شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أحرق نفسه أم أحرقوه... مصوّٰر صحفي قد يشعل انتفاضة جديدة في تونس

أحرق نفسه أم أحرقوه... مصوّٰر صحفي قد يشعل انتفاضة جديدة في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 26 ديسمبر 201801:51 م

ثماني سنوات مرت على  إقدام البائع المتجول التونسي محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في سيدي بوزيد وسط البلاد، مُشعلاً شرارة انتفاضة تونس التي امتدت إلى مدن عربية ولا تزال تمتد حتى الساعة، آخرها مدن السودان. تلك الشرارة التي اشتعلت في 17 ديسبمر 2010 عادت إلى الأذهان قبل يومين حين أقدم المصور الصحفي التونسي عبد الرزاق زرقي على إحراق نفسه في مكان عام في القصرين وسط البلاد الاثنين 22 ديسمبر 2018 احتجاجاً على أوضاعه الاجتماعية المتردية.

فور إعلان وفاته، خرجت الاحتجاجات في عدة أحياء من مدن القصرين وريفها، وبلغ مداها العاصمة تونس مساء الثلاثاء 25 ديسمبر. يومان من الغضب ومن مظاهر تحدي القوات الأمنية، حتى أعلنت الداخلية التونسية فجر الأربعاء 26 عودة الهدوء تدريجياً إلى بعض الأحياء القصرين وجبنيانة (جنوب) وطبربة (شمال) بعد أن شهدت مواجهات بين الأمن والمحتجين مساء الثلاثاء وتم إشعال العجلات وغلق الطرقات ورشق رجال الأمن بالحجارة دون تسجيل إصابات، فيما سارت مسيرة صامتة في العاصمة تونس مساء الثلاثاء تنديداً بوفاة المصور الصحفي الذي كان يعمل في قناة خاصة ويشكو مشاكل اجتماعية ومادية.

AbdelRazzakZerki

توثيق بالفيديو

 صور زرقي تسجيل فيديو قبيل إقدامه على إحراق نفسه قال فيه إنه سيحرق نفسه بعد 20 دقيقة.

 بدأ الفيديو صامتاً لدقيقة ثم ظهر زرقي وسماعتا هاتفه في أذنيه. تحدث بهدوء: “صباح الخير الناس الكل…مرحبا” ثم أخذ سيجارة ودخنها..صامتاً…وتحدث مرة أخرى “صباح الخير لجميع المعطلين عن العمل”، وبين نفثة وأخرى من سيجارته ورشفة قهوة، صمت لثوان. ثم طلب من مشاهديه أن يقوموا بإعادة مشاركة التسجيل الذي ينقله “مباشر”.

طوال 7 دقائق هي مدة التسجيل، ظهر زرقي آخر مرة قبل أن يقدم على إحراق نفسه هادئاً وكأنه يتحدث عن موضوع لا صلة له به، وكأنه لن يحرق نفسه بعد قليل.

كانت موسيقى الراب تصدح خلفه، حاملة هي الأخرى وهن شباب الجزائر المجاورة بل الملاصقة لحدود القصرين.

قال زرقي إن موضوعه “هذا الصباح” هو “المعطلون عن العمل في القصرين”. وتعدّ القصرين أكثر الولايات بطالة في تونس كحال المناطق الداخلية للبلاد، وكانت إحدى المناطق التي بكّرت بالخروج في تظاهرات ضد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في شتاء 2010 للمطالبة بـ “الكرامة”. تبلغ نسبة المعطلين عن العمل في تونس 15.5 ٪ حسب أحدث أرقام معهد الإحصاء في تونس.

خاطب زرقي المعطلين قائلاً “أيها المعطلون عن العمل الذين لا يملكون قوت يومهم…حين نحتج في القصرين مطالبين بالشغل يتهموننا بالإرهاب…أي علينا أن نصمت وأن نموت جوعاً…اليوم قررتُ يا أهل القصرين أن أثور بمفردي، من يريد أن يساندني مرحباً به…سأحتج وحدي، سأشعل النيران وحدي… سأشعل النار في جسدي أقصد. لو تمكن أي شخص من تحصيل عمل بسبب ما أقدمتُ عليه، فلا بأس. كفانا صبراً، منذ 8 سنوات وهم يعدوننا بالعمل، مرّ يناير الأول (الشهر الذي سقط فيه حكم بن علي) والثاني والثالث والرابع…كله كذب.. أنا لا أنتمي إلى أي حزب كان”.

بعد صمت لثوان يواصل عبد الرزاق مخاطباً الحكومة “أنتم تتركون المعطلين عن العمل وتشغّلون من أوضاعهم جيدة، أصحاب مورد الرزق، هناك مناطق مهمشة لا تملك قرشاً واحداً، ناس أحياء أموات”

يقول زرقي “ هل تعلمون أن هناك من في القصرين من يجهل اسم الرئيس الحالي كما يجهل اسم الوالي؟”.

ويتابع “أنا لن أنتظر يناير..بعد 20 دقيقة سأضرم النار في جسدي…سأحرق نفسي بالبنزين (باهي أي مفهوم؟) أنا سأحرق نفسي، ربما حينها ستلتفت الدولة للقصرين. في القصرين يموت الناس جوعاً”.

يدخن زرقي ما تبقى من سيجارته، بهدوء، وموسيقى الراب ترتفع خلفه، يواصل الشاب لوم الدولة على عدم توفير العمل لشباب المنطقة، قائلاً “طالبنا بالعمل فقدموا لنا الإرهاب محله…معزوفة الإرهاب يومياً، لماذا؟ ألسنا بشراً؟ نحن بشر مثلكم. راتب الوزير 30 مليون والشاب في القصرين يطلب ثمن سيجارة واحدة من أمه…24 ساعة يمكثها المعطل عن العمل في القصرين في المقهى، وفِروا لنا العمل”.

ثم يخاطب شباب القصرين “شباب القصرين…تعالوا جميعاً إلى ساحة الشهداء، تبقى من الزمن 20 دقيقة..طالبوا بحقوقكم، أحرقوا وخربوا، لم تنفع معهم (النظام) المروءة، هذه الدولة لا تحب المروءة، أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت”.

يدخن زرقي ما تبقى من سيجارته، بهدوء، وموسيقى الراب ترتفع خلفه، يواصل الشاب لوم الدولة على عدم توفير العمل لشباب المنطقة، قائلاً “طالبنا بالعمل فقدموا لنا الإرهاب محله…معزوفة الإرهاب يومياً، لماذا؟ ألسنا بشراً؟
رداً على حادثة إحراق زرقي، أعلنت نقابة الصحفيين التونسيين في بيان أنها قررت إضراباً عاماً في الصحافة يوم 14 يناير 2019 الذي يصادف الذكرى الثامنة لثورة تونس وسقوط نظام بن علي الذي فرّ يوم 14 يناير 2011 إلى السعودية.
وكانت شقيقة المصور قد صرحت الثلاثاء لإذاعة محلية، أن شقيقها “تم إحراقه ولم يحرق نفسه”، قائلة إن مقطع الفيديو الذي يصوره لحظة بدء النيران الاشتعال بجسمه، تظهر النيران في ظهره ما يؤكد أنه تم إحراقه من الخلف.

يصمت الشاب ويأتي بقاروة بنزين أمام الكاميرا، ويكرر “سأضرم النار في جسدي بعد 20 دقيقة…كل المعطلين عن

العمل انزلوا إلى الشارع، خربوا، أحرقوا العجلات…سلام”.

ينتهي الفيديو هنا. في فيديو ثان، تمتنع رصيف22 عن نشره: شارع مزدحم بالسيارات، أصوات رجال يترجون شخصاً ألا يفعل، “صلّ على النبي” يقول أحدهم وكأنه يحاول إقناع شخص بالعدول عن ارتكاب فعلة. ثم صوت صراخ نساء شديد، ونرى جسداً مشتعلاً يركض مقابل السيارات التي تتوقف فجأة، وتعم الفوضى، وسط محاولات لإطفاء الجسد المحترق على الملأ.

في فيديو ثان تمتنع رصيف22 أيضاً عن نشره، مصور من زاوية أخرى، يظهر جسد الشاب لحظة البدء بإشعال نفسه، خلف شاب بقميص رمادي، يتراجع إلى الخلف فور ارتفاع النيران من جسد زرقي، في الفيديو تبدأ النار بالاشتعال في ظهر الرجل، وربما لهذا السبب قام الأمن بإلقاء القبض على شخص الثلاثاء بأمر من النيابة العامة للاشتباه بضلوعه في إحراق زرقي أو مساعدته على فعل ذلك.

إضراب عام في الصحافة

 نقابة الصحفيين التونسيين أعلنت الثلاثاء في بيان أنها قررت إضراباً عاماً في الصحافة يوم 14 يناير 2019 الذي يصادف الذكرى الثامنة لثورة تونس وسقوط نظام بن علي الذي فرّ يوم 14 يناير 2011 إلى السعودية.

وقالت النقابة إن واقعة إحراق زرقي نفسه ليست "بمنأى عن الواقع المرير الذي يعيشه قطاع الإعلام والصحافة في تونس من تفقير وتهميش وغياب الإرادة السياسيّة لتطبيق القوانين وتنصل الحكومة من تنفيذ الإجراءات المعلنة منذ سنتين، والتي تضمن كرامة الصحفيات والصحفيين وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعيّة”.

وقالت إنه رغم مرور 8 سنوات على ثورة تونس، لم تتحسن أوضاع التونسيين ولا أوضاع الصحفيين معلنةً:

“ونحن نقترب من الذّكرى الثامنة لثورة الحريّة والكرامة ما زلنا نعيشُ صعوبات اجتماعيّة واقتصادية خانقة تعاني منها قطاعات واسعة من التونسيين خاصة الصحفييّن، ورغمَ أنّ حريّة الصحافة والتعبير هي المكسب الأساسي للثّورة التونسيّة إلاََ أن هذا المكسب أصبحَ مهدداً، ولا يمكنُ له أن ينتعشََ في مناخ من الفساد والتفقير والتهميش وانتهاك حُقوقهم.”

انتقدت النقابة أوضاع الصحفيين في تونس لا سيما في القطاع الخاص، منددة بعدم قيام الدولة بدورها المراقب لاستغلال القطاع الخاص الصحفيين بقولها:  إن "الوضع المتردي الذي باتَ عليه الإعلام لا سيّمَا في القطاع الخاص من وضعيّات هشّة وانعدام الرّقابة على المؤسسات التي لا تحترمُ الحقوق المهنيّة للصحفييّن” يدفع بالنقابة إلى إعلان الإضراب.

 كما طالبت النقابة مجلس النواب "بتحمل مسؤولياته التاريخية لفتح نقاش وطني جدي حول الوضع الحالي للإعلام وسبل وضع سياسة وطنية عمومية للصحافة وخاصة في القطاع العمومي” متوعدة برفع شكاوى قضائية لسحب إجازات بث المؤسسات الإعلامية التي "لا تحترمُ التزاماتها بقانون الشغل وشروط العقود”.

وكانت نقابة الصحفيين قد أصدرت الاثنين فور وفاة المصور الصحفي بياناً شديد اللهجة حمّلت فيه الدولة المسؤولية قائلة إنها هي من ساهم في جعل الصحافة "مرتعًا للمال الفاسد والمشبوه، الخادم لمصالح ضيّقة بعينها، ودون مُراقبة لمدى التزام المؤسسات الإعلامية بالقوانين”.

شقيقة زرقي: أحرقوا أخي

وشهدت بعض جهات البلاد في اليومين الأخيرين احتجاجات على خلفية وفاة المصور، أكبرها في مسقط رأسه القصرين، وكانت أعنفها مساء الثلاثاء، إذ قام عدد من الشبان بتهشيم كاميرات المراقبة التي وضعتها الداخلية قبل 6 أشهر “لتتبع الإرهابيين” واقتلعوا العمود المخصص لها في مفترق حي الزهور بالقصرين في حركة عصيان واضحة.

وحمّل المحامون في القصرين الحكومة مسؤولية ما يحدث في الجهة، مؤكدين في وقفة احتجاجية نفذوها أمام مقر المحكمة الإبتدائية بالجهة، عن تنديدهم بظروف وفاة المصور الصحفي زرقي.

وكانت شقيقة المصور قد صرحت الثلاثاء لإذاعة محلية، أن شقيقها “تم إحراقه ولم يحرق نفسه”، قائلة إن مقطع الفيديو الذي يصوره لحظة بدء النيران الاشتعال بجسمه، تظهر النيران في ظهره ما يؤكد أنه تم إحراقه من الخلف.

بانتظار ما تسفر عنه التحقيقات في مقتل المصور الصحفي، أحرق نفسه أم أحرقوه، تراقب السلطات الوضع في القصرين وما جاورها، وسط أوضاع اجتماعية واقتصادية خانقة في تونس وخشية من تصعيد قد يزيد الأوضاع سوءًا. يبقى السؤال: هل نحن أم ربيع عربي لا ينتهي؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard