شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "غريق يتسلى في أرجوحة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201602:11 م

بخفّة وسلاسة، يكتب يوسف المحيميد روايته الجديدة "غريق يتسلى في أرجوحة" التي يناقش فيها موضوعاً بعيداً من دائرة المواضيع التي تناولها في رواياته السابقة، إذ يطرح سؤالاً هو: "كيف يمكن صناعة السينما في بلدٍ يعتبر السينما من المحرّمات؟"، وإن كان هذا السؤال جديداً على عالم المحيميد الروائي، فهو يشتبك مع هذا العالم في الهمّ ذاته: العيش في مجتمع يحرسه من يظنون أنهم يحافظون على الفضيلة! 

لا شخصيات كثيرة في الرواية، فالروائي السعودي يكتفي بشخصيتين اثنتين يُبرز من خلالهما الإشكاليات التي يريد كشف اللثام عنها، فيقسم الرواية ثمانية فصول، يتغيّر الراوي في كل واحد منها بين ثلاثة: "فيصل" المخرج السينمائي الشاب، "ناهد" الفتاة التي يعيش معها علاقة حب، والراوي العليم الذي يتدخل بين حينٍ وآخر لتوضيح مسارات الحكاية، وسرد ما لا يمكن للشخصيتين أن تقولاه.

تتداخل الوحدة التي يعيشها "فيصل" مع عجزه عن إيجاد فكرة لفيلمه القصير، الذي ينبغي له إنجازه للمشاركة في مسابقة. ولعلّ الوحدة هي سبب هذا العجز، فهو يعيش في مجتمع يحارب السينما ويرى في الأفلام دعوة إلى الضلال، حتى عائلته المقربة لا تفهم خياراته، وتعتبر ما يفعله جنوناً وإضاعة للوقت.

هكذا صار يشعر بثقل غربته القاتلة وهو في أحضان مدينته، "حينما تنشر الصحافة حواراً معي حول السينما، ترسل لي أختي نورة: "والله ما ضيّعك يا فيصل، وضيّع مستقبلك إلا الخرابيط"، وكثيراً ما تتصل بي، وتنصحني أن أترك هذا الجنون، وأركّز على مستقبلي، وتتهم السينما بفشل زواجي، وهرب بنت الناس من قيد رجل أحمق، ينظر إلى الحياة من عين الكاميرا.

لا أحد يؤمن بما يفعله إلا ناهد، الفتاة التي رآها مصادفة في أحد المهرجانات التي شارك فيها في "جدة"، وتطورت علاقتهما سريعاً، فصارت تشاركه في اهتمامه وولعه بالسينما، يجلسان كل ليلة جمعة، هو في منزله في الرياض وهي في منزلها في جدة، يتفقان على مشاهدة الفيلم نفسه، ويتركان سماعة الهاتف مفتوحة كي يتبادلا الكلام ويشعرا بأنهما متجاوران فعلاً.

ولناهد قصة أيضاً، فهي فتاة تعاني من "الرهاب ضد الألم" و"ضد الجماع" تحديداً، لم تسمح لزوجها بالاقتراب منها ليلة العرس، ولا في الليالي التالية، بسبب رهابها ذاك، جرّب زوجها مرة بالعنف ومرة بزيارة الطبيبة النفسية، ومرة بالذهاب إلى العيادات الطبية لإزالة البكارة، لكن جميع محاولاته تلك باءت بالفشل، وظلت على خوفها، وهذا ما أدّى إلى طلاقهما.

هنا يلقي الكاتب الضوء على التربية المتشددة المنغلقة للفتيات، وكيف أن التحذير المستمر من الرجل، وإحاطة موضوع الجنس بالكثير من الغموض والرهبة، يكونان سبباً في الكثير من المشكلات، ويحوّلانه إلى هاجس وخوف في داخل الفتاة. كذلك يثير الكاتب من خلال شخصية "ناهد" قضية العنصرية داخل المجتمع السعودي، إذ إن الأجداد الأوائل لناهد قدموا من داغستان وسكنوا في المدينة المنورة، شأنهم شأن الكثير من أهل جدة ومكة، الذين أتوا للحج أو العمرة قبل عشرات السنين ولم يرجعوا إلى بلدانهم بل استقروا في السعودية وحصلوا على جنسيتها وأصبحوا مواطنين فيها، لكن سكان المناطق الشرقية يعتبرون أنهم ليسوا أهل البلد الأصليين، ويعيّرونهم بذلك مطلقين عليهم لقب "طرش بحر".

تمتلئ الرواية بأسماء الأفلام العالمية التي يحبها "فيصل"، إذ يحكي عن موضوعاتها والأشياء التي أعجبته فيها، وما الذي علّمته إياه هذه الأفلام، وما الأثر الذي تركته في نفسه، ومدى إسهامها في تكوين شخصيته ووعيه للحياة والحرية وغيرها من القيم، "كثيراً ما فكّرت أن هذه الأفلام هي من صنع شخصيتي، وعلّمتني، نعم وربّتني أيضاً، فعلاً أكثر من البيت والمدرسة وجماعة تحفيظ القرآن، لو قلت ذلك لحبيبتي ناهد، لصاحت بي وهي تردد: استغفر الله". وبالعودة إلى موضوع الرواية الأساسي، يمكن القول أن المحيميد نجح في تصوير الغربة التي يحياها المبدع في مجتمع منغلق، وكيف أنه يشعر بنفسه هشاً وعاجزاً عن صناعة الفن، وعن الحب، وعن التطور ما دام محكوماً برقابة سياسية ودينية واجتماعية.

يوسف المحيميد روائي سعودي من مواليد الرياض 1964، له بضع مجموعات قصصية، وسبع روايات: "لغط موتى"، "فخاخ الرائحة" التي حازت جائزة الزياتور الإيطالية للأدب العالمي 2011 ((Alziator، "القارورة"، "نزهة الدلفين"، "الحمام لا يطير في بريدة" التي فاز عنها بجائزة أبو القاسم الشابي للرواية العربية 2011، "غريق يتسلى في أرجوحة"، ورواية للفتيان بعنوان: "رحلة الفتى النجدي" التي فازت بجائزة وزارة الثقافة والإعلام لمعرض الرياض الدولي للكتاب في عام 2013. ترجمت أعماله إلى سبع لغات، من بينها الإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية.

الناشر: المركز الثقافي العربي/ بيروت – الدار البيضاء

المؤلف: يوسف المحيميد/ السعودية

عدد الصفحات: 176

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية على موقع النيل والفرات، أو موقع Arabicbookshop.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard