شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
رواية 

رواية "فهرس"، ذاكرة الدقيقة الأولى من الحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 4 يوليو 201611:50 ص
يقدّم "سنان أنطون" في روايته الجديدة "فهرس" حكاية شخصين عراقيين، الأول يعيش في بغداد، والثاني يعيش في أمريكا، يجمع بينهما لقاء أثناء زيارة الأخير لبغداد بعد الاحتلال الأمريكي 2003، ويكون هذا اللقاء بداية تواصل بينهما، تشرّح الرواية من خلاله ذاكرة العراق، وتطرح أفكاراً حول كيفية نظر كل منهما إلى الخراب الحاصل. نحن، إذاً، أمام بطلين مهزومين، كل منهما يحاول أن يلملم شتات روحه. الأول "نمير" الذي هاجر مع عائلته إلى أمريكا في التسعينيات، فدرس هناك وأصبح أستاذاً للأدب العربي في جامعاتها، والذي يعود إلى العراق كمترجم يرافق "روي" و"لورا" الأمريكيين الآتيين إلى بغداد لتصوير فيلم وثائقي يرصد آثار الحرب الأمريكية، وخلال هذه الزيارة القصيرة، وأثناء تجوله في أماكن الذكريات، يتعرّف إلى "ودود"، جامع الكتب الذي يعيش في غرفة منزوية، وبعد تبادل بعض الأحاديث معه، يطلعه الأخير على مشروعه: "فهرس"، وهو كتابٌ يفهرس فيه كل ما حصل في الدقيقة الأولى للحرب، بمنظور ثلاثي الأبعاد. هكذا، يسعى "ودود" لتوثيق ذاكرة الأشياء، لا الناس وحدهم. ذاكرة "ضحية الضحية"، ففي تلك الدقيقة، لم تنه آلة الحرب حيوات البشر فقط، بل أنهت حياة جدران، وأشجار، وطيور، ومقتنيات شخصية، وأشياء لا تعدّ ولا تحصى. وبالتأكيد لكل واحد من هذه الأشياء حكاية ينبغي تسجيلها، "ستكون الدقيقة فضاءً ثلاثي الأبعاد. ستكون مكاناً أقتنص فيه الأشياء والأرواح وهي تسافر. التقاطع الذي تلتقي فيه قبل أن تختفي إلى الأبد، بلا وداع. البشر يودّعون معارفهم وأحبتهم فقط. أما الأشياء فهي تودع بعضها البعض ولكنها تودع البشر أيضاً. لكننا قلما نسمع أصواتها وهمساتها لأننا لا نحاول. قلما نلمح ابتسامات الأشياء. نعم، الأشياء، أيضاً، لها وجوه. لكننا لا نراها، ومن يراها بعد أن يعاني ويدرّب نفسه كي يفعل ذلك ومن يحاورها يصبح مجنوناً في عرفكم. إني أنا الذي رأى كل شيء. وأرى ما لا يرون". هكذا سنقرأ حكاية السجادة الكاشانية، وحكاية العود، وحكاية شريط التسجيل والجدار وألبوم الطوابع والتنّور والصور السالبة (النيغاتيف)، وغيرها من الأشياء التي دُمّرت أو أُحرقت في الدقيقة الأولى من الحرب. فشخصية "ودود" وفكرة فهرسه تثيران "نمير" فيقرر كتابة رواية عنه، ويضمّنها أجزاء من مخطوطته.
لا تنه آلة الحرب حياة البشر فقط، بل تنهي حياة جدران، وأشجار، وطيور، ومقتنيات شخصية، وأشياء لا تعدّ ولا تحصى
ترصد هذه الرواية آثار الخراب الذي حلّ بالأفراد العراقيين، عبر كتاب يفهرس كل ما حصل في الدقيقة الأولى للحرب
يتشظى السرد في الرواية بين عدة أزمنة وأمكنة، يستخدم فيها الكاتب بضع تقنيات، كالرسائل المتبادلة بين الاثنين، وتقنية "الرواية داخل الرواية"، وتقنية "الفلاش باك" حين يريد أن يروي عن بعض الأحداث في حياة "نمير" الماضية، وتقنية النهايات المتعددة، إذ يضع الكاتب أكثر من نهاية للرواية. تطرح الرواية وجهات نظر مختلفة حول الغزو الأمريكي للعراق، فتعرض آراء عدة شخصيات حول ذلك. منهم من يرى فيها سبباً لدمار العراق وحضارته، ومنهم من يرى أنها كانت شراً لا بدّ منه للخلاص من الطاغية، ومهما كانت نتائجها فهي لا توازي ما فعله النظام السابق بالبلاد وأهلها. أما "نمير" فنجده مؤرقاً وتائهاً بين حياته هنا، وذكرياته هناك، يحاول أن يوازن حياته دون أن يستطيع، ما يتسبب بكآبة له، خاصة أنه يعيش في البلد الذي كان مسؤولاً عن تدمير بلده، ونرى أنه يتعرض لمواقف مؤلمة كثيرة، لعل أقساها ذلك الموقف الذي يطلب فيه أحد الطلبة الذين يدرّسهم أن يعلمه بعض الكلمات "ارفع يديك!، قف!، اركع!"... لأنه ذاهب كمتطوع في الجيش إلى العراق، وسيكون محتاجاً لاستخدامها. ترصد الرواية آثار الخراب الذي حلّ بالأفراد العراقيين، سواء ظلوا فيها فعاشوا غربة مضاعفة وهم يرون كل مطارح ذكرياتهم قد تغيّرت بفعل الحرب، أم رحلوا عنها فعاشوا الغربة والحنين إلى ما لم يعد له وجود. "لا أعرف كيف أصنفه، حلماً أم كابوساً؟ رأيت أننا كنا شخصاً واحداً. تجمعنا أنا واحدة. أراه حين أنظر في المرآة ويراني. ذاكرتنا واحدة وصوتنا واحد وجسدنا واحد. لم يكن اسمنا ودود أو نمير. لا أعرف الاسم. ثم خرجت أو أُخرجت أنا من تلك الأنا. انسلخت وهجرت بغداد وسافرت بعيداً. وعندما عدت إلى بغداد لم أعرف ودود، لأنه، هو الآخر، كان قد انسلخ عن "أنا" أيضاً وأصبح شخصاً آخر". سنان أنطون شاعر وروائي وأكاديمي ولد في بغداد 1967. حصل على بكالوريوس في الأدب الإنكليزي من جامعة بغداد، وهاجر عام 1991 إلى الولايات المتحدة حيث أكمل دراسته وحصل على الماجستير من جامعة جورجتاون. وحاز الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة هارفارد. ويعمل حالياً أستاذاً للأدب العربي في جامعة نيويورك. ترجم "في حضرة الغياب" لمحمود درويش إلى الإنكليزية، وفازت الترجمة بجائزة أفضل ترجمة أدبية في الولايات المتحدة وكندا 2011. له مجموعتان شعريتان: "موشور مبلل بالحروب"، "ليل واحد في كل المدن"، وترجم شعره إلى عدة لغات. وله أربع روايات: "إعجام"، "وحدها شجرة الرمان"، "يا مريم" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2013، و"فهرس". ترجمت رواياته إلى الإنكليزية والنرويجية والبرتغالية والفرنسية والألمانية والإيطالية.   الناشر: منشورات الجمل/ بيروت - بغداد عدد الصفحات: 288 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات وموقع متجر الكتب العربية جملون.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard