شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"سيد المرصد الأخير"، تحولات بيروت من القرن التاسع عشر حتى التاريخ القريب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 18 يونيو 201608:21 م

يتخذ شريف مجدلاني من حي المرصد البيروتيّ مكاناً لأحداث روايته "سيد المرصد الأخير"، ناسجاً من خلال حكاية عائلة خطار التي تقطن في هذا الحي،ّ سيرة تحوّلات بيروت من القرن التاسع عشر حتى التاريخ القريب، وكيف تبدّلت تركيبة السكان في الحيّ، وغيره، بفعل الحروب والنزاعات، ليكتب ما يمكن أن نسميه رواية تاريخ المكان.

هذا الحي الذي بدأ بالتشكّل مع أفواج اللاجئين المسيحيين، الهاربين من المجازر في دمشق وحاصبيا عام 1870. "يقع حي المرصد، كما يعلم الكل، إلى جنوب مدينة بيروت القديمة. شارعه العام ظلّ لفترة طويلة المحور الرئيسي الذي يربط طريق صيدا بأسواق قلب العاصمة القديم. سكّانه كانوا تقليدياً مسيحيين أرثوذكس ضاقت بهم البلدة القديمة في أواسط القرن التاسع عشر، انضمّ إليهم في ما بعد مسيحيون آخرون نزحوا من الجبل أو هاجروا من دمشق".

تبدأ الرواية عام 1964 بحدث أول هو ذهاب سيمون ابنة شكيب خطار أحد كبار وجهاء المرصد، لتتزوج خطيفة من حميد الساعد الأيمن لوالدها في المصنع الذي يملكه، بعد أن رفض الأول تزويجهما.

هذه الخطيفة تحصل في وقت معقد، كما أن لجوء حميد إلى منزل زوج عمته سيعيد إحياء العداء المستحكم بين العائلتين، والذي يعود إلى زمان بعيد.

يستغل الأب نفوذه ويتمكن من منع رجال الدين في المنطقة من تزويجهما، ثم يصل إلى ابنته ويعيدها إلى المنزل، ويبوح لها بسبب رفضه للشاب الذي يعمل لديه، والذي ائتمنه على الكثير من أملاكه، إذ يعترف لها بمواربة أن حميد ابنه غير الشرعي، لا مجرد ابنٍ لوكيل أعماله في القرية.

يتتبع الكاتب سيرة آل خطار منذ الجد الأول شكيب، الذي كان رسام أيقونات، مروراً بمخايل ابنه الذي يعود له الفضل في بناء أمجاد العائلة ونفوذها، وثروتها أيضاً، بعد أن استغل حاجة الناس خلال الحرب والحصار المفروض على مرافئ لبنان، وضارب على القمح واشترى به أراضي بأثمان بخسة "المضاربة والثروة الهائلة التي تأتت عنها دفعتا بآل خطار، ومخايل تحديداً، إلى مقدّم القادة السياسيين للمرصد، في وقت كان لبنان تأسس في حدوده الحالية. غير أن ذلك لم يحصل على الفور. وعند نهاية الحرب العالمية، كانت الخصومة لا تزال على أشدها بين مخايل وجبران نصّار الشهير. يظهر الرجلان جنباً إلى جنب في الصورة المعروفة لأعيان بيروت وهم يحيطون بالملك فيصل والجنرال غورو عام 1918".

تحكي الرواية عن تغيّر تركيبة السكان في مناطق لبنان، وعن تغيّر ملامحها، وتشكيل جغرافية سياسية وبشرية جديدة، أثّرت فيها الأحداث السياسية، ويسجّل أن هذا التغيّر بدأ في الخمسينيات، خصوصاً بعد الثورة ضد الرئيس شمعون، ثم ازداد مع تصاعد نفوذ المنظمات الفلسطينية في الستينيات، ليتخذ شكلاً نهائياً مع الحرب الأهلية، حين بدأ سكان مناطق معيّنة ببيع أملاكهم والهجرة أو الانتقال إلى أماكن أكثر استقراراً، مع ما رافق ذلك من قدوم عائلات تنتمي لتركيبة أخرى أرغمتها الميليشيات المسيطرة في مناطقها على الفرار.

كما يرصد الكاتب كيف تشكّلت الإقطاعيات اللبنانية في القرن التاسع عشر، وكيف تكوّنت بعد ذلك الزعامات المحلية التي كانت جزءاً من السلطة السياسية في لبنان، والصراعات التي نشأت بينها، والتحالفات في ما بينها، خصوصاً في المناطق المسيحية. ويبيّن كيف أن هذه السلطة كانت لا توفر شيئاُ في سبيل تعزيز موقعها السياسي، سواء بالتحالف مع زعماء الأحياء المسلمة، أو بالتحالف مع الأحزاب القومية والشيوعية.

كذلك يرصد الكاتب المصير الذي انتهت إليه هذه الزعامات بعد نشوب الحرب الأهلية، إذ ضاعت هيبتها وتلاشت مكانتها، وحلّت مكانها زعامات جديدة أفرزتها الحرب. وهذا هو حال شكيب آخر رجالات المرصد، الذي حاول الحفاظ على امبراطورية عائلة خطار حتى اللحظة الأخيرة، وغرق في آخر أيامه بهاجس توريث ثروته، بعد أن اكتشف أن جميع أولاده لن يستطيعوا الحفاظ عليها، ولا على جاه العائلة. فابنه البكر يركض وراء رغباته غير مكترث لا لمصير لبنان ولا لمستقبل العائلة، وابنه الأصغر اختار أن يناصر قضية القوى اليسارية والفلسطينية الذين كان والده يعتبرهم مسؤولين عن دمار البلد، فلم يجد الأب شكيب، حلاً إلا في توريث جميع أملاكه إلى ابنه غير الشرعي حميد، لأنه الوحيد الذي لن يفرط بها، قبل أن يكشف السرد عن آخر مفاجآته في الفصل الأخير.

شريف مجدلاني، روائي لبناني من مواليد بيروت 1960. يعدّ من أبرز الروائيين اللبنانيين الذين يكتبون بالفرنسية. يدرّس الآداب الفرنسية في جامعة القديس يوسف في بيروت. وهو رئيس جمعية "بيت الكتاب" منذ عام 2012. له خمس روايات ترجمت إلى العديد من اللغات. و"سيد المرصد الأخير" هي الرواية الثانية التي تترجم له إلى العربية بعد "البيت الكبير".

يذكر أن روايته الأخيرة "فيلا النساء" (Villa des femmes) حازت عام 2015  جائزة "جان جيونو الكبرى" (Grand Prix Jean-Giono).

[br/]

نقلتها إلى العربية: دانيال صالح

الناشر: نوفل - هاشيت أنطوان/ بيروت

عدد الصفحات: 200

الطبعة الأولى: 2015

 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard