شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الجميلات النائمات.. والحزن العاديّ

الجميلات النائمات.. والحزن العاديّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 2 ديسمبر 201811:47 ص
یقول محمود درویش عن الهویة إنها فساد المرآة التي یجب أن نكسرها كلّما أعجبتنا الصورة؛تأخذني هذه المقولة إلى فكرة تغیّر الزمن، ووجود شروط جدیدة للحیاة. هل بالضرورة سنكسر نحن الجیل الجدید المفاهیمَ القدیمة للفنّ وللكتابة والحیاة؟ هل نتوازن مع الماضي، أم نأتي بأشیاء أخرى من خارجه؟ أتذكر حین كنت أسأل جدّي عن رأیه برُسوماتي كان یصمت، ویقول إنّه یعترف بمدرسة واحدة للفنّ، وهي الكلاسیكیة. جدّي الفنان الراحل الذي وُلد في الغابسیة في شمال فلسطین، وكبر وعاش في لبنان، وترك لنا مكتبة ولوحات أخذتنا نحو عالم آخر من القراءات الجدیدة، والفنّ الحدیث. فهل هو صراع أجیال، أم أن هناك نقطة التقاء بین جیلین في مكان ما في الإنسانیة؟ مكان ندركه متأخرین أحیانًا، أو نكتشفه بعد حین، عندما نعود ونسأل أنفسَنا: "من نحن؟". تجیبني أجواء "الجمیلات النائمات" لـیاسوناري كواباتا بأكثر من جواب؛ ففي الروایة یزور العجوز إیغوشي منزلًا تنام فیه الجمیلات في نفس الغرفة مع العجائز، وبذلك یعیش العجوز شبابه الراحل، ویتأمّل أشیاء في شیخوخته. زبائن هذا النادي هم شیوخ وعجائز، سیتذكّرون أیّام الشباب، ویرون أحلامًا جمیلة وسعیدة. وستتیح لهم تلك التجربة تأمّلَ الجمال بطریقة أخرى؛ إنه الولوج إلى كُنه الحبّ والعناق الروحيّ بین الرجل والمرأة؛ هناك حیث یلتقي الجیلان في عالم واحد: جیل الشیخوخة وجیل الشباب. فأيّ تفاهم مرّ، هذا الذي تتضمّنه صفحات هذه الروایة العظیمة؟[post_quotes/] كان إیغوشي العجوز یسرح في ذكریاته الشابّة، وهو یتأمّل الجمیلة النائمة. إنها تجربته الجدیدة في النظر إلى ماضیه الشابّ من خلال التأمّل في الجمال ومعاینته وعیشه مرة أخرى. ولو أن الجمیلة تستیقظ لتكون أیضًا تجربة جدیدة في النظر إلى الشیخوخة ورؤیة الحیاة مرّة أخرى في تلك النقطة التي تلتقي الشیخوخة فيها بالشباب. إنها لیست روایة عن الحبّ ولا عن الرغبات؛ إنها روایة عن تأمّل الماضي واكتشافه من جدید بنظر الشیخوخة. هي لحظة صِدام حادّ، حیث العناق لم یكن مسموحًا، ولكنّها أیضًا نقطة التقاء تؤسّس لفكرة جدیدة عن الجمال. وهذا التصادم قد أسّس لحیاة تفیض بروعة المرور عبر الزمن، ورؤیة الأمور وهي تتغیر وتتجدد أو ربّما تنتهي. هنا یحدث العناق الآخر، المختلف عن العناق الجسدي؛ العناق الذي یولِد تأمّلًا في الذات والآخر، وتقدیرًا أكبر للمرأة وجمالها؛ فبعد كسل الحواسّ ستستیقظ بصیرةُ العجوز، وتعمل ذاكرته على رؤیة ما لا یراه الشابّ، وهو یتأمل الفتاة حیث تتحول اللوحة الصامتة إلى مرآة للذاكرة. اذًا هناك رؤیة أخرى للأمور تولد نتیجة ذلك اللقاء الروحي والفكري بین جیلین. فهل یلتقي جیلنا المنفتح على العالم في زمن الفیسبوك مع ذاك الجیل القدیم؟ جیل النكبة أو جیل ما قبل الفیسبوك؛ الجیل الذي عایش أحداثًا، ورأى أمورًا لم نعایشها نحن، وكوّن فكرته المختلفة عن العالم وعن فكرتنا. ربّما یجب أن نبحث عن مكان ما نلتقي به كي نؤسس أحلامَنا المشتركة. نقطة الالتقاء مع هذا الجیل الذي عاش الثورة والنكبة تكمن في الحدیث عن فلسطین حیث یحكي الأجدادُ التاریخَ الشفويَّ غیرَ المكتوب للجیلین، وأیضًا في تلك الأدبیات التي أنتجت أدب المقاومة حیث الالتقاء اللغويّ بین جیلین یحدث في تلك القراءات التي یجب أن تعیدنا إلى سؤال "أین نلتقي مع الأدب الذي شكّل وعیَنا، وهل بالضرورة ننقسم عنه، ونختلف، أم نضیف إلیه؟" یقول محمود درویش في "یومیات الحزن العادي": "كان مصیرك یلحّ علیك بتحدیدِه، وكانت هویّتك الغامضة على الورق والساطعة في القلب تطالبك بتحقیق الانسجام بینهما، وكأنّك تأتي دفعة واحدة من أول العمر إلى هذا السؤال: من أنت؟" ربّما تكون هذه هي نقطة الالتقاء بین هذا الجیل وجیلنا؛ سؤال الهویة، والسؤال عن "من نحن؟" وهو السؤال المتغیّر والثابت في آنٍ واحد. فلو سمح لنا كواباتا في مكان ما الالتقاء بذاك الزمن وشخوصه، لكان سؤال "من نحن؟" هو السؤال الإنسانيّ الذي ستطرحه على ذلك الجیل. ستكون للغتنا الغریبة تركیبة جدیدة ربّما یحبّها او لا یحبّها روّاد ذلك الزمن، لكنّهم ربّما سیتفهمون أنّ زمنَنا قد تغیّر، وحدثت أشیاء كثیرة غیّرتنا وحوّلتنا حتّى بِتنا ننتمي لزماننا، فاعذرني یا جدّي!

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard