شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الجولان السوري المحتل: عن خطاب الاحتلال النسوي وفشله

الجولان السوري المحتل: عن خطاب الاحتلال النسوي وفشله

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 18 نوفمبر 201803:40 م
في 30.10.2018، قام أهالي الجولان السوري المحتل بالاعتصام رفضاً لانتخابات المجالس المحلية المفروضة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وقد قامت شرطة الاحتلال بمهاجمة المتظاهرات/ين، مما أنتج عن إصابة البعض بإصابات متفاوتة. إن هذا الحدث، والذي يتدرّج كصمود آخر لأهالي الجولان السوري المحتل، قد بدأ منذ أكثر من عام، عند إعلان وزير الداخلية الإسرائيلي عن هذه الانتخابات. بعد هذا الإعلان، ولأول مرّة في الانتخابات المحليّة الإسرائيلية، تقوم امرأة "درزية" بالترشّح لانتخابات، والتي بدورها تقام لأول مرة في قرى الجولان. بهذا، أتيح للاحتلال انتهاز هذه الفرصة لاستخدام الخطاب النسوي، بغية استقطاب النساء، عن طريق عرض نفسه كبديل "عاقل" و"حاضن" للفكر النسوي، متجاهلاً تماماً دوره في تهميش، قتل، وقمع النساء في فلسطين المحتلة والجولان. جرأة الاحتلال على دعوة النساء لتجاهل كل التهميش والألم والظلم الذي تسبب به، مطالبًا إياهنّ تصديق نواياه بكونه أفضل بديل لمجتمعهنّ "الذكوري غير المنفتح"، هي خطاب نسوي ضيق النطاق، يستبعد كافة الأسباب الأخرى لتهميش النساء ويسلط الضوء على المجتمع فقط. كانت كيمبرلي ويليامز كرينشو، وهي محامية حقوق مدنية أميركية من روّاد نظرية النقد العرقي، أوّل من استخدم مصطلح التقاطعيّة (intersectionality)، والذي يعرّف كإطار تحليلي لفهم نظم القوّة التي تساهم بتهميش المجموعات الأكثر ضعفًا. تهدف التقاطعيّة للتشديد على ديناميكيات يتم تجاهلها في الحراكات النسوية، وهذا يتبعه تسليط الضوء على أسباب أخرى، بالإضافة للأسباب الجندرية، ساهمت في تهميش النساء. سوف أستعرض أدناه أسبابًا أخرى اتبعها الاحتلال لتهميش النساء، تم تجاهلها في الخطاب المعتمد من قبل المرشحة للانتخابات المحلية المرفوضة في الجولان السوري المحتل. القوانين العنصرية للاحتلال تساهم بتهميش النساء بشكل منظّم – الامتناع عمداً عن محاكمة جرائم الشرف أو تقديم محاكمة غير عادلة لجرائم الشرف، امتناع الشرطة عن معالجة قضايا العنف الأسري، منع غير منطقي ومجحف للمّ شمل العائلات الفلسطينية، استهداف النساء في الانتفاضة الثانية، حرب لبنان الثانية، والعدوان على غزة. يضاف إلى هذه القائمة التهميش الممنهج المتبّع ضد النساء في كافة قطاعات الحياة اليوميّة (نسبة منخفضة جداً من النساء العرب العاملات، الأجر الأكثر انخفاضًا من بين جميع شرائح المجتمع، أقل تواجد في مناصب عامة وخاصة، عدم إتاحة الأماكن العامة في البلدات بشكل ملائم، معاملة مختلفة بين النساء العرب واليهود في المؤسسات الصحيّة، معاملة مختلفة بين النساء العرب واليهود في المؤسسات المدنية، معاملة مختلفة بين النساء العرب واليهود في الجامعات والمؤسسات التربوية، والمزيد). بالإضافة لسجن ومحاكمة العديد من النساء العرب لأسباب باطلة مثل الاعتقال الإداري أو بسبب ممارسة حرية تعبيرهن عن الرأي، نذكر منها، من الأحداث الأخيرة، محاكمة الشاعرة دارين طاطور، والاعتقال الإداري بحق النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني خالدة جرار. في الجولان السوري المحتل، سقطت الشهيدة غالي فرحات في تاريخ 8.3.1985 ضحية لهمجية الاحتلال، أمضت عدة نساء من الجولان أحاكمًا جائرة بالسجن لأشهر وسنوات في سجون الاحتلال، بالإضافة لمنع التواصل بين نساء الجولان وذويهم شرقي خط وقف إطلاق النار. أيضاً، في الاعتصام الأخير المناهض للانتخابات، أصيب عدد من النساء واضطررن لتلقّي العلاج الطبي نتيجة الاختناق بسبب الغاز المسيّل للدموع، رغم سلميّة التظاهر. تجاهل الاحتلال الإسرائيلي لدوره في تهميش النساء لم يحدث صدفةً بل عمدًا. يحاول الاحتلال دائماً غسل الجرائم التي يرتكبها بحق الفلسطينيين والعرب عن طريق استعراضات "ليبرالية" مختلفة، وانتهاز فرصة وجود مرشّحة "امرأة درزية" للانتخابات المحلية بمحاولة لاستقطاب الصوت النسائي في الجولان السوري المحتل هو مثال آخر لهذه الاستعراضات. تشير التقاطعيّة (intersectionality) في هذا السياق لوجود العديد من الأسباب التي ساهمت في قمع وتهميش النساء العرب في فلسطين المحتلة والجولان المحتل، وسببها الرئيسي هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه، والذي يحاول جاهداً استغلال النساء لتسجيل "فوز" سياسي عن طريق اتباع خطاب ممنهج غير صحيح، مستغلّاً خصائص المجتمع العربي الذكورية، ومستغلّاً انفتاح الجولان السوري المحتل لاحتضان الخطاب الليبرالي.
جرأة الاحتلال على دعوة النساء لتجاهل كل التهميش والألم والظلم الذي تسبب به، مطالبًا إياهنّ تصديق نواياه بكونه أفضل بديل لمجتمعهنّ "الذكوري غير المنفتح"، هي خطاب نسوي ضيق النطاق، يستبعد كافة الأسباب الأخرى لتهميش النساء ويسلط الضوء على المجتمع فقط.
 القوانين العنصرية للاحتلال تساهم بتهميش النساء بشكل منظّم – الامتناع عمداً عن محاكمة جرائم الشرف، امتناع الشرطة عن معالجة قضايا العنف الأسري وغيرها..
تجاهل الاحتلال الإسرائيلي لدوره في تهميش النساء لم يحدث صدفةً بل عمدًا. يحاول الاحتلال دائماً غسل الجرائم التي يرتكبها بحق الفلسطينيين والعرب عن طريق استعراضات "ليبرالية" مختلفة
ساهمت نساء الجولان المحتل، منذ الأيام الأولى للاحتلال، بتسيير التاريخ النضالي وتفعيله، عن طريق العمل التطوّعي، زيارة الأسرى والمعتقلين، وتأسيس جمعيات لرفع الوعي، ولم يكن للاحتلال أي دور سوى محاولة هدم هذه البنية المجتمعية. تابعت النساء في الجولان هذا النهج أيضاً في رفضهنّ للانتخابات المحلية في الجولان السوري المحتل، بالرغم من انعدام الإشارة لازدواجية الخطاب النسوي القادم من جهة الاحتلال في الخطاب العام. إن الوعي الجماعي للنساء في الجولان السوري المحتل لم يهزّه هذا الخطاب، ولم يهدمه انتهازيين اتبعوا خطاباً ذو وجهين نابع من كيان مستعمر. وكان واضحًا، أنه لن يستطيع هذا الخطاب غسل الجرائم الإسرائيلية بحقنا كمجتمع عربي. نتيجة لهذا الوعي، والفشل المطلق للاحتلال باتباع هذا الخطاب، حصلت المرشّحة "المرأة الدرزية" على صوت واحد فقط في الانتخابات – هو صوتها نفسها. إن المذكور أعلاه لا يلغي دور المجتمع العربي وبيئتنا الاجتماعية في تهميش وظلم النساء. إذ لا يمكن غض النظر عن قمع المجتمع الذكوري بغالبيته للنساء. سعيًا لمجتمع متساوٍ، أشير إلى أن الحراكات النسوية كانت وما زالت جزءًا لا يتجزأ من صراعات الشعوب للحرية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard