شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تعرّفوا إلى صانعي الإسلاموفوبيا الحديثة

تعرّفوا إلى صانعي الإسلاموفوبيا الحديثة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 13 أكتوبر 201606:04 م
يعتقد الكثيرون أن الإسلاموفوبيا نشأت بعد أحداث 11 أيلول، وأن تلك الأحداث هي التي تسببت بانتشار الخوف من المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وصولاً إلى الشرق الأوسط. وأصبح اليوم عاملاً مهدداً للعيش المشترك، بل حجة جاهزة لتبرير أي عمل إرهابي أينما حل. لكن الحقيقة أنها كالعداء للسامية، والتمييز العنصري ورهاب الأجانب، لها جذور تاريخية عدّة. بدءاً بتدفق المسلمين إلى الغرب في أواخر القرن العشرين، مروراً بالثورة الإيرانية عام 1978، وما رافقها من حوادث اختطاف واحتجاز لدبلوماسيين أجانب، وصولاً إلى أحداث 11 أيلول، وما تلاها من تفجيرات في لندن ومدريد وغيرهما من العواصم الأوروبية. أحداث ساهمت وتساهم في نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا وتوسعها، حتى أصبح الإسلام والمسلمون مذنبين دوماً حتى إثبات العكس. من أجّج حماسة الجماهير على رفع راية الإسلاموفوبيا؟ وكيف استطاعوا خلق حالة من الذعر الممزوجة بالكراهية في وجه الدين الإسلامي؟

إليكم الأفراد والمؤسسات التي تقف خلف فوبيا الزمن المعاصر، الإسلاموفوبيا

مع بروز مفاهيم مثل "تسلل الجهاد"، "حكم الشريعة"، "الولايات المتحدة الإسلامية"، "لندنستان"، "أوروبستان"، وأخرى تؤجج الذعر في النفوس من "شر" الإسلام الآتي، الذي أصبح مدعاة خوف وقلق في ذهن نحو 61% من الشعب الأميركي، حسب آخر إحصاء قام به مركز الإحصاء الأميركي Brookings العام الماضي، أصدر الباحث الأمريكي ناتان ليان كتابه "صناعة الخوف من الإسلام، وكيف يقوم اليمين بتصنيع الخوف من المسلمين". يتحدث ليان عن مصنعي تلك المفاهيم ومصدريها إلى العالمين الغربي والعربي، وأهدافهم السياسية، وكيف يبيعون الخوف لشراء مراكز ومغانم على حساب أذهان يرسخ فيها "رهاب الآخر". خوف ينتشر دون ضوابط بين الناس ليتملكهم كي يصبحوا غير قادرين على السيطرة عليه. تركزت أبحاث ناتان ليان، العضو في مركز دراسات الشرق الأوسط، على العلاقات الإسلامية المسيحية، الشرق الأوسط، الإسلام والإسلاموفوبيا. يشير كتابه المذكور إلى أن النقاش حول تعريف الإسلاموفوبيا ما زال قائماً ويتغيّر مع تغيّرات المنطقة، فهو انتقل من مجرد حالة من الخوف الاجتماعي إلى صدمة نفسية، حتى وصلنا إلى تعريف شامل "الخوف من الإسلام والمسلمين الذي يصل في أقصاه إلى الكره والحقد والتمييز". لكن الخوف لا يتغذى من نفسه، بل هناك من يغذيه أو كما يسميهم ليان: صنّاع الخوف. في صيف 2010، أدى خبر بناء مجسد في مدينة مانهاتن قرب مركزي التجارة الدولية إلى فوضى عارمة، ترافقت مع تظاهرات أبدت خوفها من استعمال المسلمين والمتطرفين هذا المجسد الذي لقب آنذاك بـ"المسجد العملاق"، ليكون مركزاً لشن العمليات الإرهابية ضد الأميركيين. خبر استغلته المجموعات المعادية للإسلام هناك، من إعلاميين وناشري صحف وكتاب ومدونين. فبمجرد انتشار خبر بناء المسجد، كتبت المدونة Pamela Geller، المعروفة بعدائها للإسلام، مقالاً عنوانه "مسجد عملاق يُبنى في ظلال مركزي التجارة الدولية التي أسقطها إسلام الموت والدمار". أسلوب غسل الدماغ هذا، يهدف مباشرة إلى تحميل الإسلام والـ"مجموعات الإسلامية" ذنوب العالم كله، وهو لم ينحصر بـGeller فقط، بل انضم إليها الكاتب والمدوّن الأميركي Robert Spencer، الذي بدأ مسيرته عام 2002، بعد 11 أيلول، وكان أشهر كتبه: "الحقيقة عن النبي محمد: مؤسس الديانة الأكثر تعصباً في العالم". هو مؤسس Jihad Watch الموقع الذي ينشر مقاطع فيديو وصوراً عن مسلمين يحاولون نشر الدين الإسلامي، معتبراً أن الجهاد والحروب بهدف نشر الإسلام واجب ديني ويجب على غير المسلمين التصدي لذلك. خلف Geller وSpencer وآخرين مؤسسات إعلامية دعمت تلك الأصوات، وساهمت في زيادة الخوف لدى غير المسلمين بحسب ليان، ومنها قناة Fox News التي استقبلت عبر شاشتها إعلاميين مناهضين للإسلام وفسحت لهم المجال كاملاً للتعبير عن خوفهم من الإسلام ونقل هذا الخوف للمشاهدين. فيصبح المشاهد غير المسلم فاقداً للقدرة على التمييز بين أفكار الآخرين، التي تنقل له عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأفكاره، ليغدو بحال من التنويم المغناطيسي مستسلماً لآخرين يعيدون صياغة المفاهيم في دماغه رغماً عن إرادته.
الإسلام والمسلمون مذنبين دوماً حتى إثبات العكس... واقعنا اليوم
إليكم الأفراد والمؤسسات التي تقف خلف فوبيا الزمن المعاصر، الإسلاموفوبيا
تصدّر صحيفة Fox News العام الماضي العنوانُ التالي: "معلمة تحاول تلقين تلاميذ أميركيين الدين الإسلامي، بتعليمهم عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ودعوتهم إلى ارتداء الحجاب". واستفاضت الصحيفة بشرح نوايا المعلمة وتعليلها بعبارات تمييزية، بعد شكاوى عدّة تلقتها ثانوية Riverheads في ولاية Virginia، مطالبين رافعيها بفصل المعلمة المتهمة بالاحتيال وبفرض الدين الإسلامي على التلاميذ. قصة شغلت الرأي العام الأميركي آنذاك، علماً أن المدرسة دافعت عن المعلمة التي كانت تعلم مادّة الجغرافيا، ومن خلالها دروس عن الأديان الثلاثة الأكثر انتشاراً، لتثقيف التلاميذ وتعريفهم على الآخر المختلف. لكن تلك الخطوة قوبلت برفض كبير من الأهالي الذين اعتبروا أن كتابة عبارة من الدين الإسلامي مرفوضة وغير ضرورية.

دور وسائل التواصل الاجتماعي لا يقل أهمية عن الإعلام المرئي والمسموع. وقد كشفت دراسة إحصائية صادرة عن المركز البحثي البريطاني Demos أن هناك تصاعداً غير مسبوق للإسلاموفوبيا على موقع تويتر في أوروبا، لافتةً إلى أن بريطانيا تأتي في الصدارة. وذكرت الدراسة أن 215 ألفاً و247 هو عدد التغريدات التي نُشرت باللغة الإنكليزية على تويتر، ومضمامينها تسيء إلى الإسلام، أو تحرض عليه، أو تربط بينه وبين الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، خلال يوليو الماضي وحده. وقارنت الدراسة بين تفاعل المغردين مع تلك الحوادث على الموقع الذي يعكس إلى حد كبير تفاعل الناس مع مختلف الأحداث وتأثرهم بوسائل الإعلام المختلفة. وأشارت إلى نشر ما معدله 289 تغريدة معادية للإسلام كل ساعة، أي ما يصل إلى 7000 تغريدة في اليوم، خلال الشهر الفائت. وهو المعدل الأعلى منذ إطلاق المركز عملية الرصد أواخر فبراير الماضي.

بالعودة إلى تاريخ الإسلاموفوبيا، اعتبر ليان أن أحداث 11 سبتمبر كانت مفصلية في تأجيج رهاب الإسلام والمسلمين. فتعمم الخوف من أي عربي، وتُرجم ذلك من خلال مشاعر وعبارات تمييزية سياسية، ودينية، وثقافية، واقتصادية واجتماعية ضد المسلمين، وهو ما ساهم في التضييق عليهم داخل الولايات المتحدة الأميركية آنذاك، وإن لم يكونوا مسؤولين مباشرة أو غير مباشرة عما حصل، وليس لديهم علاقة بأي تنظيم إرهابي. كما أن أخبار الصحف لم تخل في الأعوام التي تلت أحداث 11 سبتمبر من محاولات انتقام من مسلمين ومواطنين عزل لاعتبارهم خطراً ورمزاً  للإرهاب. يقول الصحافي Bill Keller في إحدى كتاباته "الولايات المتحدة الأميركية تمثل، إلى جانب إسرائيل، منبع الدين المسيحي. لذلك فإن الحرب ضد الإسلام والإرهاب هي في الواقع حرب مقدسة". يحاول Keller ويؤيده رجال دين وسياسيون آخرون، تصوير الإسلام على أنه دين معادٍ للمسيحية، وأن على المسيحيين تجنب الوجود مع مسلمين باعتبار دينهم دين إرهاب. لم ينس ليان التطرق في كتابه إلى سياسات الولايات المتحدة الأميركية من 2001 حتى اليوم، والتي تبنى معظمها على مبدأ المظلومية. فتحمل الحملات الإعلانية لمرشحي الرئاسة الأميركية شعارات مؤثرة مثل شعار "الحرب على الإرهاب"، الذي أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، ومن خلاله جند السلطات كلها ضد الإرهاب. المرشح الحالي دونالد ترامب ليس بعيداً عن تلك الأفكار النمطية، فهو أيضاً يريد حماية أميركا من الإرهاب المتمثل بالمسلمين، حتى وإن وصل الأمر به إلى بناء جدار فاصل. لكن السؤال المطروح هنا: كيف يميز المواطن العادي بين مسلم مسالم ومسلم متطرف؟ هل في الشكل والملبس أو في العقيدة؟ هذا هو الخوف بعينه: الجهل مصدر الخوف. وهذا الجهل انتشاره أسرع من انتشار السلاح، لأنه يتخطى الحدود والبلاد والمدن فقط بكبسة زر. وهكذا وصل إلى أوروبا آخذاً شكلاً أكثر تقدماً. في سويسرا مثلاً، تم منع المساجد من النداء إلى الصلاة منذ عام 2009. تلتها فرنسا بمنع المرأة المسلمة من ارتداء النقاب في الشارع عام 2011. أتت بعدها بلجيكا بالقرار نفسه في العام نفسه.

الإسلاموفوبيا تسبب بارتفاع في الأمراض النفسية لدى المسلمين

تمدد ظاهرة إلقاء اللوم على المسلمين، وحال الرهاب منهم، حث عدداً من الباحثين على معاينة تأثيرات تلك الظاهرة على المسلمين أنفسهم، خصوصاً الأقليات التي تعيش في أوروبا، والنتائج كانت صادمة، إذ أظهرت دراسة قام بها عدد من أساتذة في علم النفس أن للإسلاموفوبيا المحسوسة من قبل مسلمي دول أوروبا، تأثيراً سلبياً على صحتهم النفسية، والسبب الأساسي هو المضايقات والإزعاج اليومي والمتكرر، الذي يتعرضون له، سواء في موقع عملهم أو حتى اجتماعياً. وأشارت دراسة قامت بها جامعة Boston الأمريكية، إلى أن الإسلاموفوبيا لا تؤثر فقط على الأهل، بل لها مفعول كبير على الأولاد المسلمين في المدارس، فهم سيرثون تلقائياً مشاعر الخوف، وسيكونون عرضة للإهانات والشتائم والتحقير، من دون أن يتعلموا السبل الأمثل للمواجهة، وهذا ما يحفز لديهم مشاعر الغضب المكبوت، الذي يمكن أن يؤدي بهم في ما بعد إلى الأمراض النفسية كالكآبة أو الإدمان، أو إلى أفعال إجرامية انتقاماً من الإذلال والضغط النفسي الذي عاشوه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard