حكام المسلمين وكنائس الأقباط... تاريخ وردي أم تفرقة وتمييز؟
الاثنين 26 يونيو 201702:44 م
بعد سنوات عديدة من الجدل حول حرية الأقباط فى بناء دور عبادتهم، أقر البرلمان المصرى نهاية الشهر المنصرم، قانوناً جديداً لتنظيم بناء الكنائس. الإضافة الجديدة للقانون، مقارنة بما سبقه من لوائح، تعطي محافظي الأقاليم المصرية حق الموافقة على بناء أو ترميم الكنائس، بعد أن كان الحصول على الموافقات الأمنية لازماً في ما مضى.
أيد القانون الكثيرون وعارضه كثيرون. فحرية بناء دور العبادة لأقباط مصر من عدمها، تمثل نقاشاً بالغ التعقيد، يتطلب العودة في تاريخ القطر لأكثر من ألف عام، وتحديداً منذ الفتح العربي - الإسلامي لمصر على يد جيوش عمرو بن العاص عام 641.
ذلك التاريخ يلزمه العشرات من المراجع والدراسات، لفهم وحصر أوضاع الأقباط في مصر بشكل عام. يحاول هذا المقال تقديم عدة نماذج توضح حياة الأقباط تحت حكم عدة خلافات وممالك وسلطنات وجمهوريات مسلمة، سنية كانت أو شيعية. وهو التاريخ الذى يمكن أن نقوم بتقسيمه إلى عدة فترات أهمها:
فتح عمرو وولاية الخلفاء الراشدين
أعطت معاهدة عمرو بن العاص أهل الذمة، وهم أقباط ويهود مصر، الذين ارتضوا بدفع الجزية "الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم"، بحسب ما نقل المؤرخ البريطاني ألفريد باتلر عن الطبري في كتاب "الغزو العربي لمصر". لكن المعاهدة لم تحدد أي قوانين خاصة في ما يتعلق ببناء دور العبادة. وقد فرض عمر بن الخطاب على غير المسلمين، ممن يعيشون بدار الإسلام، أن يرتدوا ألواناً بعينها وعمماً وأوشحة مختلفة عما يرتدى المسلمون، بحسب الباحث الأمريكي كيرت ڤيرتموللر المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط فى كتابه "الهوية القبطية وسياسات الأيوبيين في مصر". واشتهر أقباط مصر بارتداء اللونين الأسود و الأزرق فقط في حقب تاريخية لاحقة. كما حظر بن الخطاب على غير المسلمين ركوب الخيول والتبشير وممارسة عباداتهم بالطرق العامة، وحظر استخدام أجراس الكنائس. لكن محظوراته هذه لم تطبق حرفياً، فتُرك الأمر طبقاً للأهواء الشخصية لكل وال، بينما حث الخلفاء الراشدين ولاة مصر على جمع أكبر قدر من الجزية.تحت حكم الأمويين
شهدت ولاية عبد العزيز بن مروان لمصر (685 – 705 م)، نوعاً من السلم والازدهار عاشه الأقباط. لا سيما على مستوى رجال الدين وصفوة العائلات الثرية منهم. وبدأ العديد من الأقباط في معاونة المسلمين في الحكم في زمن الأمويين وتقلدوا بعض المناصب التي كانت قبل ذلك حكراً على المسلمين. من أشهر تلك الامثلة أثناسيوس بار الذي عمل سكرتيراً ومعلماً لعبد العزيز، وكان المسؤول عن جمع الجزية، بتكليف مباشر من الخليفة عبد الملك بن مروان. كما سمح عبد العزيز للأنبا يؤاناس الثالث، ومن بعده الأنبا إسحق، بإنشاء كنائس وأديرة جديدة، طبقاً لباحثي التاريخ آيريس حبيب المصري ومورييل ديبييه، فازدهرت الحياة الدينية القبطية بمصر بشكل عام. بالطبع ذلك الهامش من الحرية لأقباط مصر فى بناء كنائسهم كان له ثمن باهظ. تطلب توفيرهم للأموال اللازمة لبنائها، بالإضافة إلى تقديم هدايا أو تبرعات سخية من أجل كسب ود الولاة، و ذلك في زمن أثقلت فيه الجزية كاهلهم. وجاءت خلافة عمر بن عبد العزيز (717 - 720 م)، لتجلب الشقاء على الأقباط، بعد فترة ساد فيها استقرار أحوالهم نسبياً، تحت ولاية من سبقه من خلفاء الأمويين. اتسمت ولايته بالنمو الكبير، وانعكس ذلك على مصر. لكن عبدالعزيز، الذي لُقب "بخامس الخلفاء الراشدين"، تبنى سياسة تهدف إلى تحويل الأقباط إلى الإسلام. فحفيد بن الخطاب، الذي عُرف بورعه الديني، عزم على تطبيق عدد من المحظورات ومظاهر التفرقة السالف ذكرها بشروط جدّه. ويضيف لوك ياربروه، أنه خيّر الأقباط بين الإسلام للحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم، والهجرة وترك أرض مصر. كما أمر بعدم قبول شهادة الأقباط، ومنعهم من طرق أجراس الكنائس، وألزمهم بارتداء أزياء وألوان بعينها، ما دفع العديد منهم إلى اعتناق الإسلام.معضلة أقباط مصر التاريخية من أجل بناء الكنائس والحفاظ عليها
النقاش حول حرية بناء الكنائس في مصر يتطلب العودة لأكثر من ألف عام، منذ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاصوبالطبع، إذا كان الخليفة يرغب في تحويل جميع رعاياه إلى الإسلام، فلنا أن نفهم أن بناء كنائس لم يكن حتى محل نقاش أو تفكير خلال فترة حكمه. هكذا ظل مصير أقباط مصر بين السلم والاستقرار أحياناً، والبطش والاضطهاد أحياناً أخرى، طبقاً للأهواء الشخصية لكل وال وخليفة حتى نهاية الخلافة الأموية. كذلك طبقاً للتغيرات السياسية تحت حكم العباسيين، حتى رسخ الفاطميون مقر خلافتهم بمصر ليشهد المسيحيون نوعاً من الازدهار، على الأقل في بداية عهد الفاطميين.