالة تعتذر عن الإعلان وتوقفه، لكن الحقيقة أن الإعلان رغم عنصريته كان ترجمة حرفية للمضايقات التي تتعرض لها البدينات في شوارع مصر، فضلاً عن التحرش. يعاني المجتمع المصري من أزمات عدة، منها العنصرية والطبقية والعنف، وهو المثلث الذي تؤكد إحصائيات عدة ارتفاع مؤشراته في مصر. على سبيل المثال حرّر مواطن غاني يدرس بجامعة الأزهر يدعى محمد أول صالح، في شهر يونيو من العام 2016، محضراَ بقسم شرطة حي الجمالية (أحد أحياء القاهرة العريقة)، ضد مجموعة من الأشخاص، يتهمهم فيه بالاعتداء عليه وعلى زوجته بالرشق بالحجارة. وقال صالح في المحضر أن سبب الاعتداء عليه هو أنه أسود البشرة.
وعود للمستهلكين بإبعادهم عن الفقراء، وأحزمة تنهال على أجساد أطفال.. عينة من ما تعرضه بعض الإعلانات في مصر
من ناحية أخرى، يعرف كثير من المصريين أن بعض رجال الشرطة يوقفون مواطنين في الشارع لأسباب طبقية. إذا كانت سيارتك وملابسك تدل على أنك غني فأنت في أمان وإذا ظهر عليك الفقر فحينها يتم توقيفك وتفتيشك في الكمائن الأمنية. كما من الشائع أن ترى أباً (أو أمّاً) يضرب ابنه في الشارع. كل هذا الجنون وأكثر انتقل من الشارع إلى عالم الإعلانات التجارية، بقصد أو بدون قصد.

ابتعد عن الفقراء وعش مع ناس شبهك

"علشان مش أي حد يسكن في لايف بارك، بنعمل انترفيو للناس قبل أن يسكنوا" بهذه الجملة تبدأ الحملة الإعلانية لواحد من المنتجعات السكنية بمدينة السادس من أكتوبر (منطقة حديثة تقع على أطراف القاهرة). في أحد إعلانات الحملة تظهر سيدة يبدو عليها أنها من منطقة شعبية رغم أنها ترتدي ملابس غالية، تتحدث السيدة بنفس الطريقة التي يتحدث بها العديد من سكان العشوائيات في مصر. تحاول السيدة الحصول على شقة سكنية في المنتج لكن موظفة الشركة تختم استمارتها بكلمة مرفوض.
يعدك الإعلان بأن تعيش مع أناس من مستواك نفسه، لا مكان في المنتجع للفقراء والناس "البيئة"، وهي إهانة تستخدم في الشارع المصري لوصف غير المتعلمين حتى ولو كانوا أغنياء. في إعلان آخر لنفس الشركة. يظهر رجل بسيط لا يستطيع أن ينطق الكلمات الإنجليزية بطريقة سليمة، فيتم رفضه أيضاً. أنت لا تستطيع أن تتكلم إنجليزية سليمة وتريد الحياة بيننا؟ بالتأكيد لا!
تتشابه الحملة مع حملة إعلانية لشركة أخرى هي "ماونتن فيو" التي قدمت أكثر من إعلان يعد المشاهد بأن يبتعد تماماً عن الفقراء لو اشترى لنفسه مسكناً في المنتجع. في أحد إعلانات الشركة يقف شخص ما وبجانبه صديقه وهو يشوي لحوماً في حديقة المنزل الفاخر، ويتحدث عن ذكرياته في أمريكا قبل أن يظهر مواطن قادم من منطقة شعبية يقود "موتوسيكل" ويستمع لأغاني مهرجانات (أغاني تحقق نجاحاً كبيراً في عشوائيات مصر) ويطلب منه أن يجهز له ساندوتش "كبدة"، فيقول له الرجل بالإنجليزية what؟ فلا يفهم الرجل الشعبي الكلمة ويظنه يقول له "بط".
وجاء في إعلان تليفزيوني آخر خاص بمنتجع "باراديس رأس سدر": "لما بنلاقي (نجد) الناس اللي شبهنا، الحياة بتبقى (تصبح) أحلى كتير" شبهنا هنا يعني بها الإعلان الناس من نفس طبقتنا ومستوانا الاجتماعي. وبالتالي يقنعك الإعلان أن تـ"عيش وسط ناس شبهك"، وتبتعد تماماً عن أكثر من 30 مليون مصري هم عدد من يعيشون تحت خط الفقر بحسب إحصاء حكومي، لكن منظمات مجتمع مدني تعتبر أن الرقم قد يكون أكبر.

العنف ضد الأطفال

الطبقية والعنصرية ليستا كل شيء تنقله الإعلانات التجارية من الشارع إلى الشاشة، فهناك أيضاً الانتهاكات ضد الأطفال، إذ تعرض قنوات عدة منها قناة روتانا سينما إعلاناً تقوم ببطولته الممثلة المصرية هالة فاخر. يسوّق الإعلان لإحدى شركات صيانة الغسالات الأتوماتيك، تظهر في الإعلان فاخر وهي جالسة تجهز قهوتها وتهين ابنها وتطلب منه القيام بأعمال المنزل ومنها تنظيف المطبخ، مستخدمة في ذلك ألفاظاً غير لائقة توجهها لطفل، "يا نيلة النيلة، يا موكوس". ورغم أن الإعلان ينتهك المواثيق المتعلقة بحقوق الأطفال فهو لم يتوقف، ولم ترفض أي قناة مصرية عرضه.
إعلان فاخر ليس الوحيد الذي ينتهك حق الطفل، فهناك إعلان آخر سبب جدلاً في مصر قبل أن يتم وقفه. الإعلان لمنتج بطاطس فوكس، ويظهر فيه ابن يقول لوالده إنه حين يأكل هذا المنتج يرى المستقبل، يصفعه الأب بعنف شديد على وجهه قائلاً له "شوفت ده؟".
لكن العنف يتخذ شكلاً أكثر حدة في إعلان لشوكولاتة ماندولين، ويظهر فيه مراهق يصفف شعره أمام المرآه وبجانبه شقيقته الصغيرة، وفجأة يقتحم الأب الغرفة غاضباً إذ لا يعجبه مظهر ابنه وطريقة لبسه، ويبدأ فى فك حزام بنطلونه فتخرج الطفلة الصغيرة جرياً من الغرفة مرتعشه، ويقوم الأب بغلق الغرفة وينهال بالحزام ضرباً على ابنه وسط صراخ الأم والطفل.
حزام آخر ينهال على جسد طفل آخر ولكن في اعلان لشركة مختلفة، يظهر أب أو ابنه على أريكة أمام شاشة التليفزيون، يشاهدون مسابقة، يفشل الطفل في الإجابة على كل أسئلة المسابقة فيخلع الأب حزامه ويقرر ضرب ابنه.
&feature=youtu.be تترجم تلك الإعلانات كيف تقوم بعض العائلات المصرية بتربية أبنائها عن طريق العنف، وبحسب إحصائية رسمية للمجلس القومي للأمومة والطفولة (حكومي)، فهناك 2284 حالة عنف ضد الأطفال في 2016.

ليست حرية تعبير

"بعض الإعلانات المصرية تخطى حدود حرية التعبير ووصل إلى الانفلات الأخلاقي والتعدي على حريات الآخرين وايذائهم إيذاء متعمداً ومقصوداً"، هكذا ترى المعالجة النفسية المصرية سلمى محمود التي تضيف لرصيف22 أن التعرض لمشاهدة بعض الإعلانات المليئة بالعنف والعنصرية عظيم الأثر على المُشاهد الذي يتلقى هذه الشحنات العالية من العنف والغضب، كما أنها تزيد من احتمالات السلوك العنيف من جانب المُتلقي، خاصة الأطفال". وتضيف محمود: "بحسب نظرية عالم النفس البرت باندورا عن التعلم الاجتماعي فأن الإنسان يميل إلى مُحاكاة النماذج التي يراها، ليتماهى تماماً مع ما يشاهده ويتوحد معه لا شعورياً، وهو ما يؤثر بدوره على القيم والمعتقدات والسلوكيات التي أصبحت تتغير للأسوأ في تدنٍّ واضح ومخيف خلال السنوات الأخيرة". وتفسر محمود لماذا بات العديد من المصريين يرون هذه الإعلانات أمراً عادياً ولا تحوي أي أمر غريب حين تقول "تأخذ استجابات المتلقي للمحتوى الإعلاني أشكالاً مختلفة وفقاً لنمط شخصيته وقابليته للتأثر، فقد يصبح أكثر عدوانية ورغبة في إيذاء الآخرين، وقد يتسبب العرض المتكرر لهذه المشاهد في أن يصبح الفرد أقل حساسية للألم والمعاناة، وفي كل الأحوال هي استجابات متطرفة ناتجة من المحتوى العنيف أو العنصري الذي يُشاهده المتلقي باستمرار".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard