شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
متاهة البحث عن صرّاف آلي مع

متاهة البحث عن صرّاف آلي مع "كاش"  في الخرطوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 13 ديسمبر 201802:44 م

لربما من أجمل الأصوات، هو صوت ماكينة الصرّاف الآلي وهي تحسب العملات لتُخرج المبلغ الذي طلبته منها، يا الله! يا لها من لحظة عظيمة. تعال معي في جولة سريعة لتفهم عما أتحدث.

ينبغي تسجيل الخرطوم للعام 2018 في كتب التاريخ عام الصفوف، تخرج من صف لتحجز خانة في التالي. حلقات قد تنتهي بخفي حنين وتجد أنك أضعت الزمن والجهد والمتبقي من أعصابك دون جدوى. طابور للخبز وطابور للوقود، وطابور أمام الصرافات الآلية.

أصبح الصرّاف الآلي ملتقى الموظفين في الشركة التي أعمل بها، أعني ألقي نظرة على بهو مبني التخطيط الاستراتيجي، عند منتصف النهار سيكون خالياً إلّا من موظفي الاستقبال، ثم تبدأ سلاسل بشرية في التكوّن منذ الواحدة والنصف حتىّ يمتلئ تماماً عند الثانية ظهراً، ومندوب البنك يودع مصروف اليوم في الجهاز. تقوم زميلتي عزة بتقسيم المبلغ المودع على اثنين "الحد الأقصى للسحب" وتعلن: "آخر شخص سيتمكن من استخدام الصراف هو رقم 25". أنظر إلى كاميرات المراقبة وأفكر كم هو مضحك بائس ودرامي ذلك التسجيل، تخبرني إحدى الموظفات أنها تشاجرت مرتين أثناء وقوفها في الطابور، ويشير آخر إلى أن طابور الفترة المسائية يكون أشد ضراوة. يمكنك تخيّل تعب النهار مع ساعات إضافية على وجوه هؤلاء، أصدقه بعد الثامنة مساءً يكون قد أمضي 12 ساعة في مكان العمل.

في البدء كانت الشهامة سيدة الموقف، بغض النظر عن عدد الواقفين أمام الأبواب السحرية لذلك الصندوق المالي، سيُفسح لك المجال لتتقدمي الجميع لأنك إمرأة. نحن الآن على بعد أكثر من نصف عام على تلك الأيام وعلى مسافة سبعين ألف سنة ضوئية من الغضب المتراكم، بوسع واحد من كل عشرين رجل فقط أن يجد في نفسه إيثاراً كافياً ليمنحك مكانه، على الرغم من إدراك بأن إحسانه على الأرجح لن يعود بالفائدة عليه، ولربما سيصل إلى الصرّاف بعد تعامله الجيّد ليجد أن النقود نفذت.

لربما سيسألني القارئ: ماذا عن البنوك؟ حسناً هو نفس الانتظار ونفس سقف السحب معظم الوقت، للأسف. أحيانًا قد يعطونك أكثر أو أقل، لا من ضمانات. في بعض الأيام تعيّن على الجالسين في كراسي معاملات البنك أن يتمنوا دخول عميل لتوديع النقود، فقد قالوها مرة لقريبتي: "لازم يجي زول يودع مافي كاش، استني"، هذه سيدة لديها عمال يقبضون أجورهم ورقيًا، فماذا يمكن أن تفعل بمثل هذا الواقع؟

#لقيت_صرّاف

انشأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #لقيت_صراف على تويتر وصفحة بنفس الاسم على الفيسبوك، وصار الباحث عن سيولة يبدأ رحلته بالبحث من خلال زيارة هذه الصفحات.

عن نفسي، اتصل برقم شركة منظمة للمعاملات الإلكترونية، فخدمة العملاء لديهم تدلني على أقرب صرّاف آلي يحتوي على مال، أركض نحوه لأجد صفًا آخر ينتظرني. هنا لا توجد رفاهية مكيّف الهواء في الشركة، صفوف الشارع فعلاً تستهلك طاقتي، حتى لو كنت أقود سيارة فلن تحمني من القيظ، لتضمن حقك يجب أن تقف كما يقف الجميع، هنا عزة صديقتي غير موجودة لتخبرنا أين تنتهي قسمة المال على اثنين، قد تجد نفسك داخل الصرّاف ويعتذر لك: "انتهى المصروف اليوم".

لا للكاش!

كحل بديل، صرنا نبحث عن المحلات التي تستقبل البطاقات وتحاسبك بنقاط البيع. هذه أيضاً طالتها الأزمة، الضغط الكبير علىَ الشبكة التى تدير التحويلات الإلكترونية جعلها تتعرض للانقطاع مرة كل مائة مره مثلاً، الأوراق التي تطبع الإيصال تنتهي وهكذا. في الحقيقة، عدا متاجر السلع الاستهلاكية، أغلب التجار يضيقون ذرعًا ويحاولون أن يمتنعوا عن استخدام هذه الوسيلة، في آخر المطاف هم أيضاً يريدون "الكاش".

ليس كل التجار بالطبع يتعرضون لنفس الظروف، هنالك من لديه وساطات داخل المصارف تمكنه من سحب ما يشاء حينما شاء. وأغلب "رجال السوق" يملكون خزانة يودعون فيها مالهم ويديرينه خارج النظام المصرفي. لتعرف حجم هذه الأموال أنظر للخسائر النقدية التى تكبدها هؤلاء في حادثة حريق سوق أمدرمان الأخير.

الجانب الإيجابي الوحيد لهذه الأزمة هو انتشار نقاط البيع والتعاملات الإلكترونية واكتسابها لثقة الجمهور. كمتخصصة في التجارة الإلكترونية، أرى فيها أيضاً فرصة استثمارية مستقبلية لشركات برمجيات ومواقع تسوق إلكتروني في السودان.

انشأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #لقيت_صراف على تويتر وصفحة بنفس الاسم على الفيسبوك، وصار الباحث عن سيولة يبدأ رحلته بالبحث من خلال زيارة هذه الصفحات.
الجانب الإيجابي الوحيد لهذه الأزمة هو انتشار نقاط البيع والتعاملات الإلكترونية واكتسابها لثقة الجمهور. كمتخصصة في التجارة الإلكترونية، أرى فيها فرصة استثمارية مستقبلية لشركات برمجيات ومواقع تسوق إلكتروني في السودان.
تأتي هذه الضائقة لتزيد الهمّ على المواطن، فالمستشفيات الخاصة ترفض الشيكات وبذلك يجد أهل المريض أنفسهم في رحلة بحث أصعب عن مبالغ مالية لا يمكن تحصيلها.

أزمات أخرى

تأتي هذه الضائقة لتزيد الهمّ على المواطن، فالمستشفيات الخاصة ترفض الشيكات وبذلك يجد أهل المريض أنفسهم في رحلة بحث أصعب عن مبالغ مالية لا يمكن تحصيلها بسحب ألفي جنية  فقط يومياً فحتى لوّ جمعت كل بطاقات أسرة المريض فلن تسدد المطلوب. نفس المعاناة تواجهك أثناء شرائك للأدوية التي تضاعف سعرها لدرجة مخيفة، وقس على ذلك رسوم المدارس، الإيجار، مصاريف الصيانة والأيدي العاملة وغيرها.

الأمر سيىء للغاية، يكفي أن نقودك محاصرة، وتحصل عليها بسعي وكد منتقلاً من جهاز ATM إلى آخر، مستخدماً عدة بطاقات من بنوك مختلفة، فهذا المال تنقص قيمته كل يوم. قم بعملية حسابية صغيرة لتدرك  التضخم الذي يخنقنا، في كانون الثاني/ يناير الماضي كان الدولار يعادل 33 جنيهاً. اليوم، بعد عامٍ تقريبًا، الدولار على أعتاب 60 جنيهًا.

سيكون من الحكمة إذن استخراج مالك من البنك وتحويله لعملة أجنبية، وهذا بالضبط ما يحدث، تجارة العملات راجت بشكل كبير، ومعها "ربا مستتر".

في الحديث عن التعامل الربوي، ففي هذا الشعب الشديد التديّن، الذي يتمعض من "ملابس مغنية في حفل خيري"، نجد من يمكن أن يمدّ لك الشيك المصرفي بما يعادل ألف جنية ويأخذ 900 مقابله بكل سرور. لست واعظة ولا يعنيني فعلاً دخول أحد الجنة، لكن هل نعي ماذا نفعل أم أن استغلال الفرص يسيطر علينا؟ أتخيلهم كتجار الحرب، يتكسبون من معاناة الضحايا.

لعل أقل تقدير لما يحدث لنا هو إصابتنا بالأنانية، وبإمكان أن يحاول كل منا التفكير بالآخر، وفي سياق الحديث عن طوابير الصرّافات الآلية، تخيّل مثلًا لو سحب الفرد أقل نقودًا مما يريد؟ لاستفاد 50 آخر عوضًا عن 25. الأمثلة المشابهة كثيرة، لكن الضيق يولّد الانفجار، لا يصنع ملائكة، للأسف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard