شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تساءلتم يوماً لِمَ البرد في الشوارع أقل قرساً من منازلكم؟

هل تساءلتم يوماً لِمَ البرد في الشوارع أقل قرساً من منازلكم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 22 أبريل 201710:26 ص
تجلسون في المنزل وتغلقون كل النوافذ والأبواب، ترتدون ملابس شتوية حتى يستحيل على أفراد عائلاتكم التعرف إليكم أحياناً، ومع ذلك تشعرون بأن البرودة ما زالت تتخلل في عظامكم. أول ما قد يخطر في بالكم هو الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، التي باتت البلدان العربية تشهده أخيراً، نتيجة التغيّرات المناخية. لكن هل فكرتم يوماً أن تصميم وطريقة بناء منازلنا ربما يكونان سبباً رئيسياً في مضاعفة إحساسنا بالبرد في الشتاء، ومضاعفة شعورنا بالحرارة في الصيف؟ هل سبق وفكرتم أن منازلكم أبعد من كونها مجرد حيطان وسقف وغرف؟ وأن هذه المنازل من المفترض أنها صُممت خصيصاً لتوفير أقصى درجات الراحة للإنسان، بما في ذلك ما يعرف في العمارة بـ"الراحة الحرارية". وهي تعني الدراسة الدقيقة لتصميم المنازل ودراسة المناخ، والمواد المستخدمة في البناء وتصميم المبنى بطريقة تجعل درجات الحرارة الخارجية، لا تتسرب إلى الداخل. لكن على أرض الواقع قلما تؤخذ مثل هذه التفاصيل بعين الاعتبار، خصوصاً في المباني الحديثة.

الطعام المفرط والبطانية واللكلوك

كانت الطالبة مروة قدري، التي تعيش في محافظة طنطا، تشعر دائماً بأن درجة الحرارة في منزلها، أكثر انخفاضاً من درجة الحرارة في الشارع. لكنها كانت ترجع ذلك إلى حركة الإنسان في الشارع كطاقة تدفئه، عكس المنزل الذي يجلس فيه الفرد في مكان واحد ويرتدي ملابس ثقيلة. تقول: "مهما كنا نحاول تدفئة المنزل يظل بارداً، كنا نتغلب على هذا الأمر بوضع مدافىء كهربائية في كل حجرات المنزل". أما ربة المنزل حنان محمد، فتقول إنها تتغلب على برودة المنزل الدائمة في الشتاء، من خلال ارتداء "اللكلوك"، وهو نوع مشهور من الجوارب في مصر له أشكال الدمى، ويكون من الفرو أو الصوف، والملابس الثقيلة، طوال وقت وجودها في المنزل. كذلك تفعل إيمان السيد، التي تعيش في محافظة الإسكندرية، إذ تشعر أن منزلها يشع بالبرودة طوال الوقت، وتتغلب على هذا الإحساس أيضاً "بارتداء اللكلوك، وتناول كميات كبيرة من المشروبات الدافئة والطعام والطعام ثم الطعام". وتقول المصرية إيناس حامد، التي تعيش في تركيا، إنها لاحظت هذا الأمر بوضوح حين انتقلت إلى أوروبا سابقاً. فالمنازل هناك فيها عوازل حرارية، ما يجعل البيت دافئاً طوال فترة الشتاء، إضافة إلى تركيب أرضيات من الخشب، الذي يعد موصل رديء للحرارة. وتتذكر أن منزلها في حي المقطم بالقاهرة كان دائماً بارداً جداً.

الأزمة في عمارة المنزل

"الأمر يعتمد على العديد من العناصر المتعلقة بالبناء والمواد المستخدمة ودراسة المناخ والفراغات حول المبنى، كل هذا يجب النظر إليه ملياً لتوفير درجات الحرارة المناسبة داخل المبنى"، يقول الدكتور طارق نجا، أحد أبرز المعماريين المصريين. ويوضح أن العديد من المواد المستخدمة في البناء حالياً لها خصائص تجعلها تمتص درجات الحرارة ثم تعيد إشعاعها، وهذا ما يزيد الشعور بأن المنازل أبرد في الشتاء، وأكثر حرارة في الصيف، خصوصاً إذا لم تُستخدم مواد عازلة للحرارة في البناء. ويضيف نجا: "كل مبنى يجب أن يتم دراسته كحالة منفصلة، ليس هناك قاعدة عامة يمكن تطبيقها على كل شيء، لكن بالطبع يجب الأخذ في الاعتبار عوامل الطقس والرطوبة لأن كل هذا يؤثر على الإحساس بالراحة داخل المبنى". في كتاب "عمارة الفقراء" للمعماري المصري حسن فتحي، مقولة شهيرة: "كمهندس، ما دمت أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس، فإن الله لن يغفر لي مطلقاً أن أرفع متعمداً الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية". وترى المعمارية تسنيم عبد اللطيف أن هناك قاعدة معمارية، تقول إن مواد البناء، حين يتم استخراجها من البيئة التي سيجري البناء فيها، تكون هي الأفضل تماماً مثل البناء بالطين في الريف، والحجر في الصحراء. وتقول: "أكبر خطأ وقع فيه الإنسان المعاصر، هو نقله للمباني الخرسانية من دون معرفة هل هي مناسبة للبيئة أم لا".

عشوائيات باهظة الثمن

في السياق نفسه، تقول هبة مؤنس المدرّسة المساعدة للعمارة في جامعة الإسكندرية، والتي أعدت رسالة الماجستير في موضوع العلاقة بين الراحة الحرارية وصحة الإنسان: "هذا التخصص كبير في العمارة وزاخر بالتفاصيل، يتم إهماله في بلادنا، إما لغياب الرقابة أو لغياب القوانين التي تلزم المهندسين والمقاولين. وتضيف: "قديماً، عرفت مصر محاولات عديدة للاهتمام بصحة الإنسان وراحته، لذلك لا نجد هذا العيب في غالبية المنازل القديمة أو المباني الأثرية مثلاً، لكننا أصبحنا نعيش في ما يشبه العشوائيات، لكنها باهظة الثمن". وأضافت أن العمارة غير معنية بشكل المباني فقط، وإنما بتلبية احتياجات الإنسان وعدم التأثير السلبي عليه، سواء من الناحية المزاجية أو الجسمانية، أو من ناحية احتياجاته. وبصورة أساسية، تشير مؤنس إلى أن: "هناك ما يعرف بالغلاف الخارجي للمبنى، وهو الجزء الفاصل من الظروف المناخية الخارجية، فيه العديد من العناصر التي يمكن التحكم فيها لضبط درجات الحرارة داخل المباني، مثل سماكة الحوائط". وتؤكد أنه كلما كان سمك الحائط وكتلته أكبر، كان نقله للحرارة أبطأ. أيضاً المادة التي تم البناء بها، مثل الطوب الأحمر أو الخرسان أو الحديد، أو غيره، ومن ضمن ذلك أيضاً، استخدام المواد العازلة للحرارة والصوت. أما العنصر الثالث، برأي مؤنس، فهو التسريب الهوائي، الذي يتم عبر الغلاف الخارجي للمبنى، حين يكون غير محكم الإغلاق، فيترك فراغات لتسريب الهواء والحرارة. وأخيراً العنصر الخاص بالتصميم المعماري، من طول وعرض ودرجة تعرض للشمس ومساحة الشبابيك. وإذا أخطأ المعماري في ذلك نجد أن المباني في الصيف حارة جداً، وفي الشتاء باردة جداً، نتيجة لعدم تعرض المبنى للحرارة المناسبة. وتشير مؤنس إلى أن إهمال الراحة الحرارية للمباني، يمكن أن يصيب الناس بالعديد من الأمراض الجسمانية والنفسية، مثل أدوار البرد، زيادة ضربات القلب، وضغط الدم. وقد تصل إلى الموت نتيجة لموجات الصقيع أو الموجات الحارة. وفي الصيف، يتعرض الإنسان لأمراض الجفاف ونقص البلازما في الدم، نتيجة لخروج الماء من الجسم بشكل سريع، بسبب درجات الحرارة العالية، بالإضافة إلى أزمات التنفس.

والحل؟

هناك العديد من الحلول تنصح بها مؤنس مثل استخدام أبواب وشبابيك مزدوجة، تكون فعاليتها الحرارية أعلى، والتأكد من تركيبها بطريقة جيدة لا تسمح بأي تسرب حراري في المبنى، فضلاً عن عزل واجهات المبنى، والاهتمام بإدخال الشمس إلى المنزل. وأخيراً يمكن إعادة ترتيب الغرف حتى تناسب المتطلبات الحرارية لكل نشاط. مثلاً لا يفضّل أن يكون السرير تحت الشباك مباشرة، أو إلى جوار حائط خارجي، علماً أن الحجرات الداخلية تكون أدفى من الحجرات التي لها واجهات على الشارع في الشتاء. ووتختم عبد اللطيف: "على المدى البعيد، إن هذا الأمر يؤدي إلى تزايد المطالب بتطبيق نظريات التنمية المستدامة، أي استعمال مواد من البيئة يسهل إعادة استخدامها، وهذا يقلل تشغيل الطاقة والأجهزة الحديثة، ويوفر عنصر الراحة الحرارية. وأصبح المعماري بين أمرين، هل يطبق نظريات التنمية المستدامة، أو يبني المباني الخرسانية التي توفر عدداً أكبر من الوحدات السكنية؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard