شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الرياضة اللبنانية تفضح ما تُخفيه مجاملات السياسيين

الرياضة اللبنانية تفضح ما تُخفيه مجاملات السياسيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 9 يونيو 201606:32 م

المشهد الذي شاهده اللبنانيون البارحة في مباراة ناديي الحكمة والرياضي ليس مشهداً معزولاً في الزمان والمكان. هو لوحة صغيرة ومعبّرة عن حقيقة الواقع اللبناني. لا بل يمكننا القول إن جماهير الأندية الرياضية أكثر صراحة من السياسيين.

قد يُسرّ البعض بخروج أصوات تقول أن الإشكال الذي وقع البارحة في المباراة السادسة من نهائي بطولة لبنان لكرة السلّة هو إشكال عابر يتحمّل مسؤوليته "مندسّون" أو "طابور خامس أو سادس"، كما قال رئيس نادي الحكمة الأب جان بول أبو غزالي، واضعاً الإشكال الذي وقع على أرض الملعب وهتافات جماهير نادي الحكمة السياسية-الشخصية والطائفية خارج ما أسماه "أخلاق النادي".

ولكن "بروح رياضية" يجب علينا تقبّل واقع الأمر. وواقع الأمر هو أن جمهور نادي الحكمة فهم ما أضمره النقد "الرقيق" الذي تبادله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب سعد الحريري، قبل يومين من المباراة.

ولعلّ أهم ما في السجال كان اتهام جعجع للحريري بأنه ضد "تحالف معراب". والجمهور المسيحي لا يمكن أن يفهم هذا الكلام إلا على أن السنّة رافضون لتوحّد المسيحيين، بتوحّد أبرز زعمائهم أي جعجع والجنرال ميشال عون، ورافضون لأن يقرّر المسيحيون مَن يجب أن يتولّى رئاسة الجمهورية، الموقع الذي خصصته الصيغة اللبنانية للموارنة.

وهنا، لن يُنتظر من الجمهور استخدام عبارات التخاطب المنمّقة التي يستخدمها "الزعيمان" والتي تترافق مع تبادل ألقاب في صيغ "يا شيخ سعد" و"يا حكيم". الجمهور أصدق ومباشرة يذهب إلى الشتيمة. وهو يعبّر عن الثقافة اللبنانية بلا مجاملة حينما يُمارس التعميم، على جاري عادة اللبنانيين، فيرى جمهور نادي الحكمة مثلاً نفس الصورة لوجه الحريري أو لوجه أي مشجّع لنادي الرياضي البيروتي أو لوجه أي سنّي.

فهم الجمهور الانتقادات "اللطيفة" التي تبادلها "الزعيمان" بشكل أفضل مما فهمها "محللون سياسيون" يحبّون دائماً الحديث عن "غيمة الصيف العابرة".

قاعدتي القوات والمستقبل الشعبيتان غير مقتنعتان تماماً بالتحالف بين الحزبين. هي تتحمّس له فقط حين يجمعهما موقف في مواجهة حزب الله. ولكن الاتفاق على خصم ثالث لا يكفي للانفتاح بين أيّة قاعدتين بينهما تاريخ من النزاعات. وفور أن تفرض نفسها ملفات سجالية لها علاقة بالطرفين نفسهما لن يستطيع "الخصم الثالث" إخفاء التناقضات. وهذا ما حصل أخيراً.

عام 2005، خلال الانتخابات النيابية التي جرت بعد وقت قصير من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استهجن معظم أهالي بيروت السنّة كيف يُريد منهم زعيمهم انتخاب مرشحين ينتمون إلى القوات اللبنانية، الاسم الذي لطالما رمز في وعيهم إلى "العدو"، وكان الأمر كذلك حتى ما قبل تحالف الطرفين انتخابياً بوقت قليل.

حينذاك، لم تتحرك نفس الحساسيات في أوساط الناخبين القواتيين لأن رغبتهم في الانفتاح على الأطراف اللبنانية الأخرى، بعد سنوات من إبعادهم عن السياسية، في ظل الوصاية السورية على لبنان، كانت قويّة فعلاً.

ومن جانب آخر، دائرة بيروت الانتخابية تضم أغلبية ديموغرافية سنّية. والتحالف مع المستقبل كان يعني، في وعي القواتيين، أن المسلمين لا يريدون إقصاء المسيحيين.

في كل الحالات، عادة ما ينشأ الخلاف الكبير على خلفية السجال حول قضايا وطنية واسعة. وعلى المستوى الوطني كان القواتيون ينطلقون من أنهم صاروا جزءاً من تحالف وطني عابر للطوائف ويمكن لأطرافه أن تصيغ خطاباً وطنياً تشترك كلها في صياغته، على قدر من المساواة.

ولكن أكثر من 11 سنة مرّت على ولادة تحالف 14 آذار لم تكن كافية لتولّد قناعة لدى قواعد القوّات بأن تيار المستقبل هو حليفهم "الطبيعي". ولعلّ أحد أسباب ذلك (والأسباب كثيرة) هو أن المستقبل لم ينظر يوماً إلى نفسه كجزء من تحالف 14 آذار، بل نظر إلى نفسه كزعيم لـ14 آذار وعلى الآخرين أن يلحقوا به كيفما أراد توجيه الأمور.

وهذه النظرة المستقبلية لـ14 آذار عبّر عنها الحريري في تغريداته التي ردّ فيها على كلام جعجع. قال الحريري لجعجع رداً على انتقاده موقف المستقبل في بعض محطات الانتخابات البلدية ودعمه لتحالفات شكلتها شخصيات مسيحية غير قواتية: "لنا الحق في الوقوف مع الذين وقفوا معنا منذ عام 2005". هكذا يرى الحريري الأمور. تحالف 14 آذار هو تجمّع للواقفين معه.

طبعاً، الأمر ليس جديداً، ولا يرتبط حصراً بسجال الحريري وجعجع، فهو قديم وحصل ما يشبهه في مارس الماضي حين جال مشجّعون لنادي الرياضي على دراجات نارية وأطلقوا شتائم سياسية وطائفية ضد نادي الحكمة وضد منطقة الأشرفية، رداً على شتائم حكماوية مماثلة شهدتها مباراة للفريقين. وكانت شتائم الحكمة التي أُطلقت على وقع أناشيد قواتية تعود إلى زمن الحرب الأهلية قد أتت رداً على شتم جمهور الرياضي لنادي الحكمة قبل أيام من ذلك...

هو مسلسل طويل تكاد تُصنع حلقة منه كلما أقيمت مباراة بين الفريقين ويعود زمن الحلقة الأولى إلى ما قبل 2005 بكثير. ولكن قبل التموضعات السياسية الحالية للطوائف اللبنانية كان جمهور الرياضي يمزج هتافاته الطائفية بهتافات مثل "سوريا، سوريا" و"بشار، بشار" بينما يمزج جمهور الحكمة هتافاته الطائفية بهتافات مثل "يو أس إيه" و"حكيم حكيم". يتغيّر شكل التعبير السياسي عن الذات وقد يختلف جذرياً ولكن ما يبقى ثابتاً هو العصب الطائفي للجماهير.

ولعلّ من ألطف ما يسمعه اللبنانيون قرارات لمنع الجماهير من حضور المباريات.

في لبنان، الجماهير مسيّسة بشكل مرضي وتمارس تحزّباتها في كل شؤونها اليومية. لكل طائفة أندية رياضية تبني جماهيرها عصبياتها طائفياً. وحتى داخل الطوائف، للأحزاب الكبيرة أنديتها. والكل لا يعرف من طرق التشجيع إلا شتم الآخر والتجريح برموزه الدينية والسياسية.

ما نشهده دورياً لا يُمكن أن يُعالج بحلول إدارية. يحتاج اللبنانيون إلى حلّ يعيد إنتاج الحياة السياسية برمتها على أسس جديدة ما يسمح برسم العلاقات الاجتماعية نفسها بشكل آخر. ما نفع منع الجماهير من مشاهدة المباريات في الملاعب؟ هل يمكن منع الناس من التجوّل في الطرقات؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard