شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل فعلاً رُمي بن لادن في البحر؟

هل فعلاً رُمي بن لادن في البحر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 سبتمبر 201602:46 م

يبدو أنّ قصة نهاية أسامة بن لادن، رأس تنظيم القاعدة، لم تعد مقنعة لكثيرين. ففي تقرير طويل نشرته London review of books بعنوان "مقتل أسامة بن لادن"، طرح الصحافي سيمور هيرش تفاصيل جديدة عن واقعة الاغتيال الشهيرة وروى تفاصيل مغايرة جذرياً للقصة الرسميّة التي نُشرت عام 2011.

وحصل هيرش من الجنرال الباكستاني المتقاعد (أسعد دوراني) على معلومات سريّة عن تفاصيل العملية التي أدت إلى مقتل أسامة بن لادن، وعن التعاون بين الاستخبارات الباكستانية والأمريكية لتنفيذ هذه العملية. وتحدث عن الدوّر السريّ الذي لعبه الجنرال إشفاق برويز كياني والمدير العام للاستخبارات الباكستانيّة المشتركة أحمد شجاع باشا، اللذان سهّلا عملية التصفية الأمريكية لأسامة بن لادن في مجمع أبوت أباد حيث كان يقيم.

وعلى خلاف الرواية المتداولة، لم تتمكن الاستخبارات الأمريكية من تحديد موقع بن لادن إلا بعد أن قام أحد عناصر الاستخبارات الباكستانية بخيانة دوره الوظيفي وإيصال معلومات للاستخبارات الأمريكية عن موقعه، وذلك مقابل مكافأة بقيمة 25 مليون دولار.

وأشار دوراني إلى أن بن لادن كان موجوداً كرهينة لدى السلطات الباكستانية منذ عام 2006، وقال إن باشا وكياني كانا على علم بالعملية التي ستقوم بها الاستخبارات الأمريكية، ولكن تم الاتفاق على عدم كشف الحقيقة لأغراض سياسية تتعلق بالمعونات التي تقدمها أمريكا للجيش الباكستاني في سبيل الجهود المشتركة للوقوف بوجه الإرهاب ولأسباب تتعلق بعدم إثارة الغضب الشعبي وغضب طالبان خصوصاً.

المكيدة

وأفاد هيرش بأن الاستخبارات الأمريكية أخفت المعلومات التي حصلت عليها عن الحكومة الباكستانية خوفاً من أن تقوم بتغيير مكان بن لادن، واحتاطت بتهريب مسرّب المعلومة وعائلته إلى واشنطن.

وهكذا، أُخضع المجمّع السكني الذي كان يعيش فيه بن لادن في أبوت أباد للمراقبة عن قرب عبر الأقمار الصناعية. وبدأت النقاشات حول احتمال قصف المجمع أو تنفيذ عملية نوعية لاغتيال بن لادن. وعندما عُرض الموضوع على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، طلب الأخير التحقق من صحة المعلومات قبل التصرف. حينذاك، كان لا بد من الاستعانة بباشا وكياني وابتزازهما بفضح حقيقة أن باكستان تحتجز بن لادن، وهذا سيؤدي إلى أزمة دولية.

استجاب الضابطان للابتزاز. وعلى أثر ذلك، طُلب من الضابط الطبيب أمير عزيز الحصول على الحمض النووي لبن لادن بوصفه الطبيب المُعيّن لمتابعة صحته، وكان قد صرح سابقاً أن بن لادن مقعد ولا يستطيع الحركة. وقد كشفت تقارير لاحقة أن عزيز كان يقيم في منزل قرب منزل بن لادن، وبعد الانتهاء من العمليّة لُفّقت له تهمة في قضية لقاحات فاسدة ليكون كبش الفداء لإخفاء التعاون بين المخابرات الباكساتينة والأمريكية، وخصوصاً في ظل السؤال الذي طُرح بعد إعلان مقتل بن لادن عن كيفية حصول المخابرات الأمريكية على عينة الحمض النووي إذا لم يكن هناك تعاون مع باكستان التي لم يتم إشراكها في عملية التصفية، بحسب الرواية الرسميّة.

اتفق الطرفان على قتل بن لادن، وجُهزت مجموعة من أربعة عناصر من قوات البحرية الخاصة للقيام بتنفيذ المهمّة واقتحام المجمّع، بعد أن جرى التنسيق مع الاستخبارات بحيث لا يتم اكتشاف الحوامتين الأمريكيتن اللتين تحملان الفريق. كما اتفقا على أن لا يتم الإعلان عن مقتل بن لادن إلا بعد سبعة أيام، وعلى صون سرّية تعاون باشا وكياني، وعلى الإبقاء على المساعدات الأمريكية العسكرية لباكستان. واتفقا أيضاً على إخراج يقول إن بن لادن مات في قصف على محافظة هندو كوش، على الجانب الأفغاني من الحدود الباكستانيّة.

الاغتيال

كان لدى المجموعة التي ستقوم بقتل بن لادن معلومات دقيقة عن موقعه ومكان إقامته. وبرغم تحطم إحدى الحوامات التي كانت تحمل الفريق فإن العملية تمت بسلاسة، فالكهرباء والماء قطعا عن المجمع الذي أُفرغ من الحراس. وبمساعدة دليل باكستاني، تم توجيه الفريق إلى داخل المكان، وهذا ما جعل الرواية الرسمية أشبه بالخيال: كيف يمكن لبن لادن أن يكون بلا حراسة؟

كان بن لادن مقيماً في الطابق الثالث من أحد المباني وراء جدران فولاذيّة، وما حصل، بحسب رواية هيرش، هو التالي: استخدمت القوات الخاصّة المتفجرات لفتح باب غرفة بن لادن من دون أذية أحد. إحدى زوجاته كانت تصرخ بشكل هيستيري، ربما لأن رصاصة طائشة أصابت ركبتها. وعدا الرصاصات التي كانت موجهة لبن لادن، لم تطلق أيّة رصاصة.

هذه الرواية هي عكس ما تقوله الرواية الرسميّة للبيت الأبيض، والتي تدّعي أن بن لادن كان يحاول الوصول إلى رشاشه Ak-47، وأنه قتل لأنه كان سيطلق النار على المقتحمين. لكن الحقيقة بحسب هيرش كانت غير ذلك: بن لادن لم يكن قادراً على الدفاع عن نفسه، وما حصل هو جريمة قتل.

أين الجثة؟

شكلت وفاة بن لادن بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي كان على أبواب الانتخابات ورقة رابحة. وبدأ التساؤل يدور في رأسه: هل أخبر الشعب الأمريكي الآن بأننا قتلنا بن لادن، أم انتظر أسبوعاً وأفي بوعدي للباكستانيين؟ وأيضاً، لم يكن من الممكن تجاهل تحطم مروحية أثناء تنفيذ المهمّة. وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي إلى إخبار شعبه بما حصل.

في هذه الأثناء، لم تكن جثة بن لادن المثخنة بالرصاص معروفة المصير. وبحسب هيرش، كانت ادعاءات أوباما عن فحوص الحمض النووي كاذبة، وجثة بن لادن لم تصل إلى حدود أفغانستان كما كان متفقاً عليه، وجرى اختلاق قصة عن عدد القتلى في المجمع، وهم خمسة: بن لادن، الدليل وأخوه، أحد أبناء بن لادن وإحدى زوجاته التي كانت تحاول حمايته. ولكن رواية لاحقة أصدرها البنتاغون تراجعت عن هذه المعلومات، وقالت إن بن لادن لم يكن مسلحاً حين قُتل، ولم يستخدم إحدى زوجاته درعاً لحماية نفسه.

لكن أين الجثة؟ بحسب هيرش، اختُرعت لاحقاً قصة عن رمي جثة بن لادن في المياه، شمال بحر العرب، بعد تكفينه حسب الطريقة الإسلاميّة. وأشار هيرش في التقرير إلى أن أحداً لم يشهد هذا الدفن، فلا توجد معلومات عنه، وما هو موجود في سجل البارجة أخفته الاستخبارات ولم تتسرب أو تنشر أيّة صور أو تسجيل لما يُفترض أنه قد حدث على متن البارجة. وحتى مَن كانوا على ظهر البارجة منعوا من الحديث عن الموضوع.

وأفاد هيرش إلى أن أشلاء جثة بن لادن وضعت في كيس للجثث وتم إلقاء بعضها من الحوامة التي كانت تنقل الفريق في رحلة العودة إلى جلال أباد. وما تبقى من الرفات دُفن داخل أفغانستان.

بُعيد صدور التقرير، نفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض نيد برايس رواية هيرش وقال: "هناك معلومات غير دقيقة وتأكيدات لا أساس لها في هذا المقال". وأضاف أن "عدداً محدوداً من المسؤولين الأمريكيين كانوا على علم بأن الرئيس باراك أوباما قرر منذ البداية عدم إبلاغ حكومات أخرى، بما في ذلك الحكومة الباكستانية"، مشيراً إلى أن "العملية كانت أمريكية بحتة". ولكن رواية هيرش أعادت تجديد الشكوك في تفاصيل مقتل بن لادن، وهي شكوك ظهرت منذ قتله.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard