شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الجمهور العربي... لماذا يحكم قبل أن يقرأ؟

الجمهور العربي... لماذا يحكم قبل أن يقرأ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 18 يناير 201706:32 م
ثمة أسباب متعددة تفسر ظاهرة أن عدداً كبيراً من الجمهور العربي، يكتفي بقراءة العناوين وسطور قليلة من المقدمة، في تعامله مع الصحف والمواقع الالكترونية، ثم المسارعة في كتابة تعليق أو اتخاذ موقف من المادة المنشورة، دون إتمام قراءتها، متعجلاً في إصدار أحكامه وإبداء آرائه، وفقاً لتوجهاته ومواقفه المسبقة. فالجماهير العربية، وفق العديد من الدراسات الإعلامية الحديثة، فقدت الثقة والمصداقية في الصحف الإلكترونية، كما أنها تمتلك اتجاهات عدائية في تعاملها مع وسائل الإعلام بشكل عام. أضف إلى ذلك أن الجمهور العربي غير محب للقراءة، ويسعى سريعاً للتنقل بين الأخبار والتقارير، ولا يتوقف لقراءة التفاصيل، إلا ما يتفق مع أهوائه وآرائه. غير أن هناك عوامل أخرى ترتبط بالصحف والمواقع الإلكترونية نفسها، التي يفشل بعضها في تقديم محتوى جذاب للقارئ، أو صياغة عنوان ومقدمة تحيط علماً بأهم مضامين المادة المنشورة. ومع التسابق الرهيب بين آلاف الوسائل الإعلامية الإلكترونية، تصبح جميع السبل مباحة لجلب مزيد من القراء، ولو على حساب المعايير المهنية والأخلاقية، وهو أمر قد ينفر الجمهور في النهاية.

غياب الثقة

"مصداقية الصحف الإلكترونية" هي دراسة على عينة من الشباب المصري، أجرتها الباحثة سماح الشهاوي بكلية إعلام جامعة القاهرة، وتوصلت إلى أن الصحف الإلكترونية تتسم بمصداقية متوسطة. ورأى 57% من الشباب أن الصحف الإلكترونية المصرية تتسم بغياب المعالجة الموضوعية والمتزنة، ورأى 80% منهم أن الصحافة الإلكترونية بعيدة عن الدقة، بينما أكد 51% أن الصحف الإلكترونية بعيدة عن الالتزام بأخلاقيات المهنة. غير أن الدراسة نفت وجود علاقة بين المصداقية ومعدل استخدام الصحف الإلكترونية. وأكدت دراسة أجرتها الباحثة الجزائرية يمنية بلعاليا، بعنوان "الصحافة الإلكترونية في الجزائر: بين تحدي الواقع والتطلع نحو المستقبل" بجامعة الجزائر، ضعف مصداقية الصحف الإلكترونية لدى القارئ الجزائري، بسبب عدم ثقته بمصادر المعلومات، ومشاكل حماية الملكية الفكرية. وكشفت دراسة أجرتها الصحفية اليمنية رندى باعشن، عن الإعلام الإلكتروني وأثره في معارف واتجاهات وسلوكيات الشباب في عدن، أن الشباب اليمني غير واثق تماماً بالصحف الإلكترونية. بينما أوضحت دراسة بعنوان "استخدامات الشباب الجامعي للصحافة الإلكترونية في البحرين والإشباعات المتحققة"، للباحثة ميساء رشيد، أن 75% طالبوا بوجود رقابة على محتوى الصحف الإلكترونية لتجنب نشر الفضائح والشائعات والأكاذيب. واشتكى 8.4% من سوء استغلال خاصية التعليق على الخبر.

الانتقائية

أشارت رسالة ماجستير بجامعة عين شمس المصرية، عن استخدام المواقع الإخبارية والإشباع المتحقق منها، إلى أن القراء يتبعون نمطاً انتقائياً في تصفحهم للمادة الصحفية، فيختار معظمهم أجزاء محددة من المادة الإخبارية لقراءتها بالتفصيل، بينما تقرأ نسبة أقل معظم المادة قراءة سريعة. وقالت الدراسة إن مستخدمي المواقع الإخبارية يميلون عموماً إلى التصفح السريع للمادة، لأن القراءة من على شاشة الكومبيوتر مرهقة للعين، وأبطأ من القراءة على وسيط ورقي. لذا يلجأ المستخدمون إلى تقليل عدد الكلمات التي يقرؤونها، ما يعني أن المستخدم يبدأ عادة بتصفح المادة بشكل سطحي وسريع، ليلتقط منها بعد ذلك نقاطاً محددة لاستعراضها بالتفصيل.

مسؤولية الإعلام

يوضح الدكتور سامح الشريف، خبير الإعلام الجديد وعضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة العامة بالرياض، أن وسائل الإعلام الإلكترونية تواجه موجة عاتية من النقد، من الجمهور المتابع لها.
يقرأ العنوان والمقدمة ثم ينهال بالشتائم على صاحب المحتوى.. سلوك معتاد لدى جزء كبير من الجمهور العربي
ويمكن تحليل هذه الظاهرة المربكة في ضوء العديد من العوامل والمتغيرات، التي تجلي الموقف وتفك طلاسم هذه العلاقة المتأزمة، التي أصبحت تربط بين الإعلام وجمهوره. وأبرز هذه العوامل، تدني مستويات مصداقية وسائل الإعلام، بتأثير العديد من الأسباب، التي تنتقص من مكانة وسائل الإعلام في المجتمع، وأهمها الغياب الكبير لمستويات المسؤولية الاجتماعية للإعلام، وغلبة معايير الإثارة والربح على المعايير المهنية، ومصالح المجتمع والمواطن، وولع المواقع الإلكترونية ومحرري السوشال ميديا بالترافيك، والرغبة في تحقيق أعلى المعدلات على حساب المحتوى، حتى لو بفبركة عناوين أو بتغيير عناوين المواد على السوشيال ميديا، واللجوء لمواد الإثارة الجنسية، وإرفاق صور مثيرة لا علاقة لها بمحتوى الخبر، أو صياغة عناوين بشكل مبالغ فيه لدفع المتابع للضغط على الرابط. كل ذلك لزيادة الترافيك، وجلب أرباح طائلة من الإعلانات، فضلاً عن الرغبة في السبق الإخباري. وسرعان ما يكتشف الجمهور بعد دقائق معدودة أنها غير صحيحة. والأغرب أن الموقع ينشر الخبر الصحيح مذيلاً بعبارة تحديث، وكأنه أضاف جديداً للمادة الصحفية. هذه الأسباب وغيرها أفقدت الإعلام مصداقيته لدى الجمهور، ويكفي للدلالة على ذلك، متابعة تعليقات القراء على المحتوى المنشور على السوشال ميديا، أو داخل الموقع الإخباري نفسه، لتجد الجمهور يكيل لمحرر المادة والموقع مختلف الاتهامات، وألوان النقد، والشتائم في بعض الأحيان.

تعسف الجمهور

يشير الشريف إلى أن الجمهور يتعسف في بعض الأحيان في أحكامه على المحتوى الإعلامي، وقد سميت هذه الظاهرة بالاتجاه العدائي لوسائل الإعلام Hostile media effect. فبعض فئات الجمهور ينظر للمحتوى الإعلامي على أنه غير محايد، حتى ولو كان المحتوى محايداً بالفعل، ويعبر عن مختلف زوايا الخبر بشكل عادل. وقد اختبرت البحوث هذه الظاهرة تجريبياً، وتحققت من صحتها، ولاحظت وجود هذه الحالة من العداء لدى الجمهور الحزبي، أو الذي يحمل توجهات سياسية معينة، أو من لديه توجهات مسبقة عن الأداء الإعلامي، ما يجعله غير محايد في حكمه على المحتوى الإعلامي. ووجدت الدراسات الإعلامية، بحسب الشريف، تكوّن الاتجاهات العدائية للجمهور نحو التغطية الإعلامية بالتطبيق على العديد من القضايا والأحداث، خصوصاً الجدلية منها، وفي صدارتها الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع في البوسنة والأغذية المعدلة جينياً، والحملات الانتخابية، والصراعات العرقية والدينية وسياسات الأمن الاجتماعي. كما أثبتت الدراسات تشكل الاتجاهات العدائية نفسها في قضايا تتعلق بانتقال السلطة في مصر عقب ثورة 25 يناير، وتناول التوك شو لازمة الإعلان الدستوري في مصر عام 2012. ووجدت أن الجمهور ينظر للمعالجة الإعلامية على أنها غير متوازنة، ومتحيزة للطرف الآخر، الذي لا يؤيده أفراد الجمهور. رغم أن الدراسات انتقت نصوصاً إعلامية متوازنة تتيح المساحة نفسها لكل طرف في الأزمة. وأجريت دراسة على اتجاهات نحو تغطية الشبكات الإخبارية للحرب الإسرائيلية على لبنان، كشفت أن التقارير الإعلامية لم تؤثر على اتجاهات الجمهور، الذي نظر للتغطية الإعلامية على أنها غير موضوعية. وتقدم هذه النظرية تبريراً علمياً للانتقادات المتزايدة، التي توجه للتناول الإعلامي، وتدعم فكرة الجمهور الإيجابي، الذي يقاوم ما تقدمه وسائل الإعلام، ولا ينقاد إلى ما تقدّمه له، ويلتزم برأيه المسبق في القضايا الجدلية. ولكن المشكلة أن التعاطي الإيجابي مع محتوى وسائل الإعلام، كثيراً ما يؤدي إلى عادات سلبية. فيرفض بعض القراء الإيجابيين الحقائق لمجرّد أنها تعارض آراءهم المسبقة.

تجويد الصياغة

يطالب خبير الإعلام الجديد بضرورة الانتباه لأساليب التماس الجمهور للمعلومات من وسائل الإعلام، أو ما يسمى في أدبيات الإعلام والعلوم الاجتماعية Information seeking. فبعض فئات الجمهور لا يميل لقراءة تفاصيل الخبر، أو الموضوع الصحفي، ويكتفي بقراءة العناوين أو المقدمات، أو بعض فقرات المقال كالخاتمة، ما لا يجعله ملماً بتفاصيل الموضوع للحكم عليه. لذا يتسرع في انتقاد وسائل الإعلام، ما يحمل هذه الوسائل مسؤولية تجويد صياغة المواد الصحفية، خصوصاً لدى محرري السوشال ميديا. وأشارت سميرة موسى، مدرّسة الصحافة المساعد بجامعة كفر الشيخ المصرية، إلى أن عادات القراءة عند الجماهير العربية للصحف الإلكترونية، تختلف من فئة عمرية لأخرى، ومن مستوي تعليمي لآخر. فالشباب والمراهقون لا يهتمون بقراءة الموضوعات الكاملة، كما يفعل الأكبر عمراً. ولفتت إلى أن من عادة الجمهور العربي الاهتمام بقراءة العناوين ومقدمات الأخبار، مستشهدةً بالتقارير الكثيرة التي أكّدت أن العرب لا يقرأون الكثير من الكتب. فقد جاء مثلاً في "تقرير التنمية الثقافية" للعام 2011، الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي"، أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً والأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً. واعتبرت موسى أن هذه النسب تعطي مؤشرات عامة لعدم حب المواطن العربي للقراءة بشكل عام.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard