شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صاحبة الدار شهرزاد

صاحبة الدار شهرزاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 1 يونيو 201704:49 ص

رواية بعد أخرى، تمكنت "حنان الشيخ" من ترسيخ اسمٍ مهم في الأدب اللبناني والعربي. تتميز كتابتها بلغة انسيابية وجذابة، وبدقة وبراعة في الوصف، إضافة إلى تناولها لموضوعات جريئة، وسردها لحكايات آسرة. الروائية اللبنانية قررت في كتابها الأخير "صاحبة الدار شهرزاد" ألا تتأثر بـ"ألف ليلة وليلة" فحسب، كما تأثر قبلها كثيرون، بل قررت أن تسهر الليالي الطوال ليلة بعد ألف، وهي تعيد صياغة بعض القصص بأسلوبها ولغتها، وتضيف إليها من خيالها، لتصبح "شهرزاد" شهرزادها هي، بطلتها وراويتها وشخصية في كتابها هي، لا مجرد فاتنة بعيدة تسهر وتحكي ثم ترحل ما إن يصيح الديك.

يبدأ الكتاب بالقصة المعروفة: قطع العريس "شهريار" رأس عروس جديدة كل صباح بعد ليلة زفافهما. يستمر هذا الحال، حتى يتزوج بـ"شهرزاد" التي تقصّ عليه حكاية تقطعها عند نقطة مثيرة، لترجئ موتها إلى اليوم التالي. وهكذا تمر الأيام والليالي، دون أن تنتهي الحكايات، ودون أن يقطع الملك رأسها.

تتناسل الحكايات كلها من قصة واحدة، إذ يجتمع في بيت واحد: ثلاث أخوات، وثلاثة دراويش، وثلاثة تجار. يشاهد الجميع مشهداً غريباً: "أومأت صاحبة الدار للحمّال أن يتقدم بالكلبتين. وحين فعل ذلك حاولت الكلبتان الاختباء خلفه وهما تولولان كأنهما تبكيان، فانهالت عليهما صاحبة الدار بالسوط دون شفقة أو رحمة… والمتسوقة ماضية في غنائها… وهنا علت وتيرة تأوّه البوّابة آه آه آه وهي تنتحب وتولول، فاختلطت آهاتها بغناء المتسوقة وعويل الكلبتين وعدّ صاحبة الدار لعدد الضربات".

هذا المشهد سيكون هو المفتاح لتتدفق الحكايات، إذ يقصّ كل واحد من الدراويش الثلاثة قصته، ثم يكشف التجار الثلاثة عن شخصياتهم، فما هم إلا الخليفة هارون الرشيد، والشاعر أبو نواس، والوزير جعفر. يسردون قصصهم التي يتداخل بعضها مع حكايات الباقين، خاصة بعد سرد الأخوات لحكاياتهن، فيتكشف الغموض الذي كان يكتنف المشهد السابق.

القصص لا تنتهي هنا، إذ إن الخليفة يقول: "لقد قاسيتنّ أنتن الثلاث من الهمّ والغمّ والوحدة بما فيه الكفاية، عشتنّ وحيدات في عزلة تامة، معتكفات من غير أزواج ولا عائلة ولا أقارب"، ويقرر أن يزوج كل واحد من الرجال بواحدة من النساء. وهنا تبدأ الجولة الثانية، فتلك تحكي حكاية لتثبت أن الرجال هم أصل البلاء، وذاك يحكي قصة ليثبت أن النساء هنَّ الداء، فيما يروي ثالث حكاية تثبت أنه لا يمكن لواحد منهما أن يعيش دون الآخر.

في كتابها، أرادت حنان الشيخ أن تذكّر من قرأ "ألف ليلة وليلة" ببعض الحكايات، ليستمتع بها من جديد، وأرادت تعريف من لم يقرأ الكتاب الأصلي على أجوائه الساحرة، لكن بلغة أبسط وأكثر انسيابية، بأسلوب شهرزاد جديدة تقول: "برافو" للاستحسان، و"أوكي" للموافقة… في كتابها أرادت أن تعيش مع الاثنين (من سبق أن قرأ، ومن لم يقرأ) المغامرات المثيرة، والخيال اللامحدود، والأهم أنها أرادت أن تمتلك "شهرزاد" لتتحرر منها. في "صاحبة الدار شهرزاد" يتمنى القارئ لو أن ديك "شهرزاد الجديدة" لا يصيح في الصفحة 287، لتبقى "الشيخ" مستمرة في حكاياتها إلى أن...

ولدت حنان الشيخ في قرية "أرنون" جنوب لبنان عام 1943، وبدأت في سن مبكرة نشر كتاباتها في جريدة "النهار" ثم في مجلتي "الصياد" و"الحسناء". نشرت روايتها الأولى "انتحار رجل ميت" عام 1970، ثم روايتها الثانية "فرس الشيطان"، لكن الرواية التي ستكون النقطة الأساسية في مسيرتها الأدبية هي "حكاية زهرة" التي ترجمت إلى عدة لغات وحازت على جائزة مجلة Elle في باريس، ثم توالت رواياتها: "مسك الغزال"، "بريد بيروت"، "امرأتان على شاطئ البحر"، "إنها لندن يا عزيزي"، "حكايتي شرح يطول" التي كتبت فيها حكاية أمها ونالت عنها جائزة الرواية العربية التي يمنحها مجلس السفراء العربي في باريس. أصدرت أيضاً مجموعة قصصية بعنوان: "أكنس الشمس عن السطوح". ترجمت رواياتها إلى 21 لغة، منها الإنكليزية، الفرنسية، والألمانية.

تنقلت "الشيخ" للعيش في عدة أماكن، فمن "لبنان" إلى "القاهرة"، ثم "السعودية" لتستقر أخيراً في "لندن"، حيث تقيم الآن، ويبدو أثر تنقلاتها جلياً في رواياتها التي تجري أحداثها في أكثر من بقعة جغرافية.

رفضت "الشيخ" الظهور في برنامج "أوبرا وينفري" بعد روايتها "حكايتي شرح يطول"، إذ اعتبرت أن فريق البرنامج اهتم بالرواية، لأنها تحكي سيرة امرأة مسلمة تتحدى تقاليد مجتمعها وتهجر زوجها مع رجل آخر. فيما ترى "الشيخ" أن ظهورها في البرنامج لهذا السبب، سيكون على حساب شفافيتها وصدقها واحترامها لنفسها وأدبها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard