شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تأنيثُ الفقرِ مستمرّ.. لماذا تحظر المرأة في بلداننا من إرث الأراضي والعقارات؟

تأنيثُ الفقرِ مستمرّ.. لماذا تحظر المرأة في بلداننا من إرث الأراضي والعقارات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 15 فبراير 201901:32 م

تعرضت سميرة حسن (اسم مستعار) إلى عنف بسبب الإرث، حيث إن أشقاءَها الذّكور منعوها من الحصول على ميراثها من الأب، الذي يمتلك بيتاً وقطعة أرضٍ صغيرة وبعض الممتلكات الأخرى. وحين رفضت التنازلَ عن إرثها الشرعي تعرّضت للضرب والاعتداء الجسدي، هي وابنتها الوحيدة.

تعيش سميرة في محافظة دمياط المصرية، التي تطلّ على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكانت تتكئ على إرثها من الأب حتى تحسن وترتقي بمعيشتها، لكن وضعهن المعيشيّ استمرّ كما هو، بعد أن رفض أشقّاؤها إعطاءَها إرثَها. خلال هذا التوقيت، كان زوج سميرة يعاني من مرض خطير، ويلزم الفراش، لذا كانت ملزمة بمصاريف علاجه، حينها طلبت منه أن يكتب الشقّة باسمها أو اسم ابنتهما حتى لا تدخل في صراع مع أشقّائه، إذا حدث له مكروه، وهو ما نفاه تماماً، مؤكداً أن أشقاءه ليسوا كأشقائها.

عدم انتقال الأراضي إلى عائلة أخرى

لم تمرّ أيام حتّى توفي الزوج، ودخلت سميرة في صراعات مع أشقّائه للحصول على نصيبها ونصيب ابنتها من الإرث في الشقة إلا أنهم رفضوا ذلك، وتعرّضت لعنف مضاعف من أشقائها وأشقاء زوجها. تقول: "طردوني وضربوني واستولوا على نصيبي في الإرث، وقالوا لي اذهبي واشتكي في المحاكم".

وتضيف لرصيف22: "أخذوا منّي الشقة وكلّ ممتلكاتي وطردوني أنا وابنتي. وبالرغم من أن حالتهم المادية جيدة، إلا أنهم لم يريدوا أن يبقى أرث شقة في بيت عائلة، وربما تتزوج فيها أبنتي، وقالوا لي لن يأخذ الشقة غرباء عن العائلة، وتعرّضت للضغط للتنازل عن الأراضي والبيت".

في بعض البلدان العربية تتنازل المرأة عن نصيبها في الإرث نتيجة التهديد أو الخوف من المشاكل التي قد تدخل فيها مع العائلة أو عدم القدرة على مواصلة الطريق القانوني، إلا أن الخوف الأكبر هو القطيعة التي تتعرّض لها المرأة من العائلة، في أحيان عدة، إذا طالبت أن تحصل على إرثها القانوني، مما قد يدخلها في صراع اجتماعي.

مشاركة الغريب أرض العائلة

الوضع ذاته تكرر مع "أم حسين"، امرأة في العقد الخامس، تعيش في الأردن، ولديها ستة أبناء. توفي والدها وترك مئات الأراضي الزراعية وعقارات، ومع ذلك قام الأشقّاء بالضغط الشديد على أخواتهم الإناث بعد ساعات قليلة من وفاة الوالد، وانتزعوا منهن توقيعهن على التنازل عن حصصهن من الميراث.

وبالرّغم من تمسّك أم حسين بحقّها، بحسب جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"، تصاعدت وتيرة المشاكل مع أشقائها لأنّهم لا يرغبون بأن يأخذ الغريبُ جزءاً من أراضي العائلة حسب قولهم، ووصل الأمر بأحدهم أنه أطلق النار على أم حسين متّهماً إياها بسوء الخلق.

وتشير جمعية "تضامن" الأردنية، إلى أن هناك آلاف القصص التي تحرم فيها الإناث من حصصهن الإرثية، وإن اختلفت تلك القصص فيما بينها من حيث الوسائل والطرق والأساليب. فقد أصبح شائعاً التنكّر للحقوق الإرثية المشروعة للنساء، وبرزت تقاليد وأعراف اجتماعية بعيدة عن عدالة الشّرع والقانون مستندة إلى الفكر الذكوري المتسلّط والمستند إلى تفوّق الرّجل وأولويته في التمتّع بالسلطة والحقوق.

الأرض تزيد النفوذ

في هذا السياق، يقول المحامي والحقوقي أحمد أبو المجد، إن الأرض تعتبر مقياسَ النفوذ العائلي والقبلي في الريف؛ كلّما زادت، زاد النفوذ، وكلّما قلّت قلّ النفوذ، لذلك تكون العائلة أكثر حرصاً على الحفاظ على أكبر مساحة أرض باسم الذكور، وتوريثها للذكور لبقاء الأرض في حيازة العائلة وباسمها، موضحًا: "من هنا يكون توريث النساء للأرض مرفوضاً، لأنها ستذهب لحيازة عائلة أخري تزيد من نفوذها".

والامتناع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سند الميراث حال طلبه من أيٍّ من الورثة الشرعيين، يعدّ جريمة، وجاءت العقوبة بالحبس 6 أشهر، وغرامة من 20 إلى 100 ألف جنيه.

وتنصّ المادة رقم 2019 لسنة 2017 على أنه "مع عدم الإخلال بأيّ عقوبة أشدّ ينصّ عليها أيّ قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقلّ عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقلّ عن 20 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلّ من أمتنع عمداً عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أيٍّ من الورثة الشرعيّين، وفي حالة العود الحبسُ مدّة لا تقلّ عن سنة".

في بعض البلدان العربية تتنازل المرأة عن نصيبها في الإرث نتيجة التهديد أو الخوف من المشاكل التي قد تدخل فيها مع العائلة أو عدم القدرة على مواصلة الطريق القانوني، إلا أن الخوف الأكبر هو القطيعة التي تتعرّض لها المرأة من العائلة، في أحيان عدة، إذا طالبت أن تحصل على إرثها القانوني، مما قد يدخلها في صراع اجتماعي.

وخلال عملية التقاضي يجوز الصلح أمام النيابة العامة أو المحكمة، وتنقضي الدعوى الجنائية صلحاً، وإذا تمّ الصلح أثناء تنفيذ العقوبة تأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة.

أما حالات التنازل عن الإرث فعادةً ما تكون لاعتبارات أسرية؛ فبحسب أبو المجد، فإن النساء لا يستمررنَ في النزاع والمطالبة بحقوقهنّ للمحاكم، حفاظاً على صلة الرحم. والأمر منتشر في دول عربية عدّة، حيث تعاني فيها النساء من نفس المشكلة، مثل اليمن وفلسطين.

ويتابع: "في بعض محافظات الجمهورية اليمنية تحرم المرأة من ميراث الأب والزوج، وفي مناطق ريفية يعطي المورث قبل وفاته للإناث بعض الأموال ويبني لهن منازل خاصة، فيما يقوم بتقسيم التركة بين الذكور فقط، وغير ذلك من الحيَل التي تستبعد النساء."

تأثير حرمان المرأة من إرث العقارات.. استمرار لتأنيث الفقر

ويعد حرمان النساء من الميراث، خاصةً الأراضي والممتلكات، سواء بإجراء عمليات التنازل من قبل الآباء لأبنائهم الذّكور أو بعد وفاته عبر حجبها من الحصول من خلال ممارسة الضغوطات العائلية والتهديد والإكراه للتنازل عن ميراثهن، إضافة إلى جهل النساء بحقوقهن أو خوفهن من المطالبة به، ويؤدي ذلك في النهاية إلى توسيع دائرة النساء اللاتي لا يملكن المنازل والأراضي.

وبحسب جمعية "تضامن" فإن هذا الفكر في حجب الإرث عن النساء بسبب الخوف من مشاركة غرباء (الزوج والأبناء) يعدّ ترسيخاً لما يعرف بـ"تأنيث الفقر" الذي يزيد من أعداد النساء الفقيرات والمهمّشات وغير القادرات على إعالة أنفسهنّ وأسَرِهن، ويفقدهن القدرة على مواجهة أعباء الحياة المادية، ويوقع العديد منهن في مشاكل قانونية، ويتمّ استغلالهنّ بمختلف الطّرق والوسائل.

المرأة وأولادها درجة ثانية في العائلة

تحرم المرأة من إرثها خوفاً من أن تنازعَ العائلةَ عائلةٌ أخرى في السّيطرة على الأرض أو الممتلكات، ويفضّل البعض أن يحلّ الأمر بشكل ودّيّ، سواء بالتّنازل بالتراضي أو بأخذ جزء بيع الأراضي والعقارات من قبل الأخوة الأشقّاء بمقابل زهيد.

ينطلق المنع في الأساس من النزعة الذكورية، بحسب رضا الدنبوقي، المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، فإن الفكرة الراسخة لدى البعض في عدم انتقال العقارات أو الأراضي إلى زوجها أو أولاد زوجها، هي أنهم أجانب عن العائلة، ولديهم تصوّر بأنّ الأبناء من الذّكور هم أحقُّ من الإناث.

وأوضح الدنبوقي: إن هذا التصوّر ساذجٌ ومخالف للمادة 53 من الدستور المصري التي تنصّ على عدم التميز على أساس اللون أو الجنس أو النوع، وكذلك المادة 11 من الدستور تنصّ على أن الدولة ملزمة بمحاربة التمييز الأسري والعنف ضدّ المرأة.

ثراء على حساب الغير

يعدّ التنازل عن الإرث بهذه الطريقة جريمةً مستترة، لأنّ المرأة ترضى بالإكراه أن تتنازل أو تبيع إرثها إلى أشقّائها بسعرٍ أقلّ من الطبيعي. وإن طالبتْ به، لن تكون حينها ابنتَهم، وإن تصرفاتها غير مسؤولة. وإذا طالبت فسوف تستأهل القتل أو الحرمان من التواصل مع العائلة، فيما يعدّ هذا حقّاً أصيلاً لها، ومحرّماً دينيّاً.

يندرج الحصول على إرث النساء في المناطق القبلية ثراء على حساب الغير، ويؤكد "الدنبوقي"، إنه بطبيعة الحال لا تحصل المرأة على إرثها بشكل كامل، ويطلق عليها في الصعيد "الغرمة"، وفي الغالب ترضخ المرأة لأن تبيع الإرث إلى الأشقّاء خوفًا من ألّا تحصل على شيء، حينها تقول: الحصول على جزء، أفضل من اللاشيء".

طريق التقاضي.. 10 سنوات للحصول على الإرث

تتّجه بعض النساء إلى طريق التقاضي، إلا أنها إذا رفعت دعوى، فإنها تظلّ 10 سنوات في التقاضي، وتحتاج محامياً ومصاريف مادية عدّة، وإذا استمرت تجد أن الأسرة تقصيها اجتماعياً.

يقول الدنبوقي: إن العقوبة غير مساوية للجرم، حيث إن تجريم الحرمان في الميراث، عقوبته 6 أشهر و50 ألف جنيه غرامة، على الرغم من أن الجاني قد يمنع أراضي وعقارات تقدّر بملايين، ويدفع غرامة بعد سنوات.

ويتابع المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، أنه خلال التقاضي يستطيع الجاني أن يتصرّف في عقارات شقيقته، بينما المجني عليها تدفع أتعاب المحاماة وتتكفّل بمصاريف عدّة خلال سنوات طويلة.

لا توجد إحصائيات دقيقة صادرة من جهة رسمية في مصر أو دول عربية بشأن قضايا حرمان المرأة من الإرث، إلا أن بعض الجهات غير الحكومية تصدر تقارير تقريبية عند أعداد القضايا التي تنظرها المحاكم. وبحسب تقارير صحفية فإن هناك 9600 جريمة قتل تقريباً ترتكب سنوياً بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الميراث، و223 ألف قضية نزاع على ميراث، والعدد الرسمي الأخير للنزاع على الميراث وفق لوزارة العدل نحو 144 ألف.

"جزء أفضل من لاشيء"

ترى سارة بيصر، مديرة مركز زيتونة لحقوق الطفل ودعم المرأة، أن منع توريث الأراضي والعقارات يندرج تحت العنف المالي، وهو أحد أوجه العنف ضدّ المرأة، والأمر يتساوي مع الاستغلال المالي الذي يمارسه بعض الأزواج ضدّ المرأة عبر الحصول على أموالهم.

إشكالية بيع المرأة في بعض الأحيان حقَّها إلى الشّقيق، تُعدّ المرحلة الثانية بعد التنازل الجبريّ؛ تقول بيصر: إن السِّعر في هذه الحال لا يكون مساوياً للسّعر المتداول، وفي هذا الحين يتمّ بخسُ السعر، وتُرغم المرأةُ أن تبيع العقار أو الأراضي، لأنها لا تستطيع السيطرة على الأمر، والصورة الذهنية للنساء وقتذاك "أحصل على جزء صغير أفضل من لاشيء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard