شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي

المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 18 مارس 201903:32 م
علمتنا الحياة في البلاد العربية أن نفقد شعورنا بالانتماء للبشرية مقابل تضخيم شعورنا بالانتماء لإقليمنا ولا أقول قوميتنا. لذا سنجد آلاف الكتب التي يقدم فيها المفكر العربي طروحاته وتنظيراته حول أزمات الإنسان العربي من الاستعمار إلى الصهيونيّة إلى الإسلام السياسي، في مقابل ندرة التنظيرات الجريئة والواثقة لقضايا الإنسان المعاصر كالعولمة والفردانية والمرأة وأخلاقيات ما بعد التكنولوجيا.
 من هذه الزاوية تتعقد أزمة النخب لدى تناول قضية إنسانية كبرى كقضية المرأة، أولًا لأنها ليست حكرًا على الدول العربية، وبالتالي فالمقارنة بين الطرح العربي والعالمي واردة إن لم نقل واجبة، وثانياً لكونها قضية قياسية، أي أن ارتقاءك الحضاري يقاس على هذه المسطرة حالها حال بقية المساطر التي تمثّلها قضايا الحريات وحقوق الإنسان، وبالتالي فالعالم يراقب ويراجع ما تدعيّه من أسباب لتردي حال المرأة العربية بل ويفنّده.
 ولأن المفكر العربي ليس حراً بالاستفراد بطرحه على اعتبار المشكلة عربية وأهل مكة أدرى بشعابها، جاءت معظم محاولات تعريب قضية المرأة العربية وفصلها عن السياق العالمي من خلال منحها مزيداً من الخصوصية النابعة من البيئة الدينية والأبوية. لذا كان الأكثر إقناعا أن تُحال أوضاع المرأة العربية إلى الحال العربية ككل، وأن تؤخذ الرداءة الخاصة بمعية الرداءة العامة.
 من هذه الزاوية وجب التساؤل عن الفائدة التي تحققت للمرأة العربية من جعل مسألة تحررها إقليمية لا عالمية، لا سيما مع تزامن هذا السلخ وصعود تيارات الإسلام السياسي التي كانت - للمفاجأة- أكثر جلداً واجتهاداً في التنظير لحرية المرأة في الإسلام من التيارات اليسارية و/أو العلمانية.
 اللافت أيضاً أن معظم الحلول المطروحة على الطاولة لإشكاليات تحرر المرأة العربية يمكن تصنيفها على أنها اجتهاد ديني، بدءاً من طروحات القرآنيين التي تساوي بين الجنسين في الإرث وتقول بعدم وجوب الحجاب، وصولاً إلى فتاوى السلفيين التي أكدت مؤخراً أن قيادة المرأة للسيارة ليست من الحرام بشيء.
مشكلة قضية تحرر المرأة العربية اليوم أنها إسلامية وليست عربية
 الخديعة الكبرى كانت في استدراج الجهات التي تعمل على هذه القضية من مراكز واتحادات وأحزاب وحتى جامعات ومفكرين إلى المعركة الفقهية الدينية لا القانونية التشريعية، الأمر الذي تراكم مع السنوات لصالح إضفاء الصبغة الدينية على معظم جدليات حقوق المرأة بحكم ضرورة الرد على الطرح الديني والدفاع عن الرؤية التحررية.
 بعد 100 عام من احتجاجات 1919 في مصر وخروج المرأة لأوّل مرة من بيتها للتظاهر.
بعد 100 عام من ولادة أول حركة تحرر المرأة العربية بقيادة الثالوث الشجاع هدى شعراوي وصفية زغلول وسيزا نبراوي.
بعد 100 عام نجحت الحركات الإسلامية في جعل الحجاب هو القضية المركزية للمرأة العربية، وفي فصل قضية تحرر المرأة عن قضايا التحرر الوطني، بتواطؤٍ واعٍ ومقصود من الأنظمة والمجتمع.
سنجد آلاف الكتب التي يقدم فيها المفكر العربي طروحاته وتنظيراته حول أزمات الإنسان العربي من الاستعمار إلى الصهيونيّة إلى الإسلام السياسي، في مقابل ندرة التنظيرات الجريئة والواثقة لقضايا الإنسان المعاصر كالعولمة والفردانية والمرأة وأخلاقيات ما بعد التكنولوجيا.
بل نجحت هذه التيارات في تصدير خطاب أكثر خطورة يجعل من تحرر المرأة نقيض التحرر الوطني، بربط الحجاب بالهوية الوطنية على اعتبار أن الإسلام هو أبرز ملامح القومية العربية، وكل ما يناقضه يصب لصالح (الغرب) بمعناه الواسع الفضفاض.
 كل ما سبق مبني على افتراض أن النخب العربية لم تتواطأ هي أيضاً للتقليل من نوع وكم التحرر المنشود، وأن شبهة تضارب المصالح الشخصية مقابل العامة ليست واردة، وأن انسحاباً صامتاً لم يحدث لتُترك المرأة وحدها في معركة تحررها.
 بل نجحت هذه التيارات في تصدير خطاب أكثر خطورة يجعل من تحرر المرأة نقيض التحرر الوطني، بربط الحجاب بالهوية الوطنية على اعتبار أن الإسلام هو أبرز ملامح القومية العربية، وكل ما يناقضه يصب لصالح (الغرب) بمعناه الواسع الفضفاض الذي يناسب خطاب الإسلاميين في صناعة العداء.
 كل ما سبق مبني على افتراض أن النخب العربية لم تتواطأ هي أيضاً للتقليل من نوع وكم التحرر المنشود، وأن شبهة تضارب المصالح الشخصية مقابل العامة ليست واردة، وأن انسحاباً صامتاً لم يحدث لتُترك المرأة وحدها في معركة تحررها.
 كل ما سبق لم يأخذ في الاعتبار موضة الترفع التي يمارسها المفكر العربي مع قضية تحرير المرأة تحاشياً لشبهات قلة الحمية أو الدعوة للانحلال، وأن المبرر المفضّل لتأجيل كل طرح تحرري جديد هو أن هنالك قضايا وطنية أكثر أهمية حالياً.
 مشكلة قضية تحرر المرأة العربية اليوم أنها إسلامية وليست عربية، ولذا فهي ليست قضية وطنية أو عالمية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard