شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن العبقرية اليابانية في استعمال المرحاض

عن العبقرية اليابانية في استعمال المرحاض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تكنولوجيا

الجمعة 30 يونيو 201702:09 ص

معجزة اليابان ترتكز على تحسين كل ابتكار منذ الابتكار الأعظم: العجلة، كما التحكم المثالي بكل الموارد لينعم كل فرد بحياة أفضل. بذلك أصبحت اليابان رائدة في العالم بالرغم من شحّ مواردها الطبيعية. الياباني يأله الطبيعة، لاسيما المياه والشمس، لذا يجاهد للحفاظ عليها والتمتّع بها. أقرب ترجمة للعربية لشعار اليابان الأول هو: جاهدوا!

جهاد اليابان بعيد كل البعد عن معنى الجهاد بالنسبة للعرب اليوم. اليابان تجاهد، منذ كارثتيها النوويتين، لتكون دولة قوية تؤمّن لمواطنيها حياة أفضل تعوضهم عن ماضيهم المؤلم. جهادها ذكي مبني على واقع ومعطيات اليوم، وليس على مرجع روحي: التحكّم بالموارد لضمان السيادة، وأهم مورد للحياة هو المياه. 360 مليون مستهلك في 22 بلد عربي يستعملون المرحاض حوالي خمس مرّات يومياً، وكل استخدام للسيفون يستهلك حوالي 13 ليتر مياه. بذلك يصل استهلاك العرب إلى 23 مليار ليتر يومياً، أي ما يعادل 8.5 كيلومتر مكعب من المياه سنوياً. قد يصل استعمال المياه في المنازل إلى 28 كيلومتر مكعّب سنوياً، أي أن بحيرة ليمان-جينيف بالكاد تكفي الاستعمال المنزلي في الدول العربية الـ 22 لثلاث سنوات تقريباً، وبحيرة ناصر، أكبر بحيرة اصطناعية في العالم (توازي مساحتها نصف لبنان) لا تكفي لأكثر من خمس سنوات. بدأت اليابان مسيرتها مع تقنين المياه منذ أجيال، مع أنها تتمتع بكمية 5,100 متر مكعب من المياه سنوياً للفرد، مقارنة مع الدول العربية الـ 22 حيث تقع أجف بقاع الأرض: 15 دولة عربية تعدّ ضمن أكثر 20 دولة شحاً في موارد المياه العذبة المتجددة مثلاً. اليابان أول من بدأ تصنيع غسالات تستعمل نصف كمية المياه على سبيل المثال، لكن مراحيضها تبقى أكثر ابتكاراتها استثنائية، وأكثر ما يؤثر في زوارها لأسباب عدّة، كل إنسان يفهمها لأن الحاجة للمرحاض كونية.

حجم تدفق المياه

منذ أكثر من 20 عاماً، أدخلت شركة توتو  toto اليابانية حجمين لتدفق المياه على المراحيض، أحدهما يدفق 5 ليترات من المياه والآخر 10 ليترات. بعد مرور 10 سنوات، أصبحت اليابان توفر 5 مليار ليتر من المياه يومياً من جرّاء هذا الابتكار. مع تطور التكنولوجيا، أصبحت toto أول مصنّع في العالم للأدوات الصحية وتبقى منتجاتها الأكثر تطوراً. في آخر 5 سنوات، أدخلت توتو تقنيات جديدة على المراحيض في اليابان، منها استعمال الهواء في عملية التدفق، أو ما يسمى بتقنية الإعصار، مما يقوّي فعالية الشفط رغماً عن صغر حجم كمية المياه المتدفقة. باتت كمية المياه المتدفقة تتراوح بين 3 و4 ليترات فقط، وذلك بفضل الهواء. بهذه التقنية، توفر اليابان كميات هائلة من المياه تستعملها في الصناعة والزراعة والتبريد. toto متواجدة اليوم في دبي، لكن منتجاتها لا تلقى رواجاً رغم جودتها، تقنيتها، وميزاتها الفريدة التي تتناسب مع العالم الأسلامي، لاسيما أن الوضوء قبل الصلاة يفرض الاغتسال.

المراحيض في اليابانdownload (19)

النظافة إيمان

في اليابان كلمة واحدة تعني جميل ونظيف معاً، فالنظافة هناك مرادفة للجمال. من هذا المنطلق المتجذر في الثقافة اليابانية ابتكرت toto أيضاً نظاماً للتنظيف بعد قضاء الحاجة. ضغطة زر واحدة في جهاز للتحكم عن بعد، ويظهر خرطوم مياه ينظف الجالس على ”الكرسي“. يستطيع المرء أن ينتقي حرارة المياه وقوة التدفق عبر جهاز التحكم، كما أنه يطمئن لعملية التنشيف، فخرطوم المياه يعود إلى مكانه من دون أي صوت، ويحل محله هواء دافىء يجفف الأعضاء تماماً قبل القيام عن الكرسي. هذه التقنية متوفرة في كل المنازل اليابانية اليوم، في المطاعم والمكاتب والمطارات.

تقنية صديقة للبيئة

ما أن ينتهي الفرد من قضاء حاجته، ينبّه جهاز استشعار المرحاض أن الكرسي أصبح شاغراً، فيبدأ تلقائياً تدفق ليترات المياه الأربعة لتنظيف المرحاض، بعد أن يغلق غطاءه كي لا تتطاير المياه الآثمة. إعادة تعبئة الخزان بالمياه تتم عبر مغسلة فوق الكرسي، تغسل فيها اليدين، بذلك يعاد تدوير المياه المستعملة في غسل اليدين لتنظيف المرحاض. هذه التقنية جعلت استعمال المياه للفرد الياباني أقل من نصف الكمية التي كانت عليها قبل عقدين، كما أنها وفرت استعمال مواد أخرى كالمناديل الورقية. آخر تقنيات toto اليوم في اليابان تعتمد على كمية الكلورين الموجودة في المياه، وتحويلها إلى مطهر صديق للبيئة. بذلك يبقى المرحاض نظيفاً من دون استعمال أي مادة كيماوية مضرّة بالبيئة. يذكر أن اليابان تكرر 5.4 مليون متر مكعب من المياه يومياً لإعادة استعمالها في الاستخدامات العامة.

الراحة مع النظافة

عندما يصل الزائر إلى اليابان، ويدخل غرفة الفندق، ثم الحمام لقضاء حاجته، ما أن تلامس مؤخرته الكرسي حتى يقفز خوفاً من كونه قد جلس خطأً على ما سيحرقه. حتى الكرسي في اليابان فيه جهاز تدفئة يجعل  قضاء الحاجة مميزاً. يمكن التحكم بحرارة الكرسي وفقاً لحرارة الغرفة، وذلك حتى 40 درجة مئوية في الشتاء. الكرسي اليوم مجهز بضوء ينور الحمام ما أن يقترب منه الشخص، وهي ميزة جيدة لقضاء الحاجة ليلاً، تفادياً لإزعاج النور القوي. مؤخراً ابتكرت toto ميزتين جديدتين: جهاز لتكرير الهواء في المرحاض نفسه، لإزالة الروائح عن طريق فيلتر من الفحم يغيّر مرّة كل سنة، بالإضافة إلى جهاز جديد رائج جداً لدى البعض، عبارة عن مكبّر صوت صغير يبعث موسيقى كلاسيكية أو أصواتاً مختلفة كالموج أو زقزقة العصافير عند قضاء الحاجة، فيغطي على الأصوات الأخرى!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard