شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
على رصيف يناير: في الثورة كنوز وإنْ كنتُ مهزومًا

على رصيف يناير: في الثورة كنوز وإنْ كنتُ مهزومًا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 16 مارس 201902:45 م
25 يناير 2011 هو يوم ولادة الحلم الذي لم يتحقق وإن لاحت بشائر إمكانية وقوعه بين عشية وضحاها، ونحن هنا في منأى عن مناقشة الأسباب والدوافع التي أدّت لحركة جماهيرية في أرجاء بلد بحجم مصر بهذا الشكل، وبهذه القوة وهذا الاندفاع والروح الجماعية التي تآلفت وتوحّدت لتحقيق أهداف هتفت بها الجموع في وجه نظام كان يعد العدة لتوريث الحكم في مجتمع اعتاد أن "اللي يعرفه أحسن من اللي ميعرفهوش، وأن ابن الدكتور لازم يبقى دكتور وابن الممثل يطلع ممثل". فوجئ سدنة النظام وأنطاع السلطان بتلك الانتفاضة الشعبية الشاملة التي ارتقت لمقام الثورات التي أطاحت بنظم وفتحت آفاق التطور والتقدم في وجه دول ومجتمعات أخرى، وهو ما زرع في النفوس اﻷمل وانتعشت الضمائر بحلم التغيير واللحاق بركب الحضارة المدنية والبعض راوده حلم استعادة تاريخ وأمجاد محكيّة لم يعشها ولا يعرف عنها شيئًا. أتذكر على استحياء ذلك اليوم بتفاصيله واشخاصه بعد تمام مرور 8 سنوات أغلبها عجاف على الصعيد العام، وإن كان بها بعد النجاحات الصغيرة والخبرات المكتسبة والاصطدام بخيبة الواقع والصدمة ثم الكفر بالرموز والعجول المقدسة، ولعلّ تلك بعض انتصارات الثورة برغم قسوة التجربة. أكتب وأتكلم من موقعي البسيط وسط الجموع كمشاهد يحاول التعلم من دروس الحياة وتقبل قسوتها بمرونة تنهك روحه وتأخذ من طاقته ومتعة انفتاحه على الحياة.  لقنتني الحياة درسي القاسي اﻷول مع الفقد والخسارة، إذ فقدت جدي قبل أن أفقد أبي بثلاثة أيام، وكان عمري عشر سنوات، ويا لها من تجربة كنت وما زلت اتعافى من وقعها على قلب طفل صغير نشأ وسط مجتمع متعدد اﻷطياف في مدينة ساحلية لا حدود لها من الشمال سوى اﻷفق، وعائلة طيبة زرعت في أبنائها حب الحياة والتفاؤل في بيئة تضامنية صعيدية بامتياز. ولذلك عندما جاءت الثورة كانت تجربة مسّت جوانب شخصية، وانضمت بجدارة لقائمة دروس الحياة القاسية، و لكن هذه المرة بطعم مختلف لم أعهده قبلًا: طعم الهزيمة! أزعم أني خرجت من كل تجاربي ومعاركي الصغيرة على الصعيد الشخصي غير مهزوم، برغم بعض الخسائر، فالخسارة لها مرارة تختلف عن علقم الهزيمة، لكني لم أشعر يومًا بالهزيمة كما جعلتني عواقب ثورة يناير أشعر بها اﻵن، ربما ﻷني كنت اللاعب الرئيسي واﻷساسي في تجربتي الحياتية الشخصية، ربما ﻷني لم اعتمد على أحد يومًا في ترتيب شؤون رحلتي في الحياة، ربما شعرت ﻷول مرة بإحساس الخسارة عقب تحولاتي المبكرة في سن المراهقة من طالب قارئ نبيه متفوق من أبناء الطبقة الوسطى لصعلوك مشاكس محب للشوارع والبشر والحكايات وما يتبعها من حوارات، تلاعبت معي الحياة فوجدت نفسي طالباً في كلية زراعة، قسم هندسة زراعية انتساب حيث كان الدخول والخروج من باب المسرح، وبرغم الخسارة والرسوب عامين متتاليين، حزت بعض المكاسب منها المعرفة والخبرات التي لا تثمن بمال وأصدقاء. خسرت مرحليًا، لكن بمرونة من لم يفقد شيئًا بعد، تحولت برغبة ودافع لدراسة الحقوق في بنها، لفظة "الحقوق" لها وقع خاص في القلب، ودراسة القانون لها نكهة مختلفة في العقل أو هكذا أشعر! وحينها أنغمست بجانب دراسة القانون لقراءة ابن خلدون، والبحث عن دلائل ما يقول في "مجتمع سكك حديد مصر" الذي اجتذبني بكل تفاصيله من مدخل محطة سيدي جابر وشبابيك التذاكر والقابعين خلفها وأرقام الرحلات اليومية إلى أكشاك الجرائد على الرصيف لعربات القطار بمن فيها من طلبة وموظفين وحمالين وعمال ومواطنين وقضاة وضباط ومهندسين وأطباء وهيئات عُليا...
انهمكت في رحلة سفر متواصلة لمدة عامين مع مجموعات بشرية مختلفة وصحبة متعددة، يتخللها زيارات لمدن وقرى وكفور بغرض التجربة والمعايشة، وهي الفترة التي بدأ فيها حبي لكتابة قوافٍ تحكي ما أعيشه أو ترمز لمعايشاتي من خلال فن الراب واعتزالي المسرح، ﻷني آمنت أن في الحياة مسارح كثيرة. والثورة كانت مسرحاً غنياً بالمشاهد والفقرات، ومنها تعلمت! أحد إنجازات الثورة في رأيي هي شبكة العلاقات اﻹنسانية التي أسستها، فالثورة هي هذا الشيء المشترك بيننا كلنا وإن لم نكن متشابهين، فلقد اتفقنا يومًا سويًا وسرنا في هذا الطريق معًا وعرفنا العديد وتعلمنا العديد وشاهدنا العديد فهل وعيّنا دروسنا؟ علمني أبي الكثير من دروس الحياة في فترة رفقتنا الصغيرة، وكان أول وأهم درس، ولم أنسه قط، هو أن في معرفة الناس كنوزاً، فابحث عن الكنوز في النفوس، هذا هو أول درس تشبثت به لمواجهة فقده وافتقاده، وفي  رحلتي المسرح وسكك الحديد خلال أربعة أعوام من الدراسة الجامعية التي لم أدرس خلالها جامعيًا حقًا. كانت بانتظاري المعرفة التي عوضتني عن خسارة زمنية مؤقتة لتحقيق هدف مؤجل. واكتشفت أننا كلنا لا نشبه بعضنا بعضاً، لكل منا خصائصه المتفردة والمتميزة، وهذا كنز كلٌ منا، أننا لا نتطابق!
فوجئ سدنة النظام وأنطاع السلطان بتلك الانتفاضة الشعبية الشاملة التي ارتقت لمقام الثورات التي أطاحت بنظم وفتحت آفاق التطور والتقدم في وجه دول ومجتمعات أخرى، وهو ما زرع في النفوس اﻷمل وانتعشت الضمائر بحلم التغيير.
ولذلك عندما جاءت الثورة كانت تجربة مسّت جوانب شخصية، وانضمت بجدارة لقائمة دروس الحياة القاسية، و لكن هذه المرة بطعم مختلف لم أعهده قبلًا: طعم الهزيمة!
أحد إنجازات الثورة في رأيي هي شبكة العلاقات اﻹنسانية التي أسستها، فالثورة هي هذا الشيء المشترك بيننا كلنا وإن لم نكن متشابهين، فلقد اتفقنا يومًا سويًا وسرنا في هذا الطريق معًا وتعلمنا وشاهدنا العديد فهل وعيّنا دروسنا؟
ولهذا كان الجمع في الكنوز، وفي الثورة كانت الكنوز في الجموع، وهذا أحد مكاسبي من الثورة، وإن كنت ما زلت مهزومًا، هزيمة جمعية، ولكن هزيمة مرحلية ومؤقتة..
ولهذا كان الجمع في الكنوز، وفي الثورة كانت الكنوز في الجموع، وهذا أحد مكاسبي من الثورة، وإن كنت ما زلت مهزومًا، هزيمة جمعية، ولكن هزيمة مرحلية ومؤقتة.. ربما إحساس الهزيمة داخلي مخلوط بإحساس بالغدر وهذا ما يحارب اﻷمل داخلي، لكني سألتزم اﻹيجابية وألملم ما تعلمت من دروس وأنظر للجهة المشرقة، فبعد كل سماء ملبدة بالغيوم شمس تطلع أشعتها على استحياء لكنها قادمة لا محالة!الكثير من الذكريات والتفاصيل واﻷحداث التي تختزن في تلافيف خلايا مراكز الذاكرة، والكثير من اﻷحلام واﻵمال التي سعينا لها وانتظرنا من الحياة بكل رومانسية ومثالية أن تعاملنا برفق، وتوقعنا نتائج باهرة لانتفاضتنا من غفوة دهر، ونسينا أن اختيار الثورة والتغيير، وإن كان قرار لحظة، لكنه قرار مكلف وليس سهلًا وعواقبه على الساعين له وخيمة في ظل عدو متربص شرس ومتمرس في دهاليز الحكم والسياسة. نظام منتصر انتصارًا ساحقًا ويمعن في سحق معارضيه بكل قسوة ولا مبالاة متناهية، مثبتًا لنصره وقوته وبطشه وعدم اكتراثه بالبشر والوطن ولكن فقط الولاء للمصلحة وفقًا للهوى "على حسب مزاج الباشا". خسرنا الكثير وفقدنا الكثيرين ونعيش عصر الهزيمة اﻷول لكن الثورة مزدهرة بمكاسبها وقيّمها واﻷبواب التي فتحتها والعيون التي أبصرت بها ورأت ما لم ترَ من قبل، وإن ينقصنا التنظيم، ويظل بحر الزمن كبيراً وما أنا سوى فرد في جيل حاول وسعى ويؤمن بالسعي والمعافرة، والسدنة يعلمون ولهذا التنكيل بلا مثيل، لقتل كل حس للتمسك بما تعلمنا من يناير، إن الرؤوس متساوية والكل واحد بما يتميز ويتفرد به، هذا مخالف لفكر السادة، وعلى السيد ألا يتنازل عن السيادة بالرضا وحكم العادة، فمن أيام الفراعنة الشداد وقوم عاد ما زالوا يطغون في البلاد، وعلى رأي من قال "لا تملك ثورة مهزومة المقاومة بغير الرومانسية". لعلنا نتعلم دروس يناير وننجو من التجربة!

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard