شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
زلّة اللسان: فاضحة للرغبة المخفيّة أم أنها أبسط من ذلك؟

زلّة اللسان: فاضحة للرغبة المخفيّة أم أنها أبسط من ذلك؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 30 يناير 201911:02 ص

تعرضت الكثير من نظريات فرويد ومفاهيمه للنقد الشديد، بل أن الكثير من الجماعات تدرّس ما قدمه فرويد ضمن أقسام الآداب والفنون والنظرية الثقافيّة ما عدا أقسام التحليل النفسيّ، الأهم أن سيغموند فرويد تحوّل إلى رمز في الثقافة الشعبيّة، والمفاهيم التي قدّمها على أهميتها، تلاشى الكثير منها من القطاع الطبيّ، لكنها ما زالت حاضرة ضمن الثقافة الشعبيّة وبين الناس، وضمن العاملين في مجال الفنون والآداب، بوصفها أدوات للتحليل من جهة والاكتشاف من جهة أخرى، كالكتابة الآلية وتفسير الأحلام والتنويم المغناطيسي التي تبناها السورياليون وجعلوا منها أساليب لاكتشاف أشكال فنيّة وأدبيّة جديدة.

واحد من المفاهيم المرتبطة به وذو الأثر الشعبيّ هو زلّة اللسان، أو زلّة القلم، ذلك الخطأ غير المقصود أثناء التعبير اللغويّ، والذي بسبب فرويد وشعبيته، تحوّل إلى وسيلة لفضح رغبات دفينة أو خفيّة نحاول عدم إظهارها، بل تتسرب إلى الوعي/ العلن لتكشف عن لا وعينا وحقيقتنا.

للوهلة الأولى يبدو الكلام منطقياً، نعم هناك أشياء لا نقولها، ونعي بدقة كيف نُخبّئها، ونمنع تسربها للعلن، سواء كانت رغبات قويمة أو منحرفة. لكن، لنفكر أكثر، الكثير من زلّات للسان ليست إلا بسبب سوء التشفير، أو السهو أو الخطأ غير المقصود، الذي يمكن أن يكون ذا أهمية ضمن سياق شديد الدقة، وشديد التقنين كفيلم سينمائيّ أو جلسة تحليل نفسي، لكن، ضمن الحياة اليومية وتقلباتها، تبدو زلة اللسان  كسوء تقدير، أو سهواً، نعم سهواً لا يحمل أي قيمة، إما بسبب فكرة عابرة أو سوء استخدام اللغة.

بكلمات جديّة أكثر، كلنا نؤدي أدوارنا العلنيّة، ونسعى لإتقانها، هذه الأدوار ليست فقط بالسلوك بل بالكلام وأسلوبه الذي نتمرن على تأديته وجعله مقنعاً وذا جدوى، أي هناك وعي بما نقول، لكن، البعض، مؤدٍ سيىء، أو نسّاء، لا يمتلك مهارة اللغة، وزلات اللسان بالنسبة له ليست سوى سوء تشفير لغويّ، مجموعة من العلامات التي نسي تسلسلها المنطقي الواعي.

يرتبط هذا الأداء وإتقانه أيضاً بالخطأ ومدى جدية الدور، ولنأخذ مثال المسرح، إن كان أحدهم يؤدي دور هاملت، وسقط على الأرض وتألم، من يتألم هنا، هاملت أو الممثل، وكيف يمكن أن يتألم هاملت؟ تفسير هذا الخطأ بل تعريفه كخطأ يأتي بعد حدوثه، في القدرة على جعله مكوناً من الأداء المسرحيّ.

واحد من المفاهيم المرتبطة به وذو الأثر الشعبيّ هو زلّة اللسان، أو زلّة القلم، ذلك الخطأ غير المقصود أثناء التعبير اللغويّ، والذي بسبب فرويد وشعبيته، تحوّل إلى وسيلة لفضح رغبات دفينة أو خفيّة نحاول عدم إظهارها، بل تتسرب إلى الوعي/ العلن لتكشف عن لا وعينا وحقيقتنا.
تشكل زلّة اللسان مساحة مغريّة جداً للدراسات الأدبية والثقافيّة والفنيّة، بل محرّكاً مهماً للكثير منها، لكن لنفكر أكثر فيها كجزء من الثقافة الشعبيّة، لا كعارض مرضي أو مساحة للاوعي كي يفكك عالمنا، لمَ لا توجد زلّة لسان إيجابيّة؟
للوهلة الأولى يبدو الكلام منطقياً، نعم هناك أشياء لا نقولها، ونعي بدقة كيف نُخبّئها، ونمنع تسربها للعلن، سواء كانت رغبات قويمة أو منحرفة. لكن، ضمن الحياة اليومية وتقلباتها، تبدو زلة اللسان  كسوء تقدير، أو سهواً، نعم سهواً لا يحمل أي قيمة، إما بسبب فكرة عابرة أو سوء استخدام اللغة.
لمَ من المفترض أن تكون زلّة اللسان منطقية، وكأن هناك نسخة عنا مختبئة تنتظر الخروج، الأمر نفسه ينطبق على الأحلام؟ لمَ من المفترض أن يكون الحلم ذا معنى وذا قابلية للمقارنة مع المرجعيات اللغويّة والصورية الواعيّة؟

بالعودة للحياة اليوميّة، إن زلّ لسان أحدهم/ أخطأ، ثم تابع حديثه، فهل تؤخذ زلّة اللسان بعين الاعتبار، وهل هذا لا وعيه الذي يتحدث وأفلت من الزمام، وهل  لو كان الأمر بيده لقال كل مكوناته اللاوعيّة، والأهم، لمَ من المفترض أن التكوين اللغوي/الصوري للاوعي مشابه لتكويننا هذا الواعي السياسيّ؟ لمَ من المفترض أن تكون زلّة اللسان منطقية، وكأن هناك نسخة عنا مختبئة تنتظر الخروج، الأمر نفسه ينطبق على الأحلام؟ لمَ من المفترض أن يكون الحلم ذا معنى وذا قابلية للمقارنة مع المرجعيات اللغويّة والصورية الواعيّة، بل إن فرويد نفسه يرى أن هناك أحلاماً لا تفسّر، وهي سرّة الحلم حسب تفسيره، فهناك أحلام وشخصيات لا يمكن تفسيرها.

السبب، أظن، هو تسلل فرويد ذاته إلى الثقافة الشعبيّة، وتوظيف مفاهيمه في الحملات الدعائية وفي الفنون الأخرى، والتي لا نقول إنها خاطئة، لكن الحكايات المرتبطة بها، والتي نمتلك تفسيرها هي التي رسخت صحّتها الشعبيّة، فكل أفلام الكوميديا الرومانسيّة تروّج أن زلّة اللسان سببها خيانة ما أو أن أحدهم يريد شيئاً آخر غير القائم، كما أن الثقافة الشعبيّة روجت أن كل زلّة لسان تخفي وراءها رغبات دفينة ومنحرفة، إذ لا توجد زلّة لسان بريئة، أو لا تحمل معنى، وهنا لا بدّ من الوعي بالاختلاف بين  الحياة اليوميّة اللامتناهيّة، المبتذلة، شديدة المجانيّة، والسياسية في نفس الوقت، وبين العمل الفنيّ الذي نظرياً، كل شيء فيه محسوب مدروس لأسباب جماليّة، ومهما قارب الواقع، فلا يتطابق معه، هو ينتقده، ويكتشف ما هو مخبّأ وزلّة اللسان التي نراها "مرئيّة" مدروسة و جلها سبب درامي. أما حين يخطىء أحدهم ضمن حوار يومي أو حتى حميميّ، فقد لا يعني أيّ شيء، خصوصاً أن هذه الزلات البسيطة لو كانت فعلاً حقيقية، فبإمكان الفرد أن يقوم بما يريد، أن يترك حبيبته ويلاحق من أخطأ ولفظ اسمها، وأن يشاهد البورنو المفضل لديه دون أن يضطر لعدم فعل ذلك، وهنا المثير في زلّة اللسان، أنها دائماً مرتبطة بما هو ممكن ومباح، وليس من المستحيل تحقيقه، فلا أحد يزلّ لسانه بأنه يريد أن يصبح رئيساً أو قاتلاً متسلسلاً، بل في حال حصل ذلك لا يأخذ الأمر على محمل الجدّ.

تشكل زلّة اللسان مساحة مغريّة جداً للدراسات الأدبية والثقافيّة والفنيّة، بل محرّكاً مهماً للكثير منها، لكن لنفكر أكثر فيها كجزء من الثقافة الشعبيّة، لا كعارض مرضي أو مساحة للاوعي كي يفكك عالمنا، لمَ لا توجد زلّة لسان إيجابيّة؟ لمَ المفترض دوماً أن زلة اللسان تخبّىء وراءها مستمنياً منحرفاً لا حالماً رومنسياً؟ لمَ إن زلّ لسان أحدهم وقال أريد الذهاب إلى الشمس يتحوّل لأضحوكة، لكن إن قال أريد الذهاب إلى منزل شمس يصبح الموضوع "مثيراً"؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard