شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نسمة: قصة صحافية مكتئبة تحولت إلى عارضة أزياء

نسمة: قصة صحافية مكتئبة تحولت إلى عارضة أزياء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 يونيو 201702:43 م

تخلت نسمة الجلاد، المحرِّرة الصحفية التي تعتبر يسري فودة مثلها الأعلى عن عالم الصحافة ودخلت إلى عالم عرض الأزياء.

في أكثر المراحل حرجاً بعد الثورة، عندما كانت القاهرة تعجّ بالمظاهرات والاشتباكات بالقاهرة، حملت نسمة، المحررة في صحيفة "الوطن" المصرية كاميرا ودفتراً صغيراً تدوّن عليه ملاحظاتها ونزلت إلى الشارع. اختارت أن تكون صحافية ميدانية توثِّق لحظات دامية في قلب الأحداث التي شهدتها مصر بعد 25 يناير.

كانت نسمة مهدّدة في أي لحظة لأنّ حاملي الكاميرا يدفعون الثمن دائماً. وتحت ضغط «العنف المتبادل» اكتشفت أنّها لا تحقِّق شيئاً "إلّا الإحباط والاكتئاب"، وفق قولها.

رسمت خطاً لحياتها، محرّرة صحافية تلتقط صوراً لشوارع وناس لا تراهم السلطة، فتذهب إلى عوالمهم وتكتب ما تراه. أرادت أن تلمس قلوب "المطحونين" في الشوارع، فاكتشفت أنها مع كل قلب تلمسه تنهار قدرتها على المقاومة، ومع كل موقف تمرّ به تخسر قطعة من قلبها. كان لديها من الحماسة ما يكفي لتغيير الكون. لكن "حين مارست المهنة لفترة فهمت أنّ كل شيء محكوم، لا شيء اسمه صحافة حرّة، ولا تعبير عن الرأي".

بعد عامين من الصحافة "الشغف مات" تقول نسمة. هي العبارة نفسها تسمعها من مجموعة كبيرة من الصحافيين المصريين الذين هجروا المهنة.

فقدت نسمة أصدقاء في ميادين كان من المفترض أن تتسع فقط لتغطيات صحافية فانقَلَبَت إلى ميادين معركة تسيل فيها دماء زملاء المهنة. قالت نسمة لرصيف22: "بعد فترة اكتئاب كبيرة، وفي ظلّ الأحداث، غيّرت اتجاهي وطموحاتي". تبتسم وتضيف: "طردت السياسة من حياتي".

من فتاة ترتدي "الجينز" وتهرب من قنابل الغاز المسيّل للدموع والرصاص، تحوّلت إلى شابة تتابع الموضة وترتدي الفساتين ونادراً ما تظهر بدون "ميك آب".

14242311_1265090396848142_5289747395789021577_o

14787115_1298395443517637_1998820175_o

توقفت عن الجري وراء التظاهرات والندوات والأخبار الساخنة وانتقلت إلى حضور "ديفيليهات"، وتوقفت عن متابعة أعمال أهم المراسلين والمصورين في العالم لتحوّل اهتمامها إلى مراقبة عارضات الأزياء.

دقّت نسمة باب عالم جديد تقول عنه: "لا بدّ أن تحافظ فيه الموديل على رشاقتها وجمالها خاصة تحت الأضواء، وأمام الكاميرات. لكن ما يقال عن أنها جاهزة دائماً وكل شيء تحت السيطرة أكاذيب".

ماكينة الخياطة لها مكانها في ركن أساسي من بيت نسمة. ورثت عن أمها حب الخياطة، وموهبة الرسم ظلّت ملازمة لها، فتجدّد الحلم، ودخلت مدرسة للموضة. "تدرَّبت على تصميم الملابس والميك آب والشعر"، قالت.

"أي فتاة - في الظروف الطبيعية - تهتم بنفسها، لكن كون الفتاة في مصر معرّضة للمضايقات والمعاكسات في الشارع، تميل إلى المظهر الخارجي الناشف، وتخفي أنوثتها ما أن تقرر أن تنزل بين الناس"، بحسب نسمة.

ما الجديد؟ تجيب: "لن أكون عرضة لمضايقات أو معاكسات في الشارع. ولا حاجة لإخفاء أنوثتي لأني أحضر مؤتمرات وعروضاً خاصة بالموضة. وشكلي الخارجي يفرضه المكان".

وتبيّن نسمة أنّ هناك من تقبّل التحول الجديد ورأى أنه حق، وهناك من اعتبرها نقلة غير طبيعية "لأنهم لم يتعوّدوا رؤية (نسمة) الأنثى".

شيماء تركت الصحافة واختارت عالم الأزياء، فتحت ضغط «العنف المتبادل» في مصر اكتشفت أنها لا تحقق شيئاً "إلا الإحباط"
صاحب صورة اغتيال شيماء الصباغ الشهيرة يعتزل التصوير "فقدت قدرتي على الاستمرار"

تقارن نسمة بين الصحافة وعالم الموضة وتقول: "الإحساس بعد سيشن تصوير حلوة وبعد كتابة موضوع صحافي جيد هو نفسه. الفرق يكمن في الانتقال من وراء الكاميرا إلى أمام الكاميرا. من عالم إلى عالم آخر".

لكنها تقول إن عملها الجديد يريح المصوّرين. "التعامل سلس، لا أتعبهم معي لأني أفهم تكنيكات التصوير، وأعرف كيف أقف بشكل صحيح مناسب لكادر الصورة".

الصحافة "معايشة للواقع الحقيقي" بينما عالم الموضة معايشة لواقع مزيّف تتأقلم فيه مع "ارتداء الأقنعة". هكذا تقارن بين عالمين اختبرتهما لتخرج بإحباط الصحافي وبريق "الموديل".

في حياتها عملت نسمة في وظائف لا تداعب الخيال: سكرتيرة ومضيفة سياحية في المطار. كانت تبحث عن فرصة حتى أتت الصحافة. تركت لأجلها دراستها الأساسية في مجال الخدمة الاجتماعية، وانتقلت إلى كلية الإعلام، وبدأت تجربة جديدة انتهت في عمر الـ24 عاماً، ولأنها "مدمنة تغيير" ولا تحبّ القيود، قالت: يمكن أن أغيّر مهنة "الفاشين" في أي وقت.

الهاربون من جحيم الصحافة كثر

لأنها شابة جميلة، ولديها موهبة في الخياطة والرسم، هربت "نسمة" من الصحافة إلى "الفاشين". مروان طارق، محرر صحافي عمل في عدّة صحف ومواقع إخبارية مصرية، يخبرنا وهو يشرب ما تبقى من فنجان القهوة في أحد مقاهي وسط القاهرة: "درست الصحافة في كلية الإعلام. ولكنّي الآن عاطل عن العمل".

ويضيف لرصيف22: "الوسط مليء بالكذب والنصب والخداع واللعب بأحلام الشباب الصحافيين. كيف يعقل أن يحتل خريجو كليات الزراعة والحقوق مناصب كبرى في الصحف فيما ينضمّ دارسو الصحافة إلى صف العاطلين عن العمل؟".

ويتابع: "كلمة تدريب في صحيفة مصرية تساوي استعباد وسخرة. إن كنت بلا واسطة لن تجد عملاً خاصة في مهنة تدار بالعلاقات والشلل وجماعات المصالح".

ولو اختار العمل بدل الجلوس في المقهى، سيعمل بدون مظلّة قانونية "لأني لست عضواً بنقابة الصحافيين، ويمكن أن أنزل إلى الشارع لأغطّي تظاهرة أو وقفة احتجاجية فأتحوّل إلى خبر: القبض على صحافي متورّط في أعمال عنف".

صاحب "صورة العام" يعتزل

ولأن "الشغف مات"، اعتزل المصور الصحافي إسلام أسامة، صاحب صورة اغتيال شيماء الصباغ، الحاصلة على جائزة "صورة العام" في مسابقة "شوكان".

تراكمات أربع سنوات دفعت "إسلام" إلى التفكير في الاعتزال. "لا أحد يقدّر أو يعرف الضغط العصبي والنفسي الذي يتعرّض له المصور الصحافي. فقدت قدرتي على الاستمرار"، قال.

"تكليف تصوير" واحد كان سبباً في تغيير حياة مصور صحافي نزل لتغطية وقفة سلمية في ميدان طلعت حرب في وسط القاهرة، فانقلبت إلى "ضرب نار" أودى بحياة الناشطة السياسية شيماء الصباغ.

من أصدر "التكليف" في دقيقة واحدة لم يكن يعرف آثاره على شخص صوّر مشهد الموت وغادر ليقرّر أنه لن يصور مرة أخرى، وطلّق الصحافة بالثلاثة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard