شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ديبلوماسية كرة القدم: استخدام الكرة المستديرة لحل الأزمات

ديبلوماسية كرة القدم: استخدام الكرة المستديرة لحل الأزمات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 سبتمبر 201608:28 م

بعيداً عن ضجيج الحروب وغبار المعارك، وفي لفتة رمزية شديدة الدلالة للمطالبة بإنهاء الحرب ونشر السلام، بادرت منظمة H2O الليبية إلى تنفيذ سلسلة مباريات في كرة القدم في العاصمة طرابلس ضمّت لاعبين من مختلف المناطق والمدن الليبية، وذلك تحت شعار "في الميدان من أجل السلام".

خلال المباراة الأولى، ارتفعت في الملعب لافتات تدعو إلى الوحدة والسلام ونبذ الحروب والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد. هذا ليس التقاطع الأول بين كرة القدم والسياسة في ليبيا. فالشعب الليبي لجأ أكثر من مرة إبان حكم العقيد معمر القذافي إلى كرة القدم لتوجيه رسائل سياسية للسلطات في ظل خنق الحريات بشكل شبه تام، وأبرزها كان في العام 2003 عندما خرج آلاف الليبيين للاحتفال بفوز نادي ميلان الإيطالي بدوري أبطال أوروبا كشماتة مبطنة بخسارة يوفنتوس المدعوم في تلك الفترة من الساعدي القذافي، نجل الرئيس.

ديبلوماسية كرة القدم .. استخدام كرة القدم لحل الأزمات

الديبلوماسية الرياضية

تستطيع الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص أن تلعب دوراً كبيراً في التقريب بين الشعوب والإضاءة على القضايا المحقّة، لما تحمله من قيم ومعان سامية. ففي كرة القدم يسعى اللاعبون نحو هدف واحد هو تحقيق الفوز، وهو فوز مشروط بالتعاون وتفاني الفرد في خدمة المجموعة وتنفيذ الدور الموكل إليه بدقة، مع التأكيد على مفاهيم تقبّل الخسارة واحترام الخصم والامتثال لقوانين اللعبة. وكأن الميدان صورة مصغّرة لما يجب على المجتمع أن يكون عليه.

مواضيع أخرى:

تشجيع كرة القدم كوسيلة للتعبير عن الرأي

لم تعد السلطة المصرية تحتمل معارضيها: قرار بمواجهة محمد أبو تريكة

وتساهم الشعبية الجارفة للعبة حيث يتخطى عدد مشاهدي بعض المباريات المليار أحياناً، في استخدامها لتقريب المسافات بين المختلفين. فهي منبر قادر على إيصال الرسائل السياسية أو الإنسانية والإضاءة على القضايا الاجتماعية. وبالفعل، تنامى في السنوات الماضية دور روابط المشجعين واتسعت دائرة المواضيع التي تعنى بها متخطيةً الأمور الكروية إلى السياسة والمجتمع والثقافة وغيرها.

كرة القدم للتقريب بين الأديان

لم تخفَ عن البابا فرنسيس أهمية كرة القدم في التقريب بين الأديان وتعزيز ثقافة تقبّل الآخر، فرعى مبادرة اقترحها ابن بلده، الأرجنتيني خافيير زانيتي، لإقامة مباراة في كرة القدم في روما في سبتمبر 2014 جمعت نجوماً عالميين ينتمون إلى مختلف الأديان كمارادوانا وباجيو وزانيتي وآخرين تحت شعار "مباراة بين الأديان من أجل السلام".

استهلت المباراة بعرض رسالة مصوّرة للبابا بثت من الفاتيكان، وقال فيها: "لا أحد ينبغي أن يلعب مباراته الشخصية"، واختتمت بتلاوة وثيقة مقتضبة تحض على نشر السلام ونبذ العنف بثماني لغات مختلفة. ولاحقاً، أشاد البابا بالقيم العالمية المتوافرة في كرة القدم والتي تتجاوز الديانات والاختلافات، مؤكداً على إمكانية أن يحتفظ الرياضي بهويته الدينية على أن تكون الديانة قوة موجِّهة نحو السلام وليس الحقد.

كرة القدم للتقريب بين الشعوب

وانطلاقاً من مفهوم "ديبلوماسية كرة القدم"، وفي سبيل فتح كوة في جدار الكراهية المنصوب بين الشعبين التركي والأرمني على خلفية الإبادة الجماعية للأرمن التي ارتكبها الأتراك قبل عقود عدّة، حاول رئيسا البلدين التركي عبد الله غول والأرميني سيرج سركيسيان الاستفادة من مباريتي كرة القدم بين منتخبي بلديهما، في إطار تصفيات مونديال 2010، لتثبيت خطوة أولى على طريق الوصول لإقامة علاقات ديبلوماسية.

ففي خطوة مفاجئة، وجّه سركيسيان دعوة لغول لحضور المباراة التي ستقام في يريفان عاصمة أرمينيا. وقد حرّك الرئيسان كرة الانطلاق وسط مشاعر متناقضة رافقت هذه اللحظات التاريخية. بعد المباراة، صرّح سركيسيان: "علينا إيجاد حل عادل لهذه الخلافات ولا يمكننا توريثها لأحفادنا إلى ما لانهاية" فيما قال غول: "أتمنى أن تساعد مباراة اليوم في إزالة العوائق والتقريب بين الشعبين صاحبي التاريخ المشترك".

مصادفات قرّبت بين شعوب

عام 2010، أسفر سحب قرعة تصفيات كأس العالم في قارة آسيا عن مواجهة مثيرة بين كوريا الجنوبية وجارتها اللدودة كوريا الشمالية. وقد تقرر لعب المباراتين (الذهاب والإياب) على ملعب محايد في مدينة شنغهاي الصينية، بعد رفض السلطات الشمالية استضافة المنتخب الجنوبي في استاد "كيم الثاني" في بيونغ يانغ.

تمكّن المنتخبان من الوصول إلى المونديال الأفريقي معاً للمرة الأولى. وفي المونديال، قامت بعض جماهير الكرة في البلدين بإعلان تأييدها للبلد الجار في مبارياته في المسابقة متجاوزين الخلافات السياسية الحادة بين الحكومتين، بينما اعترف قائد المنتخب الجنوبي بارك جي سونغ Park J Song في تصريح لافت: "سأشاهد بكل تأكيد مباريات كوريا الشمالية، نحن جيران ونتكلم اللغة نفسها، عملياً نحن بلد واحد".

وعام 1998، شاءت القرعة أن تضع منتخبي إيران والولايات المتحدة وجهاً لوجه في مجموعة واحدة، خلال مونديال فرنسا. استحوذت المباراة على اهتمام الوسطين السياسي والرياضي ووصفها رئيس الفيفا بأم المباريات بسبب العداء الحاد بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. أصرّ لاعبو الفريقين على تجاوز خلافات حكومتيهما وتوجيه رسالة محبة من خلال كرة القدم. قدّم اللاعبون الإيرانيون وروداً بيضاً لخصومهم قبيل انطلاق المباراة، والوردة البيضاء في إيران هي رمز للسلام.

محطات قاتمة

في المقابل، تسببت كرة القدم في بعض الحالات بتأجيج مشاعر الكراهية وتسعيرها بين الشعوب بدون أن تكون خلفية النزاع كروية بالضرورة. والمثال على ذلك، الأحداث الدموية التي رافقت مباراة الإياب بين السلفادور وهندوراس في تصفيات مونديال المكسيك 1970 والتي أقيمت في العاصمة سان سلفادور. حينذاك، شعر الهندوراسيون بالإهانة بعد إطلاق جماهير السلفادور صافرات استهجان خلال إلقاء النشيد الوطني الهندوراسي في الملعب، فتعرض السلفادوريون المقيمون في هندوراس لأعمال عنف ذهب ضحيتها عدد كبير وغير محدد من القتلى. وقد مارست وسائل الإعلام في البلدين التحريض فتفاقمت الأزمة ووصل البلدان إلى شفير الحرب. الحادثة، وإن بدت ظاهرياً ناجمة عن مباراة في كرة القدم، هي في الحقيقة نتيجة لمشاعر الكراهية المكبوتة بين الشعبين كجارين لدودين بينهما مواضيع خلافية كثيرة كالهجرة واستصلاح الأراضي الحدودية.

وفي الأول من فبراير 2012، هزّت حادثة كروية مأسوية الشارع المصري حين اقتحم مشجعو النادي المصري استاد بورسعيد واعتدوا على جماهير الأهلي ولاعبيه بالعصي والسكاكين متسببين بسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى بحجة أن جماهير الأهلي رفعوا لافتة كتب عليها "بلد البالة ما جبتش رجالة". لكن التحقيقات اللاحقة بينّت أن للحادثة خلفيات سياسية. تبادلت الأطراف السياسية الاتهامات بالمسؤولية فاتهم الرئيس محمد مرسي فلول نظام الرئيس حسني مبارك بتدبير الحادثة فيما استخدم معارضو مرسي الحادثة للتصويب على نهجه وسياساته.

يمكننا القول إن مفهوم "الديبلوماسية الرياضية" نجح في بعض المحطات. لكن المطلوب اليوم هو مضاعفة الجهود لمواجهات الظواهر السلبية في الرياضة كالعنصرية والعدائية خاصة مع تنامي ظاهرة روابط التشجيع المتطرفة "الألتراس" التي تقدّم صوراً لا تليق بالرياضة في أحيان كثيرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard