شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما استدعى المصريون موتاهم... أم كلثوم وعبد الحليم

عندما استدعى المصريون موتاهم... أم كلثوم وعبد الحليم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 يونيو 201609:53 ص

في ظل حالة من التضييق وتقييد الحريات داخل المجتمع المصري، لجأ العديد من الشباب الغاضب أو المعارض لوسائل التواصل الاجتماعي، والمتلطي وراء هويات مستعارة، للحماية من الملاحقة القانونية. وظهرت حسابات بأسماء فنانين راحلين، مثل فريد الأطرش، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، لتقدم مضامين ساخرة، تتناول إبداعات أولئك الفنانين، مع بعض التحريف الذي يحمل الانتقاد والسخرية من أوضاع اجتماعية وسياسية.

البداية مع فريد الأطرش

منتصف عام 2013 أنشأ أحد الأشخاص حساباً على Facebook باسم الفنان فريد الأطرش، مع صوره أيضاً. واستخدم الحساب للتعليق على الأحداث السياسية، معارضاً نظام حسني مبارك، ومؤيداً حكم الإخوان المسلمين. لم تنتشر الفكرة، ويبدو أنه لم يعجب الكثيرين، فبقي الحساب شخصياً، ولم يزد عدد متابعيه عن الـ50 وتوقف النشر عليه.

الست تكتسح

في مايو من العام الجاري ظهر حساب باسم السيدة "أم كلثوم"، تناول بداية مقاطع من أغنياتها مع إضافة جزء ساخر يتعلق به. ومن أشهر "البوستات" الساخرة للست: "ياما الحب نده ع قلبي مردش قلبي جواب... لأن أنا تنكة وعلوضعي". ويقصد أن الست قديماً لم تكن تستجيب للحب خوفاً من عذابه، لكن "الست" في المجتمع الحديث لا تستجيب له تكبراً وعناداً.

و"أنت fake  والحب fake"، وغيرها الكثير من "البوستات" المباشرة وغير المباشرة، التي تسترت خلف اسم "كوكب الشرق" للتعبير عن وجهة نظر صاحبها. ثم تطور الأمر تدريجياً للسخرية من قضايا وأحداث تدور في المجتمع المصري.

وكانت السياسة حاضرة بقوة، واكتسبت الصفحة نصف مليون متابع. أدمن الصفحة، التي أصرت على مناداتها بالاسم نفسه، أوضحت لرصيف22 أن الفكرة اقتبستها من حساب شخصي، كان باسم عنترة ابن شداد، وكانت متأثرة بالحسابات الساخرة على تويتر، فطورت الفكرة، واختارت شخصية أم كلثوم لعشقها لها ولفنها.

وتقول: "الصفحة فيها أنا وكلثوم بنتي وكان معانا أبو كلثوم، وطردته لأنه بتاع بنات. بس للأمانة الأدمن ولد وبنت، ومضمونها ساخر من كل شيء ما عدا الثوابت، العرق والدين فقط، أي حاجة تانية بننتقدها ونسخر منها عادي".

وعن احتمال إساءة المضمون الساخر لقيمة "الست"، قالت: "الصفحة اتعملت حباً في أم كلثوم ولو هتسيء لها هنقفلها، الصفحة sarcasm واللي مش عجبه يعمل بلوك بسيطة". وتختم: "ممكن نشوف فنانين تانيين بيرجعوا من الموت زيي. يا ريت القصبجي يرجع أصلي بحبه قوي. بس حليم مرجعش، واللي عملوا الصفحة دول ناس تانية بتقلدني".

ومن القضايا السياسية التي سخرت منها الصفحة، التنازل عن "صنافير وتيران". وتعلق باستمرار على قرارات الرئيس السيسي بشكل معارض له: "ما أجمل ان تقتل مواطناً برشاش آلي وتجلس لتستريح قليلاً". 

حليم حاضر بقوة

أما عبد الحليم حافظ، كما صمم أن نناديه، فرد على اتهام "الست" ضاحكاً: "هي كدا دايماً تحب تهزر معايا هي وفريد!". وعن فكرة الصفحة التي انطلقات قبل شهرين، أكّد أن: "الهدف هو رسم الابتسامة على الوجوه، من خلال مقاطع وإفيهات غالبها من الأغاني ومش قاصرة على حليم بس. أنا بشير لكل المطربين. لكن اخترت حليم تحديداً لجذب الانتباه ولشهرته وحب الناس ليه".

وعن الموضوعات التي يثيرها في الصفحة، قال: "بنضحك ونهزر بس وملناش في السياسة". وتعليقاً على البوست: "أكتر م الحب أديلك إي؟ أنا مش قادر أديك"، وهي واحدة من أشهر عبارات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عندما قال ساخراً: "كل واحد ونيته بقى. سياسة إيه ربنا يبعد عنا الكلام دا".

من أشهر "البوستات" التي يعرضها حليم: "اللي بيشكي حاله لحاله.. لا دا عنده امتحان بس". ويركز هنا على أزمة الامتحانات التي تمثل مصدر الشكوى الوحيد في أوساط الشباب حالياً". "فات الميعاد وادلع... وانت بتتمرقع"، انتقاداً لتكاسل البعض وتأجيل المهمات عمداً. و"لو كنت يوم أنساك... كنت أبوس إيدي وش وضهر". يمكن القول إذاً إن حليم لا يتناول قضايا سياسية واضحة مثل الست.

الانعكاس السياسي

وقال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة عن استدعاء المصريين لحليم والست: "ليس غريباً أن يختار الشباب حليم وأم كلثوم تحديدًا، فهما الأكثر شهرة، وطالما كانا أكثر تعبيراً عن المواطن البسيط لنشأتهما الريفية، وإحساسهما بمعاناة الناس. كما شاركا المصريين في المحن والنصر وملأت أغانيهما الوطنية تحديداً كل مكان".

ويضيف: "ظهور هذه الصفحات وارتفاع نسبة متابعتها حالياً يعكس معاني واضحة أبرزها، القلق والخوف على الوطن، وتقلص نطاق الحريات، وعدم الرغبة في التعبير المباشر عن الرأي أو النقد، ربما خوفاً من الملاحقات الأمنية".

أما ماجدة خير الله، الناقدة الفنية، فترى أن هذه الصفحات لا تمت بصلة فعلية للفنانين، لذا لا ضرر على سمعتهم ولا على تاريخهم من تناولها أي قضايا بشكل ساخر. وقالت: "مهما تبنت من وجهات نظر، فهي تحيي ذكرى هؤلاء الفنانين، وتعكس مدى قيمتهم رغم مرور السنين.

وتلك الظاهرة ليست جديدة، فقد كان شكوكو قديماً يعلق على أغاني الست، ويحرف فيها لرسم الابتسامة". وتضيف: "اختيار هذا الثنائي تحديداً يعكس رغبة أصحاب تلك الصفحات في الشهرة.

لم يكن لهما أو لأي فنان مصري منذ ثورة يوليو تاريخ نضالي أو دور في المعارضة. ربما كان سيد درويش الوحيد في ذلك عندما حارب الاحتلال بأغانيه الوطنية وألحانه، لكن منذ ثورة يوليو تبدل الحال، فصدق الفنانون الحلم، ودعموه بالأغاني، وكانوا يتسابقون على إحياء المناسبات الوطنية والغناء للجيش والثورة والحاكم. على أي حال لم يكن رياءً بل حساً قومياً".

التعبير عن الخنقة

وتختم خير الله: "الناس غاضبة، وليس هناك وسائل متاحة للنقد أو المعارضة أو حتى التعبير، لذا ليس غريباً أن يبتكر الشباب طرقاً للتعبير. وأعتقد أن هذه الظاهرة ستنمو إذا استمرت الأوضاع السياسية والحريات على هذا الحال، وسيستمر الشباب في ابتكار وسائل لممارسة حقهم في التعبير".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard