شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف نحمي أنفسنا من الديون في زمننا الاستهلاكي المخيف

كيف نحمي أنفسنا من الديون في زمننا الاستهلاكي المخيف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 27 ديسمبر 201805:26 م
عندما تمرّ بحاجة ماليّة، تتكاثر الأفكار السوداء من حولك وتضيق بك السبل، وتبدأ بالبحث عن مخارج للأزمات الماديّة التي تلاحقك في هذا الزمن الاستهلاكي المخيف. ويبدو في بداية الأمر أنّ اللجوء إلى الاستدانة والقروض المصرفيّة قد يسهّل من حدّة المشاكل التي تضغط عليك. ولكن هل تعلم أنّ لهذا الحل المبدئي تداعيات سلبيّة؟ لا تقتصر النتائج السلبيّة على تراكم الأموال المستحقّة عليك أو اضطرارك إلى الحدّ من مصروفك، بل تتعدى ذلك بكثير. إنّها تؤثر سلباً في سلوكك وفي صحتك. وقد أظهرت الأبحاث وجود صلة واضحة بين الوضع المالي للشخص وصحّته النفسيّة والعقليّة.

الرواتب غير كافية.. والدَين هو المخرج؟

بسبب الأزمة المالية وتردّي الوضع الاقتصادي العالمي، ازدادت نسبة البطالة ، كما باتت الرواتب غير كافية لتلبيّة مستلزمات الحياة، فتحوّلت بذلك القروض من كونها تمويلًا اختياريًّا لتغطية حالات الطوارئ، إلى مصدر أساسي لسداد النفقات والفواتير اليوميّة والإنفاق الترفيهي في بعض الأحيان. واللافت أنّ البنوك والشركات التي تعمل على تأمين القروض صارت أكثر ليونة مع العملاء، وباتت الإستدانة متاحة لذوي الدخل المنخفض، والتسهيلات أصبحت تُعطى إلى من لديهم تاريج سلبي لجهة عدم تسديدهم قروضًا سابقة . وبناء على ما تقدّم، ووفقًا لتقرير صادر عام 2014 عن المعهد الحضري، فإنّ حوالي 35 ٪ من الأمريكيين لديهم ديون كبيرة، تتضمّن مزيجًا من أرصدة بطاقات الائتمان والفواتير الطبيّة والمشتريات غير المدفوعة. ولايقتصر شكل الدَين على القروض الشخصيّة فقط، بل إنّ معظم أصحاب الأعمال الصغيرة لديهم أيضًا شكل من أشكال الديون التجاريّة. وقد أظهر استطلاع مؤشر Gallup Wells Fargo للشركات الصغيرة عام 2012 أن 36٪ من أصحاب الأعمال قلقون على ديون شركتهم.
أظهرت الدراسة أنّ الديون قد تقلّل بشكل غير مباشر من مناعة الجسد، فالدين مصدر ضخم للإجهاد المزمن الذي يمكن أن يوقف جهاز المناعة.

المشاكل الماليّة وراء الاضطرابات النفسيّة!

ومع ازدياد القروض والديون بمختلف أشكالها، وتخلّف الكثيرين عن تسديدها في الوقت المطلوب، ظهرت إلى العلن اضطرابات القلق والخوف عند المديونين. وتناولت دراسات كثيرة هذا الأمر، وتبيّن أنّ نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقليّة هم مديونون، فكيف تم اكتشاف ذلك؟ فبعد دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة العقليّة اتّضح أنّ شخصًا واحدًا من بين خمسة أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يعاني من اضطرابات عقليّة كلّ عام. وهذه الارقام شكّلت صدمة عند الباحثين، ممّا دفعهم إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وتبيّن أنّ ضغوطات الحياة بمختلف جوانبها هي العامل الأساسي وراء هذه الاضطرابات. وظهر أيضًا أن المشاكل الماليّة هي في طليعة هذه العوامل. إنّ باحثين من جامعة ساوث هامبتون (University of South Hampton) قاموا بوضع 65 دراسة أظهرت أنّ هناك علاقة قويّة بين الأمراض العقليّة والمشاكل الماليّة. وخلص الباحثون إلى احتمال إصابة الاشخاص المديونين بالأمراض العقلية بنسبة أكثر بثلاثة أضعاف عن الذين ليس لديهم ديون. وتبيّن أنّ الاكتئاب والقلق هما من بين الأمراض العقليّة الأكثر شيوعًا عند من لديهم التزامات ماديّة، وغير قادرين على تسديدها. كما اكتشفوا أنّ هناك ارتباطًا كبيرًا بين إقدام الأشخاص على الانتحار وبين تراكم ديونهم. بالإضافة إلى ذلك ، تمّ إيجاد علاقة بين الأشخاص المديونين وإقدامهم على شرب الكحول وتعاطي المخدرات. وفي دراسة اخرى نشرت في مجلة "الأسرة والقضايا الاقتصادية" تبيّن أنّ الدَين القصير الأمد وما يترتّب عنه من تسديد دفعات كبيرة ، قد يودي بصاحبه إلى الوقوع بخطر الاكتئاب. ووجدت هذه الدراسة أنّ الأشخاص غير المتزوجين، ومن بلغوا سنّ التقاعد، والذين هم أقل تعليمًا، هم جميعًا معرّضون بشكل خاص للآثار الضارّة الناجمة عن حركة بطاقات الائتمان والفواتير المتأخّرة. يرى بعض الباحثين أنّ القلق بشأن الديون يؤدي إلى زيادة التوتّر وصعوبة الصمود في مواجهة مشاكل الصحة العقليّة.

للديون تداعيات صحيّة وسلوكيّة

وفقًا لاستطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس ونشرته NBC News، فإنّ من بين المستطلعين الذين يعانون من ديون عاليّة ، هناك 29٪ يشعرون بقلق شديد، و23٪ يعانون من اكتئاب حاد. وقد تظهر تداعيات هذه الحالات على شكل أعراض صحيّة. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2013 من جامعة نورث وسترن أنّ البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و32 عاماً، والذين لديهم نسب عالية من الدَين يعانون مشاكل صحيّة بشكل عام، كارتفاع في سكر الدم، والبدانة، وارتفاع في ضغط الدم وهو عامل خطر لمرض القلب والسكتة الدماغية. وأظهرت الدراسة أنّ الديون قد تقلّل بشكل غير مباشر من مناعة الجسد، فالدين مصدر ضخم للإجهاد المزمن الذي يمكن أن يوقف جهاز المناعة. كما أنّ المخاوف من المال قد تُبقي الشخص في حالة أرق، وهو ما قد يُضعف أيضًا قدرة الجسم على محاربة العدوى.  إلى ذلك أظهر مسح أُجري عام 2008 أنّ 44٪ من الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من الإجهاد الناجم عن الديون، يعانون من الصداع النصفي المتكرّر أو صداع آخر ، مقارنة بـ 15٪ فقط ممن لديهم مستويات دين منخفضة. كما أنّهم أكثر عرضة للتشنج العضلي، وآلام الظهر، والقرحة، ومشاكل الجهاز الهضمي، ويعانون من النوبات القلبيّة. وناهيك عن هذه الأمراض الصحيّة، فإنّ من لديهم مستحقات غير مدفوعة لبطاقات الائتمان أو للديون الطبيّة يتجنبون زيارة الطبيب وفقاً لدراسة أجريت عام 2013 من جامعة ميشيغان، لأنّهم لا يريدون زيادة فواتيرهم. وبالتّالي يفتقد هؤلاء إلى العلاج اللازم وقد يكونون عرضة لعوارض صحيّة متفاقة. ولا يسعنا عند النظر الى النتائج السلبيّة الناجمة عن الحاجات الماليّة إلا التفكير بأولئك الذين يعملون ولا يتقاضون أجورهم، أو يحصلون على رواتب غير منصفة. فقد كشفت دراسة أجريت في جامعة الأقصى في غزة - فلسطين أنّ الآثار النفسيّة والاجتماعيّة الناجمة عن عدم صرف الرواتب للموظفين خطيرة جدًا، وأظهرت نتائج الدراسة أنّ معظم الموظفين يعانون من الإجهاد، والقلق، وفقدان التمتّع بالحياة، والاكتئاب، واللامبالاة.

الدَين والاضطرابات العقليّة حلقة مترابطة

إنّ الحاجة الماديّة والدَين والاضطرابات العقليّة حلقة مترابطة، إذ يفترض باحثون أنّ مشاكل الصحة العقليّة تتداخل مع الإدارة الماليّة، فالضغط المالي يودي إلى اضطرابات عقليّة، والمرض العقلي يقلّل من ضبط النفس، وبالتّالي يقود إلى مزيد من الإنفاق وصعوبة في دفع الفواتير. بغض النظر عما يأتي أولاً ، الدَين أو مشاكل الصحة العقليّة، من ممكن أن يكون الحلّ عبر معالجة المشكلتين في وقت واحد. فعندما تكون بصحة نفسيّة جيدة ، من السهل مواجهة دَينَك، وعندما تقوم بتنظيم مصروفك، يكون من الأسهل تحسين حالتك العقليّة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard